الاثنين، 20 مايو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 22


- 22 -

قال الشيخ الأكبر قدّس سره في كتاب "عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب"  في فصل : (لؤلؤة التحام اليواقيت وانتظام المواقيت)

((فإنّ القصد في هذا الكتاب هو معرفة الخليفة والختم وتنزّل الأمر الحَتم فنقول فرجع عَودُهُ على بدئه في ليله وأدرك صلاة الصبح مع أهله، فتسوّد ذلك الجسدُ على أمثاله ممّن تقدّم أو تأخّر من أشكاله ، لمّا كانت مادة الحقيقة الأصلية والنّشأة البدائية إليه اسمه من ذاتها وإلى غيره من صفاتها) انتهى.

فتأمّل فلا أشدّ تصريحاً من هذا الكلام عن الخليفة والختم أنّهُ صاحب الذات، ومادة الحقيقة اسمه من ذاتها وغيره من صفاتها. لذلك تسوّدَ هذا الجسمُ على أمثاله ممّن تقدّم أو تأخّر من أشكاله، إذ قال الشيخ الأكبر في الفتوحات المكيّة عند حديثه عن الصورة التي خلق الله عليها آدم :
(واعلم بأي ميزان تزن نفسك مع ربّك ولا تعجب بنفسك واعلم أنك صنجة حديد وزن بها ياقوتة يتيمة لا أخت لها وإن اجتمعت معها في المقدار فما اجتمعت معها في القدر ولا في الذات ولا في الخاصية تعالى الله فالزم عبوديتك واعرف قدرك. ) انتهى.

فالختم والخليفة هو الروح الذي جعله الله عين الوجود فما كان ظلاًّ، وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرآة شهود الله تعالى.
لذلك قامَ الوجود على شهادة : لا إله إلاّ الله محمد رسول الله.

لا إله إلاّ الله موجوداً وصفاته هي عين ذاته، فما ثمّ إلاّ الذات، وإنّما هي اعتبارات وشؤون واضافات ومراتب قامت بها الأكوان والتجليّات، فافهم وهذا الفهم لمعتبر الذات والصفات أنّها عين الذات هو سرّ الأسرار لمن أرادَ أن يتحقّق.

محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو مرآة التحقّق، ومقام الجمع الذاتيّ الذي به يتحقّق المتحقّق أنّ الذات هي عين الصّفات فيصبح من المتحقّقين على الصورة ومن أهل الخلافة. وتفاوت هنا المتفاوتون ومتى تمّ التحقّق بهذا المقام الجمعي في القلب فقد صار العبدُ ذاتياً عارجاً العروج الذاتيّ، وصار قلبُه روحاً قدسياً.

وعليه فالوليّ هو الله سبحانه، وخاتم الولاية تحقّق بمسمّى الوليّ وختم الإسم كاملاً تاماًّ فافهم، والنبيّ هو الدّالُ والنّسبة التي خلقها الله للتعرّف عليه وشهوده. فكان النبيّ سيّد الخلق وسيّد الأوّلين والآخرين، وكان له الوجه الكامل من اسم الله في التحقّق بحقائقه وتجليّاته وشؤونه فافهم، وذلك هو مقام الجمع والبقاء الذاتي في القلب، حين يتنزّلُ الرّوح على القلب فيصبح قلب العبد روحاً قدسياً. وهذا التنزّل هو نزول القرآن قال الله تعالى ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ(195)﴾. [سورة الشعراء]

وكذلك أهل القرآن يتحقّقون بذلك عند نزول الروح على القلب، كما قال صلّى الله عليه وسلّم "أهل القرآن أهل الله وخاصّته" فهم الذين ورثوا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتحقّقوا باسم الله وهو مقام البقاء بالله، قال الله تعالى "الرحمن علّم القرآن".
فهذا هو معنى نزول القرآن هو مقام القراءة كما ذكرنا للكتاب الذي هو الوجود المطلق، والوجود الأوّل الذي تجلّى الله به روحاً في ذاته لذاته بذاته، فكان صاحب الذات هو صاحب الكتاب والوجود المطلق المسمّى بالمهدي والعبد المحض والمسمّى بالخليفة والرّوح. وهو لو فهمت ما قلناه روح النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وروح أهل الكمال والقرآنيين.

وهذه الحقائق ضرب الله لنا الأمثال في الأكوان لنفهمها، وسوف أبيّن إن شاء الله تعالى ذلك بالشمس والقمر وكانت الروح هي الشمس، والقلب هو القمر الذي ينزلُ فيه ضياء الشمس فيعكسُهُ في اللّيل بدراً. وهذا معنى كون المحمديّين وعلى رأسهم خير الخلق هم القمر الذي عكس ضوء الشمس ونزلت فيه الروح كما ذكر الله تعالى، ونزل عليهم القرآن ليقرؤوا الكتاب الذي هو الشمس التي هي ذاتية بتفاعلاتها وأنوارها، فجميع أنوار الشمس يعكسُها القمر. فبهذا المقام الذي هو القلب، والقمر ظاهراً صحّ للإنسان من بني آدم قراءة الكتاب وتلقّي التجلّي الذاتي الشمسي، والتحقّق به، والنيابة والخلافة عن الله تعالى.

أمّا الخليفة فهو الشمس بذاتها، لذلك سمّي شمس المغرب الجارية بنفسها، وكانت شمس المشرق تجري بغيرها لأنّها عاكسة لشمس الحقيقة والذات وظلّ لا أصلية وذاتية بخلاف المهدي فهو الشمس بذاتها، فإذا تمّ كماله وأصلحه الله في ليلته نزلت الشمس بذاتها على القمر فانشقّ القمر فافهم، ليُعلمَ أنّ القمر كان القلب في مقام الجمع الذاتيّ صورةً وظلاًّ، أمّا المهدي فقمره هي شمسه، لأنّه الكتاب بذاته الذي كان يقرؤه أهل القرآن إذا نزل عليهم، فهو الأصلُ والقلب هو عين العقل الأوّل وعين الذات فافهم.

يتبع ...