الاثنين، 27 مايو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 25

ما أردتُ قوله ببساطة أنّ صورة الدّنيا منذ بداية خلافة سيّدنا آدم عليه السّلام هي صورة هذا الخليفة، ويجسّد تلك الرّحلة باختصار المجذوب.

رحلة التحقّق بالإسم الأعظم ورحلة الخلافة الإلهية تمتدّ منذ عهد سيّدنا آدم حتى ظهور خاتم الولاية والخليفة بذاته الذي هو مظهر الإسم الأعظم في الأرض والذي هو حقيقة الإسم الأعظم في باطنه وبذاته. فافهم.

وهذا الأمرُ إن شئتَ أن تفهمه بمنتهى البساطة - أمر أنّ الإنسان متحقّق بسرّ الإسم الأعظم- ، فنقول : القلبُ هو عرش الذات، أي القلبُ عرش الله سبحانه، نريد عرش اسم الله، الإسم الله الإسم الدّال على الذات العليّة، عرشه هو القلب قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الله تعالى {ما وسعني سمائي ولا أرضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن} وهذا تجده في كتاب الله تعالى في تحقيق معنى نزول القرآن على نبيّ الله صلى الله عليه وسلّم فقد نزل به الرّوح الأمين على قلبه صلى الله عليه وسلّم ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ(195)﴾. [سورة الشعراء].
والرّوح هو روح القدس والرّوح الأعظم المسمّى أمرُ الله الذي تجلّى الله فيه فكان مظهر ذات الله تعالى، فاقرأ إن شئتَ أنّ الله أوحى إلى نبيّه روحاً من أمره فهو نفس معنى نزول هذا الروح على قلب سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم : ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. [الشورى:52]
فنزول هذا الروح على قلب العبد يجعلُ قلبه روحاً قدسياً فيصيرُ إلى مقام الجمع الذاتيّ والبقاء بالله سبحانه فافهم.

فقلنا الخلاصة هي أنّ القلب هو عرش الله سبحانه فإذا استوى اسمُ الله (الإسم الأعظم) على قلب العبد المؤمن الكامل يصبحُ القلبُ في مقام الجمع الذاتيّ ومقام القرآن للكتاب الأوّل، فيتحقّقُ القلبُ هنا ويصبحُ إن شئتَ هو صورة الذات السّاذج في نهاية التحقّقات في مقام ختم الولاية، وبهذا السرّ فالإنسان ليس هو سوى الحقّ سبحانه، ألا ترى قوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث القدسي الذي رواه البخاري : إِنَّ اللَّه قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إليَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إليَّ مِمَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّب إليَّ بِالنَوَافِلِ حَتَى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ." رواه البخاري.
فيصبحُ القلب هو الذات الساذج، وفي هذا المقام يصبح سمع الله هو سمع العبد وبصر الله هو بصره وبضشه هو بطش الله سبحانه ويصبح مستجاب الدعوة متمكّن في التصرّف في الأكوان يقول للشيء بأمر الله كن فيكون، فبطشه هو بطش الله وقدرته هي قدرة الله تعالى ، فافهم. لأنّ الذات هي حقيقة جميع الصّفات، ومن تحقّق بهذا السرّ صار متحقّقاً بجملة الذات والصّفات وهذا هو معنى وسع القلب للحقّ سبحانه أي وسعه لأسمائه وصفاته. وهذا هو معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم "خلق الله آدم على صورته"، فالصورة هي صورة التحقّق بذلك السرّ الذي أشرنا إليه، وذكره الحديث القدسي الصحيح، فهي أمور مترابطة. وهو نفس معنى قوله صلى الله عليه وسلّم "من عرف نفسه فقد عرف ربّه"، أي من عرفَ الصورة التي خلقه الله عليها وحقيقتها ونسبتها إلى الله سبحانه وتحقّق بها فقد عرف ربّه، وعرفَ أنّ حقيقته هي الحقّ سبحانه.


