الاثنين، 20 مايو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 4



- 4 -

قبل أن نخوض في الصورة التي صحّت للختم والخليفة علامةً على الذات والسرّ والولاية الكاملة.

نخوضُ في مبحث التوحيد، من باب الذوق والتحقيق، لا من باب القادحين المنكرين والمعترضين على ما لا تسعه منهم حقائقهم تسليما وإيماناً وحبّاً. على أنّ زماننا يوجبُ وسع القبول للحقائق، ويوجبُ الفهم لمن ألقى السّمع وهو شهيد، أمّا صاحب القلب فذاك ذائقُ مشاهد.

غيرَ أنّ الاعتراض يُصاحبُ أهل الدّعاوى، إلى حينٍ فقط، وهذا الحين يكادُ يُطوى، فزمن الختم زمن العدل وزمن الفصل وزمن الحكم والحسم.

وزمن خذلان كلّ ذي خذلان، وانتصار كلّ ذي نصر ومحلّ الصدق والإيمان.

وعلى قدر القوابل والصّفاء تتحقّقُ القلوب، وعلى قدر الوسع للتجلّي وعلى قدر رشّة النّور القابلة للنور الأزليّ القديم.

فنقولُ أوّلاً : قال الله تعالى "ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا ،فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين" الأعراف 143

فهذه الآية تخبرنا أنّ سيدنا موسى عليه السلام ما رأى ربّه وهو موسى ولن يراه، ولكن رآه بالله، فما رأى الله غير الله سبحانه.
وتحقيق رؤية الله بالله قوله تعالى : فلمّا أفاق من السّكر والصّعق وعاد إلى الصّحو بالله تعالى قال سبحانك تبت إليك من نفسي وأناي، والتجأتُ إليك وحدك لا شريك لك وأنا أوّلُ المؤمنين في الصفّ الأوّل صفّ أهل المشاهدة والبقاء به سبحانه. فافهم.

وهذه النّقطة تفتحُ لنا نفوذاً لتفهيم من يريدُ أن يفهم حقيقة الإنسان وحقيقة الخلافة ومعناها، على وجه التحقيق.

فما هذه المصطلحات التي أطلقها أهلُ الله تعالى : الفناء في الله والبقاء به ؟

كيف رأى موسى الله بالله تعالى ؟ فما رأى الله غير الله.

حينما نتحدّثُ عن رؤية الله تعالى فهنا بابٌ كبيرٌ، أمّا كنه الذات وسرّ الذات فليس لأحدٍ أن يدرك كنهه تعالى سواه.

ولو صحّ لأهل الكمال شهود الأحدية، والفناء في سرّ الذات. ولكنّ كنه ذات الله غيبٌ ويبقى غيباً أبد الآبدين.

فالخلق وعلى رأسهم سيّد الخلق صلوات الله تعالى وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، مقامهم التحقّق بسرّ الذات والعجز والحيرة، والتحقّق بالكمالات اللاّمنتهية كما ذكرنا في مقام المكالمة الأزليّة والمشاهدة الذاتية.

غيرَ أنّ كنه الذات وحقيقة الذات تبقى غيباً، قال الله تعالى {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)} البقرة
فاقرأ قوله تعالى يؤمنون بالغيب والمقصودون هنا هم السّابقون والمقرّبون أنبياءً وأولياءً، الخلفاء المطهّرون الذين تحقّقوا بالطّهارة فصاروا من الماسّين للكتاب المذكور ألم : ألف الذات ولام الأسماء وميم الصّفات والتعيّن.
{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ* لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ} الواقعة 77-79
فحقيقة الكتاب هي الذات والأسماء والصّفات المكنّاة بالحروف المقطّعة " ألم ". فهم برغم فنائهم في سرّ الذات وشهودهم ومسّهم للكتاب أي تصرّفهم فيه بقوله تعالى : يقيمون الصّلاة ، اي الصلّة بالله الغير منقطعة وهي الولاية التامّة والعبودية والعبدية الخالصة. ومما رزقناهم ينفقون : ويتصرّفون من ثمرة هذه الصّلة وهذه الهبة والخلافة التي وهبها الله لهم. غير أنّ كنه الله غيبٌ عندهم، فهم يؤمنون به غيباً، فكنه ذات لله تعالى لله تعالى وحده لا شريك له.

