الاثنين، 20 مايو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 18

- 18 -

قال سبحانه وتعالى
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ البقرة 30

نقولُ لكلّ معترضٍ حسودٍ منكرٍ على ما نملأُ به الصحائف في حقيقة الخليفة المهدي عليه السلام.

إقرأ آية القرآن في الخليفة لتعلَمَ أنّ الخليفة هو حقيقة جميع الخلق والنّاس الذين ظهروا، فقد قالت الملائكة : أتجعل في الأرض من يفسد فيها ويسفك الدّماء ؟ وقد غابَ عنهم حقيقة الحقّ سبحانه، وحقيقة الذات. واعتراضهم كان بمقابلة ذلك الإفساد مع تقديسهم لله سبحانه. فنيّتهم حسنة في اعتراضهم، ولكن فاتتهم الحقائق والعلم بالله سبحانه. فعلّم الله آدم الأسماء كلّها وقال للملائكة أنبئوني بأسماء هؤلاء ؟

وآدم بالأسماء تحقّق بالصورة أن يكون صورة الذات، فيأخذ جميع الحقائق الحقيّة والخلقية فيتحقّق بها. وذلك فوق الملائكة فبهتوا وسجدوا وسلّموا لله فيما أراد وخلق سبحانه "سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا".

فجميع القوالب والقلوب الخلقية والحقيّة التي تحقّق بها بنو آدم من أوّلهم إلى آخرهم، أنبياءهم وأولياءهم وغيرهم يتحقّقُ بها الوليّ الخاتم الذي هو وليّ بالأصالة، لأنّه النّفس الأولى التي خلق الله منها جميع الخلق. فافهم. وهو خزانة الجود الإلهيّ فاتحها وخاتمها.

إنّه الذات الساذج الذي تلوّن بالأسماء والصّفات فظهرَ به الرّوح الأعظم الذي هو حقيقة الخلق والمسمّى الحق المخلوق به، فافهم.

فإذا ظهرَ هذا الخليفة فاعلم أنّ خزانة الجود الإلهي والوجود قد ظهر خاتمها وصاحبها الأصليّ، فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو النبيّ والرّسول والمثل الأعلى للكمال الإنسانيّ والكمالات الإلهية التي يتحقّق بها المتحقّقون. فهو سيّد الأكوان وسيّد الخلق. ما من وليّ أو نبيّ يتقدّمُ إلى نهاية التحقّقات والكمالات التي هي لا نهاية لها إلاّ ويجدُ قدم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم متقدّمةً حيث وصل، ولا يُعينُه في التحقّق سوى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويكونُ دائماً مقتفياً لأثر قدم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، جميع المقرّبين والأكامل فافهم. فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو صاحب مقام البقاء بالله سبحانه. هو عبد الله من خلق الله سبحانه. المتحقّق بالعبودية والربوبية أحسن تحقّق وأكمله.

أمّا الذات والسيّد الصّمد الخليفة الذي هو حقيقة جميع المراتب من أوّلها وآخرها، حتى مقام الكمال فهو الخليفة صاحب الذات.

لله طرائق بعدد أنفاس الخلائق، جميع تلك الطّرائق أصلُها هو الخليفة، يتحقّق بها الخليفة في جذبه وأطواره في سيرة منفردة في خلواته فهو الحضرة الجامعة بين الاضداد، الحضرة الأولى والأخيرة التي ظهرت بها الحضرات الخلقية والحقيّة فافهم.

فهو الوليّ الأصليّ ولا وليّ إلاّ الله تعالى، لا مجال لمقارنته بغيره، وأنا هنا لا أنفكّ بالتذكير بمنزلته ومن يكون، لعلّني وحدي في هذه المنافحة العجيبة التي ابتليتُ بها، وما زلتُ منها أكرعُ وأذهلُ في حقائق هذا الختم المكتوم المحسود حتّى ممّن يزعمُ الانتماء لسلك حضرة القدس.

واعلم أنّ الشيطان لا يُفارقُ السّالك إلاّ في مقام التقديس والنّفس الكاملة، وهو مقامُ المخلصين المقرّبين. فانظر رحمك الله لمن يمكنُ أن يكون له حظّ نفس وشيطانٍ في إنكاراته واعتراضاته على هذا الختم السيّد الصّمد.

