الاثنين، 20 مايو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 19

- 19 -

قالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "إنَّ أوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ القَلمَ قَالَ له: اكتُبْ، قال: مَا أكْتُبْ ؟ قَالَ: اكتُبْ القَدَر"

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم (أول ما خلق الله العقل قال له : أقبل فأقبل . ثم قال له : أدبر فأدبر . ثم قال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم علي منك : بك آخذ وبك أعطي ; وبك أثيب وبك أعاقب)

وقال صلى الله عليه وسلّم (أوَّلُ مَا خَلَقَ اللَهُ نُور نَبِيِّكَ يَا جَابِرُ)

فدلّت الاصطلاحات على توافقٍ يعلمه أهل العلم بالله ويُنكرُهُ أهل الغرّة بالله يرونه متناقضاً متخالفاً كما يبدو على ظاهره. ولكنّ الرّوح الأعظم هو الرّوح الذي ظهر الله فيه بذاته فهو الحقّ المخلوق به، ويسمّى القلم الذي كتب القدر كما جاء في الحديث القدسيّ، ويسمّى العقل الأوّل الجامع لحقائق الأسماء والصّفات والعاقل للأعيان العلمية والمعلومات التي منها ظهرت المخلوقات والموجودات. وهو المعبّر عنه بالحقيقة المحمديّة ونور النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والمعبّر عنه كما ذكرنا بالرّوح.

لتفهمَ حقيقة الخليفة وكونه المتفرّد بالخلافة الإلهية، لأنّه صاحب العقل الأوّل ومالكه والجامع بين الحضرة الفرقية في كونها أعيانها علمية موجودةً في العقل الأوّل، والحضرة الجمعية في كون مرجعها إلى الوحدة الذاتية الجامعة في مقام القلب.

ولذلك جاءت خلافته بالعدل المطلق فافهم، فلا يعدلُ إلاّ صاحب الأعيان ومالكها وهويّتها الذي تعودُ إليه، فيجمعُ بين صورتها الفرقية كونها عيناً من أعيان العلم وموجوداً أو ممكناً كما شئتَ أن تُسمّيه، موجود باعتبار الخلق والنّفخ فيه، وممكناً باعتباريه بين الوجود الخلقي والعدم النّسبيّ. فقلنا يجمعُ بين صورته الفرقية في العقل الأوّل وصورته الجمعية الذاتية في مقام الواحدية. وهنا تحريرٌ يحتاجُ لتوضيحٍ ليُعرَفَ مقام الخليفة وأنّهُ عين العقل الأوّل كما أنّهُ عين القلب في مقامِ الجمعية والذاتية. وليُعرَفَ سرّ هذه الاصطلاحات العقل والقلب ومنزلتها في السّلوك إلى الله تعالى. سنعودُ لذلك إن شاء الله تعالى ونضربُ أمثالاَ بالنّشأة الكونية في كلامٍ نفيسٍ ممتعٍ.


قلتُ بهذا الاعتبار باعتبار العقل الأوّل الدّال على الأعيان وحقائقها الفرقية الخاصّة بها، واعتبار القلب مقام الجمع والذات، كان الخليفة هو الذاتيّ وهو العادل المطلق وإليه ترجعُ الحقائق والمراتب والمرتبة الأصلية. فتميّز بالرّسالة في مقامِ الرّوح وانفرد بالخلافة في مقامِ الإنسان.

وختمَ خزانة الجود الإلهي وخزانة الوجود الإنسانيّ، وقبل ذلك ظهرَ مجذوباً فأعطى صورة العقل الأوّل بصوره الفرقية وأعيانه العلمية ظاهراً، وباطنُهُ هو حضرة الجمع العقلية الأولى فافهم. كأنّ المجذوب ينطبعُ بصورة الكونِ قبل كماله الأعلى.

فصورة الخلافة الظاهرية للمهدي الخليفة بعد البيعة هي صورته خلافته الباطنية وهو مجذوب. وهذا صعبٌ إدراكه. ولكنّه حقيقة ولذك يخرج الدجال في الظاهر وينزل المسيح عليه السلام ظاهراً.

لأنّ رحلة المجذوب الذي أعطى جميع الحضرات، رحلة سلوكه وعدله.

فيظهرُ في عرش المجذوب الذي هو الأرض والكون قبل نزول المسيح عليه السلام. فتخرجُ شمس المغرب في عرش المجذوب وهي المهدي الخليفة عليه السلام، الشمس الأصلية الذاتية الجارية بنفسها الصمدية والخليفة يمثل حضرة المهدي الباطنة التي هي الذات والخليفة والإمام الأعلى الجامع بين مقام الواحدية الذاتية في القلب والعقل الأعلى في العقل والعلم. فلا إمام أعلى من المهدي فهو إمام الأئمة وهو السيّد الصّمد. يخرجُ في عرش المهدي المجذوب. وينعكسُ ذلك ظاهراً في خلافة المهدي الظاهر كما حدث في خلافة المجذوب الباطنية.

وهنا مشاهد ، قال الشيخ الأكبر "لم تزل الشمس جارية من المشرق إلى المغرب بغيرها، ومن المغرب إلى المشرق بنفسها". فافهم. لتفهم أنّ المجذوب هو الذي يخرج فيه الخليفة الذي هو نفس المجذوب ولكن بعد الكمال والانسلاخ من التركيب العنصريّ فافهم.
فشمس المغرب تطلعُ على عرش المجذوب وشمس الجهاد والتغيير والعدل، يقودُها الإمام الأعلى العادل العالم الخليفة المهدي عليه السلام. وهنا تتشكّلُ حضرةً (1) وهي حضرة المؤمنين بالله عامّة الذين تطلعُ عليهم شمس الحقّ من جهة واحدة وهم عموم من يدخل تحت حضرة الأكوان ولم يخرجوا عنها بالكمال والفناء والبقاء بالله سبحانه. ويدخلُ فيها المستدرجون كذلك الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلّم "وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها" فهي حضرة غير مأمونة للمستدرجين فقط لا عموم المؤمنين بالله والمسلمين (لذلك يخرج بعدها الدجال). فافهم.

ثمّ بعد الروم يخرج الدجال وهذه حضرة أهل الكفر والنّفاق (2) حضرة أهل الشقاء وأهل الشمال، حضرة استيلاء الشيطان والطبائع العنصرية والظلمانية على النّفس. نسألُ الله العافية والسلامة.

ثمّ ينزلُ المسيح عليه السلام روح الله فتتقدّس النّفس وهذه حضرة أهل التقديس والكمال (3) والبقاء بالله سبحانه ، حضرة ذاتية ليس فيها جهة شمس الحقّ مشرقة فيها من كلّ الجهات. فانظر رحمك الله لهذا الخليفة وكم في سيرته من حقائق وأسرار، دارت حوله جميع الحقائق الوجودية والحضرات ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون. لذلك ما زلنا نقول أنّ فهم سيرة المهدي وأحداثه المعاصرة له في زمانه تشرحُ جميع حقائق الوجود وأسراره.


يتبع ..