الاثنين، 20 مايو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 10

- 10 -

فإذا فهمتَ هذا الذي قلناهُ عن رتبة الرّحمانية التي هي أعلى رتب الوجود، باعتبار البقاء بالله سبحانه وشهود الحضرة الأسمائية من مقام السرّ، باعتبار مقام البرزخية بين الأسماء والصّفات وبين الذات. بين المحمديّة والأحمدية.

فالمحمديّة هي الوجهة للخلق والحضرة الواحدية من مقام السرّ عند نزوال الرّوح في القلب.

والأحمدية هي الوجهة للحقّ سبحانه بشهود الحضرة الأحدية وسرّ الذات.

وبهذا الاعتبار تفهمُ اصطلاح الصوفية بقولهم الجمع في قلبه، والفرق في لسانه وأفعاله.

فإذا فهمتَ هذا، علمتَ أنّ جميع الخلفاء من افراد بني آدم ما حقّقوا هذه البرزخية والجمع والفرق وشرائط الولاية إلاّ ببلوغ هذا الرتبة الرّحمانية والبقاء به سبحانه. والتحقّق بالأخلاق الإلهية. فافهم.

فإذا فهمت هذه النّقطة على النّحو الذي ذكرناه، عرفتَ أنّ الختم الوليّ كان وليّاً بالأصالة، قبل بلوغ تلك الرّتبة المذكورة. فهو وليّ سرّهُ وباطنه متوجّه لله تعالى سبحانه.

وليّ بالميلاد، وليّ قبل كماله، الكمال المعروف بشرائطه وأخلاقه.

يتحقّق بجميع المراتب الخلقية، فيجمع بين الظاهر والباطن. بطونه الحقّ تعالى، وظاهره المراتب الخلقية والحقية جميعها.

وذلك يكونُ خلال جذبه وقبل بلوغه الكمال وقبل بيعته بين الرّكن والمقام.

فتشهدُ له سيرته ورحلته نحو الكمال المتفرّدة مطلقاً، أنّه الوليّ الذي ظهرَ بالأضداد التي تجلّت من حضرة السر والذات. والوليّ الذي ظهر بالمراتب الخلقية بسرّه المتوحّد، له جهة واحدة يتقلّبُ في الأحوال والأضداد والخلع الخلقية. كما هو الأصل الذي تجلّت منه الحضرة الأسمائية، فافهم.

والأصلُ الذي تجلّت منه الحضرة الأسمائية ثمّ تجلّى به الخلق هو الحقّ سبحانه. فافهم.

فهذا معنى خاتم الولاية بكلّ بساطة، وهذا هو معنى الخليفة، فهو الخليفة عن الحقّ سبحانه. يتلوّنُ بالأضداد والمراتب الخلقية والحقية كما تلوّن الذات السّاذج.

فتشهدُ له هذه الصورة بالعلامة وأنّه صاحب الذات الساذج الذي تجلّت منه الحقائق الخلقية والحقية.


فهو في كلّ مرتبة، وفي كلّ حال، وفي كلّ واد قبل كماله، له جهةٌ واحدة هي الحالُ الذي يظهرُ به، صادقٌ متوحّد، يتلوّنُ بأنوار الطبّاع وأحوال الخلائق، تجذبُه المواطنُ موطناً موطناً، حتّى يستوفيها كلّها.

فهذا هو سرّ الختم المجذوب، وهو سرّ الإسم الأعظم، وسرّ الذات. لذلك سمّي المهدي فهو مهدي بسرّه المتفرّد.

لغته غير لغة الخلق، ومحلّه إذن غير محلّهم، بهذا التصريح، وليس ذلك لغيره.

يطوي الأكوان بقائم أحديّته وسرّ ذاته، فهو الذاتيّ وهو جامع الأضداد. يجمعُ بين الكمال واللاّكمال.

يجمعُ بين العلم والجهل، والشهود واللاّشهود، والجمال والجلال، والأضداد التي تجلّت من الاصل. وهو عينُ الأصل بسرّه وقائم أحديّته. فافهم.

ولدينا هنا فيوضٌ حول هذا المجذوب، لنشرحَ لك حقائقه، ولماذا تظهرُ حضرة الدجّال، ولا يتصدّى له إلاّ الخليفة بسرّه.

