الاثنين، 20 مايو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 3

- 3 -


حينما نقول : قل هو الإنسان الكامل. قل هو الله أحد.

أي نريدُ إرجاع السرّ للإنسان الكامل. فالإنسان خليفة في عالم الأرض، والأرض هي أرض التجليّات الخلقية والحقيّة. فافهم.

في عالم الأحدية لا وسع لمخلوق ولا أيّ شيءٍ أن يكون، إفهم قولنا الأحدية. لا تقبل التثنية والغيرية. فحضرة الأحدية حضرة لا تقبل إسماً ولا وصفاً ولا غيراً. هناك يُقالُ ما وحّد الأحد الواحد موحّدٌ. ما وحّد إلاّ نفسه.

كيف يوحّدُهُ غيرهُ وهو الواحد الأحد ؟ تعالى الله عمّا يشركون، وتعالى عمّا يدّعون.

كما عجز الخلق عن حمده، فما حمد الله سواه وحده لا شريك له. فما وحّده سواه وحده لا شريك له. فهو الحامد والحمد والمحمود. فأين الحامدون ؟

قلتُ في حضرة الأحدية لا وجود للأغيار ولا لإسم أو وصفٍ أو نعتٍ أو غيرٍ.

أين الحوادثُ والأغيار وأين الزمان والمكان ؟ تعالى الله عن خلقه سبحانه، ما الخلق سوى تجليّاته وآثار أسمائه وصفاته سبحانه.

ولكنّنا نتحدّثُ عن هذا التوحيد الأعظم، والعرفان الأكبر الذي يتجاوز المنكرين من الطّرفين، سواء الذين زعموا التنزيه حتّى عطّلوا، أو الذين زعموا التشبيه والتجسيم وهؤلاء أقرب للوثنية في الحقيقة. ففسطاط التنزيه أقرب لفسطاط الواحدية والأحدية.

غير أنّ التوحيد والعرفان أعلى من علم الكلام، وأعلى من التزيه المطلق. فالله فوق التنزيه، والله تعالى تجلّى بين التنزيه والتشبيه.

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : "كان الله ولا شيء غيره" وتكملُ هذه العبارة تحقيقاً بقولنا : وهو الآن على ما عليه كان.

فأين الحوادث والخلق والأغيار ؟

ههنا علم الشهود والعرفان، علم الذوق وليس علم الكلام، وهو فوق التخريص والإنكار والطّعن في علم المحقّقين.

فما أردناهُ أنّ الكون والخلق هم تجليّات الحقّ سبحانه. فلولا الخلق ما كان حقّ، ولولا الحقّ ما كان خلق.

لولا المرزوق ما كان رزّاق، لولا المخلوق ما كان الخالق، لولا الصّمد ما كان المصمود ، لولا المالك ما كان المملوك ، لولا القاهر ما كان المقهور.

فافهم الخلق تجليات الحقّ سبحانه، وأثار أسمائه وصفاته العليّة.

الأسماء انبثقت من حضرة الذات، من حضرة الأحدية والهوية ، فأعطت حضرة الواحدية.

الأسماء في حضرة الذات ليست سوى الذات، ومن هنا تفهم قول المحقّقين لا يوجد اسم أعظم وإسم غير أعظم، لأنّ الإسم الأعظم في الحقيقة ما أخذ هذه الأعظمية إلاّ بدلالته على الذات. والأسماء كلّها دالّةٌ على الذات.
قال سبحانه وتعالى
(قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (110)

فحضرة الأسماء هي حضرة الذات في الحقيقة، ولكن باعتبار اختلاف الأسماء في دلالاتها ونسبها وتخصّصاتها فهي عالم الصّفات. فافهم.

في الأرض، في عالم الأكوان والخلق صارت الأسماء معبَّرةً ومقدّرَةً بنسبها ودلالاتها وتخصّصاتها وهناك اختلفتْ مداليلُ الأسماء واعتباراتها، فصار هناك الإسم الأعظم، بهذا الاعتبار فقط. والإسم الأعظم يريدون به الدّال على الذات بإطلاق.

