الاثنين، 20 مايو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 12



- 12 -


حضرة الدجّال دليل على خلافة الخليفة الذاتية، لأنّ صورة الدّنيا - عليك أن تفهم- هي صورة باطن الخليفة كما ذكرنا لك، وما تجلّى فيها من مراحل وأطوار وأدوارِ فأصلُها نابعٌ من الذات، من ذات الخليفة.

لذلك فلا تزالُ الدّنيا في ترقّي حقائقِها منذ بعثة سيّدنا آدم عليه السلام.

وكانت بعثة الأنبياء والرّسل عليهم السّلام لتجسيد هذا الترقّي في الحضرات الأسمائية ونضج البشريّة شيئاً فشيئاً.

وهنا كلامٌ يطولُ نقفُ على الأفكار العامّة، وما نقوله تحقيق، حتّى جاءت بعثة الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم على رأس الألفية السادسة وتمّ نضجّ البشرية من جهة اكتمال الحقائق الخلقيّة واستواء منصّة الرّحماينة لتجليّات الإسم الأعظم وختمت النبوّة.

وتفهمُ تحقيقاً بعثة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الألف السادسة من قول الله تعالى : {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59)} الفرقان

فاستواء اسم الرحمن على عرش المخلوقات كان بستّة أيّام، وذلك تمامَ حضرة الصّفات والأسماء. فتمام القوس الخلقية من تمام قوس الحقيّة. وختمت المحمديّة ببعثة خاتم الرسل صلّى الله عليه وسلّم سيّدنا محمّد.

ختمت المحمديّة بمعنى، نضجت الأرضُ لتلقّي فيوض الولاية من مدد البقاء بالله سبحانه، حيث ثمّ مقامُ النبوّة. والأولياء المحمديّين ورثة للنبيّ الخاتم صلّى الله عليه وسلّم في هذا المقام.

ختمت المحمديّة والنبوّة، بمعنى نضجت الأرضُ لظهور أحمد في أثواب الأولياء كما ظهر في ثوب خير الخلق أحمد عليه الصلاة والسلام. بقوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ} سورة الفتح - (10)

فكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مفتاح شهود الله، ومفتاح تجلّي الإسم الأعظم، ومقامُه مقام البقاء بالله تعالى، وبه كما ذكرنا تتمّ الرّحمة الشاملة الكاملة عند تجلّي الإسم الأعظم، فيعودُ الدّورُ إلى بدئه. وهنا حقائق لتفهمَ هذا العلم المتظافر المتكامل الدّقيق، لنا بعض خيوطه وبعض عناوينه الرئيسية، وإلاّ فالعلمُ شيءٌ باهرٌ خارقٌ إذا برقتْ لوامعه وتجلّت أسراره وملكت نواصيه، وأقصدُ العلم الذي يجمعُ لك شتات المنازل والمشاهد والحقائق فيربطها ببعض، ويجعلُك تسكرُ به سكراً وتذهلُ به ذهولاً. ولا تزدادُ إلاّ تعظيماً وتقديسا للواحد الأحد سبحانه، ألا ترى قوله تعالى {إنّما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ} وقوله تعالى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.} [آل عمران:18]
فانظر إلى مقام أهل العلمِ بالله في شهود قسط الله وعدله ووحدانيته وعزّته وحكمته، والحكمة هي آخر التحقّقات.
فقد شهدَ بذلك أولوا العلم بالعلم المحقّق، لا علم الظاهر فقط الواقف على الظاهر، ولا نقلّلُ من شأن العلم هنا ظاهراً أو باطناً، ولكن العلمُ ما أغرقَ صاحبه في بحر الشهود والحكمة والتوحيد. وهو لا محالة علمٌ بالله تعالى قامَ بتنزّل اسم العليم.

و اسم العليم إذا تنزّل على العبد فقد صار ختماً فرداً وارثا للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم من المقرّبين الخلفاء.

