الاثنين، 20 مايو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 21

- 21 -

عوداً على مفهوم العقل الأوّل والنّفس الأولى، فالكتاب هو العقل الأوّل قال الله تعالى في سورة الكهف : {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا} والعبد هنا في سورة الكهف هو المهدي عليه السلام الذي اختصّ بدفع فتنة الدجّال في آخر الزمان لذلك كانت أوائل سورة الكهف مخصوصة بدفع شرّ الدجال، لما وقع فيها من ذكر صاحب الكتاب الخليفة المهدي عليه السلام.

فأنزل الله على عبده المهدي الكتاب وهو العقل الأوّل، وهو الرّوح المطهّر والمسمّى الحقّ المخلوق به، واختصّ المهدي بالكتاب كما جاء في الحديث القدسيّ : قالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "إنَّ أوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ القَلمَ قَالَ له: اكتُبْ، قال: مَا أكْتُبْ ؟ قَالَ: اكتُبْ القَدَر"

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم (أول ما خلق الله العقل قال له : أقبل فأقبل . ثم قال له : أدبر فأدبر . ثم قال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم علي منك : بك آخذ وبك أعطي ; وبك أثيب وبك أعاقب)

فالكتاب هو الكاتب والقلم الذي كتب الأقدار وجمع الأعيان العلمية قبل وجود الخلق. ولو خلق الله الخلقَ من غير نسبةٍ يتعرّفون بها عليه لما وقع التعرّف على العقل الأوّل مطلقاً الذي هو مظهر الله تعالى فافهم، ولظهر الخلق لا نسبة لهم إلى ربّهم تربطهم وتعرّفهم به، وما خلق الله الخلق إلاّ ليعرفوه، وما خلقهم إلاّ ليرحمهم بتلك المعرفة ليعود بهم إلى مقام الجمع. فخلق الله هذه النّسبة الجامعة الدّالة على الله تعالى فكانت القلب بوجهٍ من الوجوه، وهي مقام الجمع الذاتيّ ومقام البقاء الذاتيّ ليتعرّف الخلق على العقل الأوّل الذي هو جامع أسماء وصفات الله تعالى ومظهر ذاته الذي ظهر الله فيه بذاته. فكان صاحبَ هذا المقام هو النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. لذلك كان مقامه صلّى الله عليه وسلّم من وجه هو الرّحمة باعتبار الرّحمة هي مقام التعرّف إلى الله تعالى والبقاء بوجوده الذاتي سبحانه والفناء عن الوجود النّفسي والفرقي الذي هو عدمٌ في حقيقته. ومن وجهٍ آخر كان مقامه صلّى الله عليه وسلّم هو مقام القراءة والتعلّم فافهم.

لذلك أنزٍلَ عليه القرآن ، وتأمّل لفظة القرآن فهي من القراءة، أنزل القرآن على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليقرأ الكتاب الذي أنزل على المهدي الذي هو حقيقة الحقائق والعقل الأوّل فافهم. فالوجود المطلق حقيقته هو المهدي، أمّا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فهو قارئ لهذا الوجود، هو القلب الذي يقرأ كتاب الوجود، وهو القلب الذي يقرأ به كلّ قارئ من بني آدم ذلك الكتاب الذي أحصى الله فيه كلّ شيء، وهو لا نهاية له فتجليّات الله لا نهاية لها. فافهم هذا العلم النّفيس الذي نقوله لتعرفَ المراتب وحقائقها.

قال الله تعالى : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} فهذه أوّل آية نزلت على النبيّ الأميّ الأمين صلوات الله تعالى أميّ تشريفاً أنّ علمه كان بالله تعالى كما هي الآية، وهي تبيّن حقيقة رسالة ورتبة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فهو أوّل قارئٍ باسم ربّك، الذي هو العقل الأوّل الذي تجلّى الله فيه، أوّل قارئٍ للكتاب المنزل على المهدي، لأنّ المهدي هو عين الذات التي تجلّى الله فيها بذاته لذاته، فافهم فهو الذات لا غير، وهو حقيقة الحقائق وهو كنه الذات الجامع لماهيات الحقائق التي تجلّت من العدم إلى الوجود. فافهم.

فقال سبحانه وتعالى إقرأ باسم ربّك الذي هو الله، أي إقرأ بالإسم الله ما أنزله الله في العقل الأوّل، وما كتبه القلم الأعلى في الكتاب، فقد وهبناك مقام الجمع الذاتيّ أن تتحقّق بحقائق هذا الإسم لتقرأ به في مقام الأحمدية، فأحمد هو صاحب الكتاب، والأحمدية بالنّيابة هي القراءة بالقرآن الذي هو التنزّل الذاتيّ، ومقام الجمع الذاتيّ في القلب لتقرأ ما كتبناه في لوح القدر وكتاب الوجود المطلق. وما تجلّينا به من ذاتنا في ذاتنا بذاتنا، فصاحب الكتاب هو أحمد المهدي عين الذات وعين الهويّة وصاحب الكنه الذات. المتفضّل على عبده القارئ ليقرأ باسمه وبروحه الكتاب، وليصحّ لكلّ عبدٍ من عبادنا نهج منهجك واتّبع سبيلك أن يقرأ الكتاب ويتعرّف علينا في مقام الجمع الذاتيّ، وتفاوت العارفون والمتحقّقون بحسب التحقّق والاتّباع لك يا محمّد في معرفتنا فأنت أوّل العابدين وأوّل القارئين وخُصّ كلّ وارثٍ لك على التّمام بنزول القرآن ليصحّ له القراءة على الكمال والتعرّف علينا، فقال سبحانه "الرّحمن علّم القرآن" في مقام الرّحمة والجمع الذاتيّ والقراءة يصحُّ لك أن تقرأ وتتعلّم باسمه العليم سبحانه وتتعرّف على الله سبحانه من خلال تنزّل أسمائه وصفاته التي مظهرها العقل الأوّل المسمّى بالرّوح. فافهم.
قال الله تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.} [آل عمران:31]
فبقدرِ اتّباعه يصحّ لكم محبّة الله تعالى، ويصحّ لكم قراءة كتابه ووجوده ومعرفته، فهو صلّى الله عليه وسلّم واسطة الوسائط بين الخلق وربّهم، والحجاب دونهم، فافهم، فكان العقل الأوّل والعبد المختصّ بنزول الكتاب خارج النّسبة مطلقاً، وخارج الخلق فهو حقيقة الكتاب التي نزل القرآن على قلب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليقرأه، ويقرأهُ القارئون من عباد الله تعالى أنبياءً وأولياءً في مقام وراثته ونسبته، فهو نبيّ الأنبياء وهو الواسطة للجميع في قراة الكتاب، كتاب الوجود والتجلّي الذي نزل على المهدي الخليفة. فافهم.


يتبع ..