الاثنين، 20 مايو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 11



- 11 - 

فمن هذا الأصلُ الذي يجمعُ الأضداد ؟

نقل الشيخ الأكبر في الفتوحات والشيخ الجيلي في الانسان الكامل رضي الله عنهما أنّه قال أبو سعيد الخراز رضي الله عنه وقد قيل له بم عرفتَ الله فقال بجمعه بين الضدين.

فما من شيءٍ في الوجود تجلّى إلاّ من الله سبحانه، لا شيء يخرجُ عن ملكوته، جمال وجلال، خيرٌ وشرّ، نور وظلام، علم وجهل، وجود وعدمٌ، غنى وفقر. فجميع الأضداد منبثقة من نبعٍ واحد، ومن عينٍ واحدة.

قال سبحانه {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}

فهذا هو الأصلُ، والمجذوبُ هو صورة الأصل الجامعة بين الأضداد، وإذا فهمتَ حضرة الختم، فهمتَ جميع الحقائق وحكمة العالم. كيف لا ؟ والختمُ هو آخر ما يتكشّفُ للأفراد والمحقّقين المقرّبين ؟

والمجذوبُ هو الحجّة والعلامة على ختمية الخليفة وسرّه وحقيقته، منه تظهرُ جميعُ الحضرات الوجودية.

لا يُمكنُ إلاّ أن يُضربَ الكتمُ على هذا الوليّ الإمام، لأنّ بحر العلم منه انفلق، وفيه لا محالة يغرقُ من غرق.

ولأنّ محلّه غير محلّ الخلق ولا لغته لغتهم، لذلك لا عبرة في التصريح بمقامه إلاّ للمتحقّقين بحقائق العلم، والشاهدين بذوق. زائلُ بختمه عن مرتبته. وهو حقيقة جميع المراتب.

فالخلقُ لغتهم على طريقة سيّد الرّسل والأنبياء أوّل العابدين وسيّدُ المقرّبين من ربّه، وشفيعُ المؤمنين وشفيعُ الخلق جميعاً في مقامِ الوجود بالله، حيث ما خلق الله الأكوان إلاّ ليرحمها بوجوده سبحانه. ولا تحصلُ لها هذه الرّحمة إلاّ في مقام الرّحمانية والبقاء بالله سبحانه، بالنبيّ الحبيب صلّى الله عليه وسلّم.

ولولاهُ تحقيقاً ما خلق الله الخلق والأفلاك، فحقيقة الدّنيا قامت على لا إله إلاّ الله، ولا تقومُ على لا إله إلاّ الله إلاّ بمقام البقاء به سبحانه محمّد رسول الله. فاكتملتْ به صلّى الله عليه وسلّم الحقائق، ورحمت الخلائق، ولاذت بالشفيع المشفّع سيّد الأكوان والخلق ليشفع لها عند ربّها. فافهم.

أمّا الخليفة والختم، فهو عين الوجود وهو سرّ الذات، لولاه ما قامت الخلائق ولا تجلّى سبحانه. فما تجلّى إلاّ بذاته في ذاته لذاته. فأين الأغيار. فكان حقيقة التجلّي هو الخليفة. واسطة العقد وحامل الأمانة والعهد الذي يحفظُ الله به العالم الدنيويّ والأخرويّ فافهم.

عينُه واجبُ الوجود، سرّ الذات الذي تجلّت الأعيان العلمية به، ألا ترى أنّ الخلق لا محالة هويّتها هي الحقّ سبحانه.

فوجبَ أن يكون الخليفة هو عين الحقّ سبحانه. وإلاّ ما قامتْ هذه الصّلة وما رجعتْ الخلائق لهويّتها. فافهم.