وهو إسمُ الله، فحينما تطلق إسم الله في جملة أو دعاء، ودعاؤك متوجّه لحاجة أو غرض أو تأثيرٍ فاسمُ الله جامعٌ لجميع الأسماء، متضمّنٌ بصفةٍ ضمنية لما تريدُه، من رزقٍ أو غنى أو رحمة أو مغفرة أو كرمٍ أو عفوٍ أو دفع ضرّ أو هبةٍ أو غير ذلك. فهو ينوبُ على الأسماء جميعها.

يا الله ارزقني ، فالله يرزقُك سبحانه باسمه الرزّاق. فاسمُ الرزّاق ليس هو سوى اسم الذات "الله" في الحقيقة. فالرزّاق دلّ على الذات، على الله الواحد الأحد، والعكس فالله دلّ في عالم العلم والآثار على اسم الرزّاق.

لا إله إلاّ الله ... وهكذا.

نعودُ لما كنّا عليه من حقائق التوحيد، فالخلق ليسوا سوى أصداء التجليّات الحقيّة، والله تعالى أبرز العالم من العماء إلى عالم المادّة والتعيّن بصفة عامّة، أبرز العالم من العماء إلى عالم اللّطافة والرّوح ومن عالم اللّطافة والرّوح إلى عالم الكثافة والأجسام.

وكلّها عوالمٌ تعيّنت بتجليّات أسمائه وصفاته سبحانه وحده لا شريك له. كأنّها ظلالٌ وأطيافٌ من اسمه النّور. فما ثمّ في التحقيق سواه.

قال الله تعالى
﴿وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ سورة البقرة

فهذه الآية معنيةٌ بظاهرها وباطنها، فأينما تولّي وجهك فثمّ وجه الله تعالى، فمردُّ الأشياء والخلق إلى الذات. إليه سبحانه.

حينما تنفذُ وراء ظهورها فما بطونها سوى الله تعالى. فهل موجودٌ في هذا الوجود غيره سبحانه ؟

تعالى الله عمّا يُشركون. فما في الوجود سواه سبحانه.

فإذا فهمت هذه الرّشحات البسيطة، فاعلم أنّ أرض التجليّات وعالم الخلق والأكوان، اصطفى الله منها الإنسان.

وجعل هذا الإنسان خليفةً حاملاً لسرّ العالم، وما كان لهذا الإنسان أن يحمل سرّ العالم ويكون جامعاً لهذا العالم لولا أن جعله الله على صورته.

فهذا هو معنى الخلافة، بل على العكس بسبب الخلافة التي اصطفاها الله للإنسان صحّت الصورة لهذا الإنسان أن يكون على صورة الله تعالى.
فكان الإنسان مختصر العالم، فافهم مصطلح مختصر العالم فإنّه نفيس دقيق، لذلك كان الإنسان آخر مخلوق في الخلق. فالآخرية في الخلق هي عينُ إثبات الأوليّة له في السرّ. فافهم. ليكون مجموعٌ فيه جميع العالم وجميع ما وُجِدَ في العالم يرجعُ إليه بسرّه.

فلو سألنا سائلٌ أين معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم
"خلق الله آدم على صورته" في كتاب الله تعالى ؟
لأجبناهُ قوله تعالى
" ليس كمثله شيء وهو السميع البصير".

لاحظ قوله تعالى "ليس كمثله شيء" فقد وقعت الكاف قبل المثل. فكأنّ الله تعالى ينزّه المثل عن الأشياء بإطلاقها. والمثل هنا هو الإنسان الكامل، وهو بالأحرى أفراد بني آدم الخلفاء الذين حازوا الخلافة الأسمائية. وعلى رأسهم سيّد الخلق صلّى الله عليه وسلّم.

فهذه الآية هي عينُ قوله صلّى الله عليه وسلّم : "خلق الله آدم على صورته"

فأفراد بني آدم الذين اصطفاهم الله للخلافة وأوّلهم أبونا آدم عليه السلام صحّت لهم الخلافة بهذه الصورة، صورة الخليفة الأوّل.

فما هي هذه الصورة التي أثبت الله بها الخلافة للخليفة ؟ وأريدُ الخليفة الأوّل وحقيقة الإنسان الكامل وحامل السرّ الذاتي ؟

هذا ما سنتكلّمُ عنه لاحقاً مع مزيد توضيحات في هذا الفنّ وهذا العلم، وهو علم الذوق والتحقيق.

يتبع ..