ولدينا نقولٌ من الأكابر المحقّقين لتفهمَ أنّ هذا الذي نقوله هو التحقيق، ولا عليك من المنكرين والمقلّدين.

فهنا حضرة العلم والتحقيق بإذن الله تعالى.

ومن يقف على ما نقوله يعلم علم اليقين ما نقوله وما نبديه من مقام هذا الخليفة والختم.

وسرّ هذا المجذوب المكتوم الذي عليه يدورُ فلكُ الكمال.

فانظُر رحمك الله تعالى إلى هذا الفرد المتفرّد، هذا الوليّ بالأصالة الذي يظهرُ بالأضداد، ويظهرُ بالحقائق الخلقية، كما هو الذات السّاذج الذي هو اصلُ كلّ مخلوقٍ وأثرٍ تجلّى، فيستوفي الحضرة الأسمائية وهو في جذبه قبل كماله، باطنُه الله وظاهرهُ الأحوال المتقلّبة والتقلّبات المتنوّعة، فيظهرُ بعلم الأكابر وعلم الحضرات الوجودية التي لا يمكنُ أن يعلمها العالمُ إلاّ شهوداً وذوقاً وعند تحقيق شرائط الولاية وتنزّلِ اسم العليم، وهذا المجذوبُ يعلمُها بسرّه الذاتيّ ويستشرفُها أصالةً وهو في جذبه وفي تركيبه العنصريّ. فهو عالمٌ من وجهٍ من حيث استيفائه مرّةً بعد مرّةً لمشاهد الطّريق وهو جاهلٌ من جهة التفصيل، وهو شاهدٌ للتفاصيل من حيث هو غير مُشاهدٍ.

لذلك لا يصعبُ عليه فهمُ الحقائق وذوقها على ما هي عليه، لأنّه يستمدّ مادة علمه من الله مباشرةً، فعلمُه من النّبع والأصل، مادّة علمه من الرّوح الأعظم الذي يستمدُّ منه أهل الكمال.

يتقلّبُ في تلك الأطوار والأدوار من غير علمٍ منه، وهنا ننقلُ كلام الشيخ الأكبر من الفصوص لتعلمَ أنّ هذا تحقيق :

قال الشيخ الاكبر قدس سره في فص في كلمة شيثية من كتاب "الفصوص":
(وهذا العلم كان علم شيث عليه السلام وروحه هو الممدّ لكل من يتكلّم فيه مثل هذا من الأرواح ما عدا الخاتم فإنّه لا يأتيه المادة إلاّ من الله لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح وإن كان لا يعقل ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري. فهو من حيث حقيقته ورتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري. فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتّصاف بالاضداد كما قبِلَ الأصلُ بذلك، كالجليل والجميل، وكالظاهر والباطن والأول والآخر وهو عينه ليس غير. فيعلم ولا يعلم، ويدري ولا يدري، ويشهد ولا يشهد.) انتهى

وانظر لذلك الكلام النّفيس في وصف الخاتم وهو في زمن تركيبه العنصريّ وقبل انسلاخه من مظاهر البشريّة والعنصرية، الخاتم وهو في جذبه. فهو الأصلُ الذي يتقلّبُ في الأضداد. والأصلُ الذي يتقلّبُ في الأضداد، هي الذات التي تجلّت منها حضرة الأسماء، فافهم. فهو عينُه الاصل كما قال الشيخ الأكبر.

وفي هذا الكمال العلميّ، ما يُعلمُك أنّه مهديّ العقل، فالمهدي في رحلة جذبه هو سالكٌ لله تعالى، من حيث هو واقفٌ منفردٌ في خلواته وعزلته وفرديّته. لأنّ المواطن والمشاهد يطويها بلا تكلّفٍ منه، فهو يتقلّبُ في جميع الحضرات، ويرتقي في المشاهد من حيث تقلّبه في جميع الذوات، لأنّ سرّه هو سرّ كلّ ذات، وسرّ كلّ مخلوق. فهو سالكٌ إلى الله تعالى من حيث لا يدري أحد.

وهذا الكلامُ قد أشارتْ إليه النبوّة في وصف المهدي عليه السلام، ولا يعرفُ حقائق المهدي إلاّ أهل العلم بالله تعالى. وأنّ أوصافه في الأحاديث النبويّة تُعلنُ صريحاً بعد كشفِ النّقابِ عنها أنّه صاحبُ الذات.

يتبع ...