الخميس، 23 مايو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 24


- 24 -

قلتُ فظهور الدجّال تشرحه رحلة المجذوب وقطبيّته وإسرائه المتفرّد وهو صاحب سورة الإسراء، والإسراء هي صورة زماننا وآخر الزمان جمعت أحداث آخر الزمان يعلمُ ذلك أهل العلم بالله وأهل القرآن خاصّة الله تعالى فهي سورة صاحب الإسراء كما هي سورة الكهف سورة أهل الكهف الذين هم حضرة الأولياء وعلى رأسهم خاتمهم الوليّ المحض المطهّر عن الأكوان المهدي عليه السلام.

فلاحظ أنّ الدجال يظهرُ بعد فتح الروم، وبعد فتح القسطنطينية الكبرى، وذلك علامة بدايات العروج السّماوي والإسراء العالي في المشاهد العاليات الحقيّة عند المجذوب. وبداية العروج تبدأ من حضرة الرّبوبية، فيخرج الدجّال في الأرض أربعين يوماً كما جاء في الحديث النبويّ الشريف ( فقالوا : مَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلّم : (أَرْبَعُونَ يَوْمًا ، يَوْمٌ كَسَنَةٍ ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ . قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ ؟ قَالَ : لَا ، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ) رواه مسلم

ففتح الأمصار والأرض حتى آخر معاقل الرّوم وبسط السّلطان على جميع الأرض هو علامة فتح جميع الحقائق الأرضية (الخلقية) عند المجذوب.
ثمّ بعد فتح الأرض يبدأ فتح السّماء والمشاهد الحقيّة في منازلها المختلفة.
فينعكسُ ذلك بخروج الدجّال الذي هو صورة الشيطنة والإبليسية المتعرّضة للّسالكين من عباد الله تعالى قبل بلوغ كمالهم والبقاء بربّهم. فافهم. فالشيطان متربّصٌ بالإنسان في جميع المشاهد لجميع السّالكين ما دامَ في النّفس بقيّة، ولا تذهبُ بقيّة النّفس البشريّة إلاّ بتمام المحق بصفات الله تعالى والبقاء به، فيصبحُ العبدُ ذاتياً باقياً بالله وارثاً لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قد تنزّلَ القرآنُ على قلبه، فصارَ من المطهّرين والقارئين بالقرآن كتاب الوجود في مقام الرّحمة والجمع الذاتيّ. في هذا المقام الأكمل تموتُ النّفس البشريّة وتبقى بالله سبحانه وهي أعلى درجات المتحقّقين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "أهل القرآن أهل الله وخاصّته".

فالمجذوب هو صاحب العقل الأوّل والجامع للأضداد وحقيقة جميع المراتب والأشخاص والأطوار، لأنّه يمثّلُ الأعيان في تقلّباتها وأطوارها. فيكونُ باطنّه الذات، وظاهرهُ أحوال هذه الأعيان والأطوار الإنسانية.

لذلك برحلته وإسرائه الذي هو إسراء شاهدٌ له على ولايته الأصلية والذاتية بكونه وليّ في كلّ مشهدٍ وفي كلّ طورٍ، قلتُ في رحلته وإسرائه بعد فتح الأرض يظهرُ بالأطوار السماوية في عروجه، وفي دائرة الرّبوبية التي هي بداية العروج، يخرجُ دجّالُه وسامريّ هواه ونفسه وطبائعه العنصريّة والظلمانية. لأنّهُ في مرحلة أعلى، فيحصلُ أنّ صورة دجّاله وسامريّه وشيطانه يكونُ عالماً بالمشاهد السماوية كذلك، لكونِ المجذوب في جذبه لم تتقدّس نفسُه بعد. ومن هنا كان إبليس عالماً بجميع مداخل النّفس حتى نهايات تحقّقها حيث يموتُ الشيطان عند السالك. فما حصلَ لإبليس ذلك العلم والمكر والخديعة والعلم بتفاصيل المشاهد ومداخل النّفس إلاّ بصورة هذا التقلّب عند الخليفة.

فيعكسُ صورة الدّنيا وسيرتها وتاريخ رسالاتها ونضجها الإنسانيّ والسّماويّ المجذوب، ليُعلمَ أنّه الخليفة وحقيقة جميع من ظهر وحامل سرّ الذات، وصاحب النّفس الأولى التي خلق الله منها كلّ شيءٍ، وصاحب العقل الأوّل وصاحب كتاب الوجود الذي أحصى الله فيه كلّ شيءٍ. قال الله تعالى {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا}،  وقال سبحانه {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}. فهو الإمام المبين والكتاب.

والكتاب شيء والقرآن شيء، فقِفْ على القرآن لتجد الكثير من فواتح السور قد ابتدأت بذكر الكتاب والقرآن في لفظين منفصلين. فهما مختلفين في الاعتبار، وإن كانا في الدّلالة شيءٍ واحد، وهذا يفهمه أهل العلم بالله الذين وصلوا للتفريق بين الكتاب والقرآن.

وقد شرحنا لك ذلك : فالقرآن من القراءة والكتاب من الكتابة، فالكتاب هو العقل الأوّل والقلم الأعلى والرّوح الذي خلق الله به الخلق، فهو الحقّ المخلوق به، وهو الذي كتب القدر وكتب كتاب الوجود، والقرآن هو مقام الجمع الذاتيّ حيث تصحّ به قراءة الكتاب. فافهم، كتاب الوجود المطلق الذي تجلّى الله فيه بذاته. فالكتاب مظهر ذاتُ الله، والقرآن ذاتٌ كذلك، فهو مقام الذات لقراءة الكتاب. وفي هذا المقام يصبح الذي نزل عليه القرآن، قد تحقّق بجملة الكتاب، فافهم. وبهذا الاعتبار فالقرآن والكتاب واحد في الدّلالة، ومختلفان في الأصل والاعتبار، فسبحان الله العليم الحكيم الذي أحكمَ كلّ شيءٍ وقدّره تقديراً. وبهذا العلم بدلالات الألفاظ وحقائقها ظهر الفرق بين أهل العلم.

لذلك فالعبد المذكور في سورة الكهف المخصوص بنزول الكتاب هو الخليفة الذي يخرج لدفع فتنة الدجّال، الخليفة المهدي الذي هو إمام الأئمّة وصاحب العقل الأوّل، فهو المطهّر عن الأكوان، لأنّه صاحب الذات، فجميع المطهّرين الذين نزل عليهم القرآن هم صفاتيين في الحقيقة والأصل، وهم ظلّ لهذا الخليفة، وإن صحّ لهم أن يقال لهم ذاتيين، فما الصّفات إلاّ الذات في الحقيقة، لأنّ مظاهر تجليّات الذات هي الصفّات والأسماء فصارَ الذي استوعبَ جملة الصفات والأسماء من مقام الواحدية والأحدية ذاتيّ. لذلك ولهذا الاعتبار والحقيقة فصاحب الذات والأصل الذي تجلّت به الصفات والأسماء والذي ليس بظلّ هو الخليفة وغيرُه ظلٌّ له وأصحابَ شهودٍ ونوّابٌ وخلفاء فهم خلفاء عنه.

فهذا هو التحقيق والعلم، وقلنا أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو صاحب القرآن والمقام الأمثل لقراءة الكتاب، الذي به صحّ لبني آدم قراءة الكتاب والتعرّف على الله سبحانه. فهو رئيس الصّفاتيين وخاتم ذلك المقام، وأمّا حامل لواء الذات فهو الخليفة. فهو صاحب الهو والكنه وهو السيّد الصّمد. فافهم.

يتبع ...