ويجدُرُ الإشارة هنا إلى الوارث الخاتم الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي قدّس الله سرّه الذي صحّت له الختمية الصفاتية على قدم الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم بختمه لإسم العليم. فكأنّ الله تجلّى في عبده الحاتمي الشيخ الأكبر باسمه العليم، فكان صاحب ومظهر الأعيان العلمية وحضرة الأسماء. وكان قدّامة المقرّبين من الأولياء المحمديّين رضوان الله عليه، وكذلك كلّ فرد ختمٍ في زمنه وخليفةٍ يكونُ له ذلك المقام مقام القربة الذي هو مقام الختم والبرزخية بين النبوّة والولاية، كما كنّا نقولُ، وهي نبوّة الولاية دون نبوّة التشريع المحمديّة، فقد ختم النبوّة مطلقاً خاتمها صلّى الله عليه وسلّم وحاز من الولاية ختمها باسمه أحمد فهو سيّد ولد آدم وسيّد الأوّلين والآخرين، وما فاز الأولياء المحمديّين بتلك القربة إلاّ بنبوّة نبيّهم ورسولهم صلّى الله عليه وسلّم. فافهم فالنبوّة هي دائماً مقامُ الأصل والولاية تكونُ على قدمِها وتابعةً لها. في كلّ قومٍ يتبعون نبيّهم ورسولهم هكذا هو الشأنُ فالنبوّاتُ لفتح أبوابٍ مستجدّة لمقاماتٍ لا تكونُ إلاّ بنبيٍّ يتقدّمُ ذلك المقام فيكون هو أصلُ ذلك المقام، ثمّ يكونُ أتباعه الورثة له على مقامه تابعين له. فافهم.

ومقام الأختام والخواتيم والأفراد المقرّبين أهل القربة المسمّاة النبوّة المطلقة : نبوّة الولاية، هؤلاء ورثة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم في مقام الرّحمانية. فافهم. فخاتم الكمال والأسماء والصّفات وصاحب قاب قوسين أو أدنى هو سيّد البشر وسيّد الأولين والآخرين هو الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم الذي نعته الله تعالى بأوّل العابدين.

فمن يليه كلّهم وارث وتابعٌ ومتأخّرٌ، فهو أوّلُ العابدين وأوّلُ الشاهدين وهو فاتح باب الرّحمة الذي به ظهر الخلقُ أصلاً.

قال الله تعالى {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} غافر 7

فانظر رحمك الله، فقد تقدّمتِ الرّحمةُ العلمَ، فرسولُ ربّ العالمين إلى خلقه والعالمين هو صاحبُ الرحمة المبعوث رحمة للعالمين، والعلمُ انفلقَ من بحر الرحمة، فالأعيان العلمية انفلقت وظهرت بالرّحمة.
فالرّحمانية هي مقامُ البقاء بالله، وفي هذا توضيحٌ كافٍ شافٍ لمتوسّمٍ، فهناك العبدُ سمعُه يكونُ بالله، وبصرُه بالله وبطشه بالله، وعلمُه بالله، فهذا مقام التصرّف والطهّارة والرّحمانية والتحقيق، مقام البقاء بالله سبحانه. كما جاء في الحديث القدسيّ الذي رواه البخاري.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قَالَ الله تعالى : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ،
فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ}
البخاري.

فكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم باب الأحمدية كما قلنا، يقول صلى الله عليه وسلّم : (لن تهلك أمة أنا أولها وعيسى بن مريم في آخرها والمهدي في وسطها) أخرجه أحمد، وذكره الشيخ الأكبر في كتابه الخيال.

العبرة أنّ هذا الحديث من أحاديث الحقائق، فقوله صلّى الله عليه وسلّم : المهدي في وسطها، لا يمكن أن يعني ظهوره بآخر الزمان. فالمهدي يخرجُ علما على الساعة وعلما على زوال الدّنيا ويزامنُ المسيح بن مريم عليه السلام. فكيف قال صلى الله عليه وسلّم : المهدي في وسطها ؟ في وسط الأمّة ؟

هذا تبيينٌ لما نذكره من علم وتحقيق مكتوم حول مقام المهدي عليه السلام، فهو أحمد الذي ظهر النبيّ به صلّى الله عليه وسلّم وظهر به أولياء الأمّة المحمديّة الذين تحقّقوا بالإسم الأعظم. فكلّ الخلفاء هم خلفاء عن الخليفة كما قال صلّى الله عليه وسلّم "خلق الله آدم على صورته"

فمقام الخلافة الأسمائية وتجلّي الإسم الأعظم حصلَ بالمهدي، وهذا هو معنى الحديث النبويّ الشريف.

وسوف نذكرُ المزيد حول هذا الحديث وهذا المعنى. بكون الأحمدية المعنيّ بها هو المهدي عليه السلام أصالةً، واسم النبيّ صلى الله عليه وسلّم أحمد لأنّه أحمدُ الخلق لربّهم، وما من وليّ محمديّ يظهر إلاّ أحمديّته من أحمديّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فافهم. بخلاف خاتم الأحمدية والولاية وأحمد بالأصالة الخليفة الذاتيّ. فهو خارج السّربِ، لأنّهُ إمام الأئمة وختمٌُ الخواتيم، وحقيقة كلّ نبيّ ورسول ووليّ ظهر. فافهم

يتبع ...