الاثنين، 20 مايو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 15

- 15 -

أوّلا يجدرُ الإشارة أنّ عمر الدّنيا الذي قصدناه هو عمر الإنسان منذ عهد سيدنا آدم عليه السلام إلى ختام الدّنيا بطلوع الشمس من مغربها. هذا هو المقصود من عمر الدّنيا سبعة آلاف سنة وخمسمائة سنة.

لأنّ الإنسان هو خلاصة العالم، ودرّة الخلْق ومن أجله خلق الله كلّ شيءٍ، وآيات التسخير تملأُ القرآن. وحقيقة الإنسان وهي معرفة الله تعالى، وما خلق الله الكون سبحانه إلاّ على كلمة لا إله إلاّ الله محمد رسول الله.

أمّا عمر الأرض، فالآثار والعلم يقول بوجود الحياة منذ ملايين السنين، وربّما قد تكون آلاف الملايين من السنوات حتّى استوت الأرضُ وتهيّات لتكونَ صالحةً للحياة، وقد خلقها الله بعالم الأسباب والتدرّج وهو القادر على خلقها في لمح البصر.

وإنّما قامت على الحكمة المتناهية والتقدير الدّقيق والتفصيل العجيب سبحانه الخالق الحكيم العزيز.

ليست لديّ نظرةٌ في عمر الأرض قبل وجود الإنسان، لكنّ آيات خلق السموات والأرض في ستة أياّم لها مدلولها بالنّسبة ليوم الإنسان البالغ طوله أربع وعشرون ساعة، بعد خلق الشمس والأرض واستواء الأفلاك والمخلوقات وتهيئة الحياة على الأرض. أمّا بالنّسبة لتمهيد الخلق والأرض، فالأيّام لها مداليلها المختلفة قطعاً، وقد يُرادُ بها ستّة أطوار وفصول في الخلق. لأنّ أصلاً مفهوم اليوم ما قامَ إلاّ بدوران الأرض حول نفسها ومفهوم السنة بدورانها حول الشمس وهكذا.

لكنّ المؤكّد أنّ عمر الأرض والحياة فيها يمتدّ لملايين السّنين، وتزيد ربّما لأضعاف مضاعفة.فمنظومة الخلق واستواء الخلقيّة والحياة بهذا الصّنع البديع قد أقامه الله سبحانه على تدرّج عظيم، وتفاعلات فوق الخيال، سبحانه الخلاّق العليم وهو الذي خلق كلّ شيءٍ بقدرٍ وحكمةٍ، قال سبحانه وتعالى (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) -فصلت-

فخلق الأرض استوفى أربعة أيام يومين لخلق الأرض ويومين لاستيفاء كمالياتها والخلق فيها والأقوات والحياة ثمّ يومين استوفى السّماء، فتبارك الله أحسن الخالقين، وهو القادر على الخلق بكلمة كن فيكون، وإنّما هي حكمة الله سبحانه وتقديره للأشياء. وهذه الأياّم كما قلنا هي أطوار وفصول امتدّت لملايين السنين أو ملايين ملايين السنين. فهنا إعجاز منه سبحانه ليشهدَ الإنسان قدرة خالقه وتدبيره وتقديره، قال سبحانه (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[غافر]

فلمّا استوت الحياة على الأرض وخلق السموات والأرضين خلق الله الإنسان خلاصة العالم ودرّته، وجعله حاملاً لسرّ هذا العالم وجعله على صورة الخالق سبحانه بالصّفات السبع، الحياة والعلم والإرادة والقدرة والكلام والسمع والبصر. وهذه أمّهات الصّفات.

هنا الصورة يُرادُ بها الصّفات المعنوية، فالله سبحانه فوق الصور والمخلوقات والتحيّز والجهات، فالمكان والزّمان مخلوقان كباقي الخلق. قال صلّى الله عليه وسلّم "خلق الله آدم على صورته"
فبالصورة صحّ للإنسان الشهود والمعرفة والتوحيد. قال صلّى الله عليه وسلّم : "من عرف نفسه فقد عرف ربّه". فهذه المعرفة للنّفس على سبيل العلم والتحقيق، تجعلهُ يشهد هذه الصورة التي خلقه عليها، فيتحقّق بها، فحينها يوحّد الله سبحانه ويشهد ألاّ موجود سوى الواحد الأحد الديّان. وهو تمام العرفان والتوحيد. وهنا تفاوت المتفاوتون وذهل الذاهلون، وغرق الغارقون، ورجع الموحّدون من ذلك البحر الطّامسِ بالعجزِ والحيرة والبهتِ.

فكان عمر الأمّة المحمدية ألف وخمس مائة سنة،وكانت بعثته صلّى الله عليه وسلّم على رأس الألف السادسة، واكتملت به الحقائق للمعرفة والعبودية. فقد تجلّى واستوى اسم الرّحمن في عالم الحقائق لمعرفة الله سبحانه. والله تعالى يُعرفُ بواسطة أسمائه وصفاته. وهذا هو غاية العرفان والعلم بالله سبحانه.

قال الشيخ ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه "وصولك إلى الله وصولك إلى العلم به".
عينُ الوصول هو عين العلم بالله سبحانه، لذلك فمعرفة الله كانت بمعرفة أسمائه وصفاته، وكان خاتم الأسماء والصّفات هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وهو نفس قوله صلّى الله عليه وسلّم "من عرف نفسه فقد عرف ربّه" لأنّ نفس الإنسان كما ذكرنا هي خلاصة العالم وصورته الجامعة.

فاقتضت حضرة الخليفة أن يطوّل الله في اليوم الأخير إلى نصف يوم، لتظهر الحضارة المعاصرة والتكنولوجيا، ولا يكونُ قائدُ هذه الحضارة ورائدُها سوى الدجّال.
لأنّ حضرة الدجّال انبثقتْ من حضرة الخليفة، فعالم الأكوان وعالم الأسباب في الحقيقة هو غير منقطع عن حضرة الله سبحانه، فحقيقة الخلق وهويّتهم هي الحقّ سبحانه. فافهم.
وحينما يكونُ العبدُ منقطع عن حضرة الله تعالى، فإنّه يكونُ غارقاً في حضرة نفسه المنفصلة عن حضرة القدس وعالم الطّهارة والخير.فعالم الأكوان والأسباب في صورته المنقطعة عن الله سبحانه، عن حضرة القدس والرّوح الواسطة إلى الله سبحانه. فإنّه يكونُ عالمٌ نازعٌ إلى الشرّ ومضاد للتوحيد والقيم الروحية والسماوية مطلقاً.

فصاحبُ هذه الحضرة المنقطعة عن روح القدس، الحضرة الماديّة السّببية في عالم الأكوان والأسباب هو الدجّال، ولا محالة وجوده كائنٌ وذلك تعطيه الحقائق. لذلك يظهرُ الدّجّال، ويظهرُ بعلم وخوارق وتكنولوجيا عظمى. لأنّه صورة الدّنيا منقطعة عن روح القدس. ولذلك كان الذي يقتلُ الدجال هو المسيح عليه السلام رمز روح القدس، لأنّ الدجال هو مقلوب ومعكوس روح القدس. هو عالم الأسباب والأكوان والصّفات منفصلة عن حضرة التقديس والذات. فافهم.

لذلك كان الدجّال أعظم فتنة للبشريّة ولا يُقارعه سوى الخليفة، لأنّه نبع من حضرته.

يتبع ...