ولعمري وصف السيّد الصّمد لا يليقُ بمخلوقٍ أبداً وقد أقسم الشيخ الأكبر أنّه السيّد الصّمد إذ قال في عنقاء مغرب : "أقسم لك بهذا البلد إنّه للسيّد الصّمد"، لا صمد إلاّ الله سبحانه.

فافهم لماذا سمّيَ الخليفة : خليفة الله. فإذا كانت مرتبة الإسم الأعظم يتحقّقُ بها أهل الكمال والقرب، فوجبَ أن يكون لها صاحباً وخاتماً هو صاحبها وإلاّ لادّعاها من شاء. وإنّهم والله في ذلك المقام لمتطلّعون إلى المقام المحمود في جنّة الصّفات، لأنّهم تحقّقوا بحقائق الذات. ولكنّ المقام المحمود للعابد الأوّل الفاتح الخاتم للخلق وسيّدهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مقام البقاء بالله محمّد بن عبد الله. فافهم.

أمّا الذاتيّ هو صاحب الجود على الجميع هو عبد الله أصالةً، وانظر في اسم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لتعلمَ إشارةً أنّ محمّد هو المثل الأعلى في مقام عبد الله، فلفظة ابن تدلّ على المثلية والأوليّة من عبد الله. ابن عبد الله، فعبد الله أصالةً صاحب الثوب بالأصالة ثوبي العبودية المحضة والربوبية الحقّة المثلى هو الخليفة عبد الله المهدي.

ألم ذلك الكتاب هدى ، ألم هدى = المهدي ، ألم : الله لا إله إلاّ هو الحيّ القيوم.

فلا موجود إلاّ هو : هو المهدي. بمرحلتيه الخلقية والجذبية والحقيّة والكمالية. هو النّفس الأولى التي مهّدت للخلق جميعاً ظهورهم بأثواب الخلقية، والحقيّة لمن كان من أرباب الكمال والتجليّات الحقيّة. فافهم.

يقول الشيخ الأكبر قدّس الله سرّه في في قصيدة في مقدّمة الفتوحات واصفاً هذا الختم بين مرحلتيه الجذبية والكاملة ، لتعرف أنّ هذا الختم ليس هو سوى صاحب الجلال والجمال سبحانه :


ومتى وقعتَ على مفتِّش حكمةٍ... مستُورةٍ في الغضّة الحوراء
مُتحيّرٍ مُتشوّفٍ قلنا له... يا طالب الأسرار في الإسراء
أسرِعْ فقد ظفِرَتْ يداك بجامِعٍ... لحقائق الأموات والأحياء
نظرَ الوجودَ فكان تحت نعاله... من مستواهُ إلى قرارِ الماء
ما فوقه من غاية يعنُو لها... إلّاهُ فَهْوَ مَصِّرِفُ الأشياء
لبِسَ الرِّداء تنزُّهاً وإزارُهُ... لمّا أراد تكوّن الإنشاءِ
فإذا أراد تمتُّعًا بوجوده... من غير ما نظرٍ إلى الرّقبَاء
شالَ الرِّداء فلمْ يكنْ متكبِّرًا... وإزارَ تعظيمٍ على القرنَاءِ
فبدا وجودٌ لا تقيُّدُه لنا... صفة ولا إسمٌ من الأسماء
إنْ قيل من هذا ومن تعني به... قلنا المحقّقُ آمِرُ الأمراء
شمسُ الحقيقة قطبها وإمامُها... سرّ العباد وعالمُ العلماء
عبدٌ تسَوَّدَ وجهه من همِّهِ... نورُ البصائر خاتِمُ الخلفاء
سهل الخلائقِ طيّبٌ عذبُ الجنى... غوثُ الخلائق أرحَمُ الرُّحماء
جَلَّتْ صفاتُ جلالِهِ وجمالِهِ... وبهاءُ عزّتِهِ عَنِ النُّظراء
يُمضي المشيئة في البنين مقسِّمًا... بين العبيد الصُّمِّ والأجراء
ما زال سائِسَ أمّة كانت به... محفوظةَ الأنحاء والأرجاء
شرْيٌ إذا نازعته في مُلْكِهِ... أرْيٌ إذا ما جئته لحبَاء
صَلْبٌ ولكن ليّنٌ لعُفَاتِهِ... كالماء يجري منْ صَفَا صَمَّاء
يُغني ويُفقِرُ من يشاءُ فأمرُهُ... محيي الولاة ومُهْلِكُ الأعداء


يتبع ...