قال الشيخ عبد الكريم الجيلي قدّس الله سرّه في كتابه "الإنسان الكامل" يصِفُ حقيقة المهديّ الخاتم الوليّ:
(فقد سبق أن قلنا أن الحقّ إذا تجلّى على عبده وأفناه عن نفسه قام فيه لطيفة إلهية، فتلك اللّطيفة قد تكونُ ذاتية وقد تكونُ صفاتية، فإذا كانت ذاتية كان ذلك الهيكل الإنسانيّ هو الفرد الكامل والغوث الجامع، عليه يدورُ الوجود، وله يكون الركوع والسجود، وبه يحفظ الله العالم، وهو المعبّر عنه بالمهدي والخاتم، وهو الخليفة وأشار إليه في قصة آدم، تنجذبُ حقائق الموجودات إلى امتثال أمره انجذاب الحديد إلى المغناطيس، ويقهر الكون بعظمته ويفعل ما يشاء بقدرته، فلا يُحجبُ عنه شيء، وذلك أنّه لمّا كانت هذه اللطيفة الإلهية في هذا الوليّ ذاتاً ساذجاً غير مقيّد برتبة لا حقيقة إلهية ولا خلقيّة عبديّة، أعطى كلّ رتبة من رتبة الموجودات الإلهية الخلقية حقّها، ...) -اهـ- من كتاب الانسان الكامل

فانظر إلى حقيقة المهدي الخاتم ومن هو حقيقةً ؟ فليس هو سوى واجب الوجود، والذي وجبَ له الرّكوع والسّجود، وأنّ الحقّ تعالى قامَ فيه لطيفة ذاتيةً وفي غيره لطيفةً صفاتية، وأنّه الوليّ الذي كانت اللطيفة الإلهية فيه ذاتاً ساذجاً فأعطى جميع رتب الموجودات الإلهية والخلقية حقّها، وأنّ هويّة الموجودات ترجعُ في حقيقتها إلى هويّة هذا الوليّ، فهي منجذبةٌ إليه انجذاب الحديد للمغناطيس، وكان الواحد القاهر القهّار الذي يقهرُ الكون بعظمته، ليرجع إليه في مقام الواحدية.

فهذا هو علم الذوق والتحقيق، وغيرُ هذا العلم فهو تقليدٌ وتصحيفٌ وتخريصٌ.

فقل لي بربّكَ كيف لا يقومُ الكتمُ على هذا العبد ؟ وأنت كلّما عرفتَ الله سبحانه وتشرّبت بالعلم والتحقيق، بهرَك هذا المجذوب والخليفة والأسرارُ التي تدورُ حوله، وأنّ جميع الأسرار فكّ إلغازها في معرفته ومعرفة سيرته والأحداث الدائرة في زمانه.

لذلك كان القائم بالعدل المطلق في آخر الزمان، فالعدلُ يرجِعُ لصاحبه، صاحب العقوبة والجزاء.

لا يعدلُ إلاّ صاحبُ الملك والشأن، لأنّهُ المخوّلُ بالعقوبة والجزاء بإطلاق. فكان الملك العادل المهدي هو الملك الحقيقيّ، وهو الأمير الفاعل، وهو الفارقُ بين أهل الجنّة وأهل النّار.

ليس ظهورُهُ سوى لقيام الشهادة على نبوّة الأنبياء ورسالة الرّسل وخاتمية سيّد الأنبياء والرّسل صلّى الله عليه وسلّم، وليس ظهوره سوى لنصرة المؤمنين بالله سبحانه، سوى للإعلان عن زوال الدّنيا، سوى لقهرِ الشرّ الإنسانيّ المتجسّد في حضرة الدجّال وحضرة إبليس. وهنا تحقيق وذوق كبيرٌ معرفته تفتحُ لك العلم بحكمة وجود الشرّ والخير في العالم. وتنبئُكَ يقيناً، أنّ هذا هو المهيمنُ الذي منه ظهرت هذه الحضرات، فهو الأصلُ. وسوف نطرقُ باب سرّ وجود الدجّال في الدّنيا، ولماذا بلغَ ذلك المدى من الغواية والخطورة والفتنة العظمى، ولماذا لم يقابله سوى الخليفة، لأنّهُ ما ظهرَ إلاّ بسرّ الخليفة.

يتبع ...