فكانت هذه هي الحقائق ببساطة، ولكن لعلوّ هذا السرّ، ولكونِ دونه مفاوز ومهامه للوصول إليه فقد غابَ عن الإنسان التحقّق بهذه الحقيقة التي هي منتهى الحريّة ومنتهى العلم ومنتهى السعادة ومنتهى الحيرة. وهذا السرّ كون القلب هو عرش الذات، وكونه يرجعُ إلى ذاته الساذج الجامع لماهيات الحقائق هو الذي ذكره الله تعالى في تشريف آدم عليه السلام وبنيه أجمعين. قال سبحانه وتعالى : {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر:29]
وهو الذي قال فيه سبحانه : {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} الأحزاب(72) فالصورة هي الأمانة التي عجزت عنها السموات والأرض وأشفقن منها وحملها الإنسانُ، فكان ظلوماً لنفسه جهولاً بقدر هذه الأمانة، وتفاوت الظلم والجهل في العباد هنا كلّ بقدرِ تقصيره وغفلاته. وقال سبحانه في هذا المقام مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الحج:74].

_______________

وعوداً لنقطة أنّ الخليفة هو حقيقة الأطوار والأدوار المتقلبّة في الأصلاب والظاهرة بشخوصها في العالم الإنسانيّ منذ بعثة آدم حتى نهاية الدّنيا. فقلنا تبدأ دوائر العروج السماوية عند الألفية الرّابعة أي ببعثة سيّدنا موسى عليه السلام، فسيّدنا موسى بعث عند رأس الألفية الرابعة، قيل بعث سيدنا موسى عليه السلام قبل المسيح بنحو ألف وسبعمائة سنة (1700 سنة) وبعث المسيح قبل النبي صلى الله عليهما وسلم بنحو ستمائة سنة (600) وذلك يعادل نحو ألفين سنة أو أكثر بقليل ، وعليه فبعثة سيدنا موسى كانت على رأس اليوم الرابع أي الألفية الرابعة.

وهذا ما قلناه وهو يوافق ما قاله سبحانه وتعالى من انتهاء الحقائق الخلقية الأرضية في أربعة أيام ثمّ استوت الحقائق الخلقية السماوية في يومين.

قال الله تعالى :
(قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) -فصلت-

فكانت أربعة أيّام لبداية العروج السماوي الإنسانيّ وذلك ببعثة سيّدنا موسى عليه السلام ثمّ بعد نحو ألف وخمسمائة سنة بعث المسيح روح الله ثم بعد خمسمائة سنة أو يزيد بعث النبيّ الخاتم صلّى الله عليه وسلّم على رأس اليوم السادس الذي فيه استوت الحقائق الإنسانية كاملةً، واستوى فيه اسم الرّحمن على العرش. ودار الزمان وعاد كهيئته الأولى. وانفتح باب الولاية العظمى والأحمدية.

وتجلّت القوالب الأحمدية وظهر الخلفاء القمريين العرب كلّ ما بما وهبه الله من تمكّن وتحقّق حتى نهاية الزمان فيظهر الخاتم الأحمدي وصاحب الإسم الأعظم المتقلّب في الأطوار والأدوار منذ بدايتها ليختمها جميعاً لأنّه يظهر بالمقام المحمود المطلق، والمحمود هو الله سبحانه جلّ شأنه، فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم نالَ ختمية النبوّة فهو خاتم النبوّة وهي اللّبنة الفضيّة، ولكنّ المقام المحمود ينالًه صلّى الله عليه وسلّم في مقامِ قاب قوسين أو أدنى
حين رأى من آياتِ ربّه الكبرى في مقام ختم الولاية والإسم الأعظم فافهم :
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) .النجم.

قال الإمام العارف بالله عبد الرزاق الكاشاني رضي الله عنه في تفسيره التأويلات : (( {عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محموداً} أي: في مقام يجب على الكل حمده وهو مقام ختم الولاية بظهور المهدي، فإن خاتم النبوّة في مقام محمود من وجه هو جهة كونه خاتم النبوة غير محمود من وجه هو جهة ختم الولاية، فهو من هذا الوجه في مقام الحامدية فإذا تم ختم الولاية يكون في مقام محمود من كل وجه.)) انتهى.

فافهم فظهور المهدي يعني تحقّق العبد بختم الولاية (الإسم الأعظم) فهو المقام المحمود. وهو باطنُ الرحمانية فالرحمانية باطنها الله، فهو مقام الشّفاعة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم
كما قال (المَقَام المحمُود هُوَ المَقَامُ الذي أَشْفَعُ فِيهِ لأمَّتِي)إذ لا شافع إلاّ الله سبحانه، فيُؤتى الشفاعة الكبرى بالله سبحانه.قال سبحانه {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}. وقال سبحانه عزّ وجلّ {إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} يونس/4


يتبع ..