فرتبة الخلفاء في تحقّقهم بالرّحمانية وهي جميع ما فاضَ من الكمالات الإلهية والتجليّات الحقيّة خلافةً للنبيّ صلى الله عليه وسلّم في مقام التخلّق والكمالات.
أمّا رتبة الذات والإسم الأعظم فرتبة الخلفاء فيها تأتي خلافةً لصاحب الذات، عينُ المذكورُ في الآية صاحب الكتاب : العبد المحض وهو حقيقة الكتاب وحقيقة الإنسان الكامل.
إنّه الم هدى للمتقين : الم هدى = المهدي.

العبد المحض المذكور في بداية سورة الكهف : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا.} الكهف
المخصوص بنزول الكتاب عليه، بخلاف المطهّرين الخلفاء من أفراد بني آدم الورثة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقد خصّوا بنزول القرآن وراثة له صلى الله عليه وسلّم، بقوله تعالى : {الرّحمن علّم القرآن} وقوله صلّى الله عليه وسلّم : " أَهْلُ الْقُرْآنِ ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ"
هؤلاء هم المفردون السّابقون المقرّبون الخلفاء المطهّرون الذين حازوا على رتبة الرّحمانية، وتحقّقوا بها فصحّ لهم بعد ذلك التحقّق بالإسم الأعظم.

رتبة الرّحمانية هي مقام الكمالات الإلهية والأخلاق الربّانية وهي مقامُ المثلية في قوله صلّى الله عليه وسلّم : "خلق الله آدم على صورته"
فإنّه لولا تلك الصورة والمثلية لما صحّ لأهل الكمال الفناء في الله تعالى والبقاء به.
فنزّههم الله تعالى في قوله : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}

وإلاّ كيف صحّ لهم الفناء في ذات الله والبقاء به والتخلّق بأخلاق القرآن وأخلاق الله تعالى كما قال صلّى الله عليه وسلّم : "تخلّقوا بأخلاق الله".
فافهم فلولا الصورة والمثلية لما صحّت للإنسان الخلافة، أقصد لما صحّت لأفراد بني آدم الخلافة والتحقّق بأخلاق الله تعالى والبقاء به.

فالمثلية هي الخصوصية، وهم مع ذلك مؤمنون بالله غيباً، فافهم كما ذكرنا فكنه الذات لا يُدركُه مخلوق. وقولنا مخلوق تفهمُه بقولنا سيّدُ الخلق هو سيّدنا محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقد شرحنا في موضع مختلف هذه المثلية بكلام نفيسٍ، وقلنا هي الرّحمانية ومن أجلها خلق الله الخلق والأكوان، فاسم الرّحمن هو الإسم الجامع الثاني بعد اسم الذات فكان حضرته أسمائية صفاتية.
وكان واسطة للتعرّف إلى الله تعالى فلا يُعرفُ الله تعالى إلاّ بواسطة أسمائه وصفاته. وهو اسمُ الرّحمن وخليفة اسم الرّحمن هو خاتم الأنبياء والرّسل سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم. لذلك كان الحجاب والباب والواسطة لمعرفة الله سبحانه قال الله تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.} [آل عمران:31]

غيرَ أنّ صاحب الكتاب العبد المحض ذكرت عبديّته قبل نزول الكتاب، أي تعلّق بالذات مطلقاً، لذلك كان سرّه هو الذات.
هو عينُه صاحبُ كنه الذات. هو العبدُ المحض في مقام العبدية وهو الحقّ تعالى في مقام الأخلاق الإلهية والتصريف والولاية. فافهم.

ولولاهُ لما شهدَ الخلفاءُ وأهل الكمال حضرة الأحدية وفنوا في الذات وسرّ الذات، فافهم.

وهذا هو معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم "خلق الله آدم على صورته" فلولا وجود صاحب الذات وصاحب كنه الذات والحقّ بنفسه لما فنى في الحضرة الأحدية والذاتية أحد. مستحيل.

فما كان لهم البقاء بالله إلاّ بالله تعالى.

وما رأى موسى الله إلاّ بالله لا بنفسه المسمّاة موسى. "قال لن تراني"
وهنا كلامٌ عزيزٌ، ولكنّني فتحتُ لك مفتاحاً عظيماً للتحقيق وفهم حقيقة الخلافة. من أنفس المفاتيح لتفهم لماذا صحّ الفناء والبقاء والشهود والتصريف للإنسان الكامل من أفراد بني آدم ؟ لولا وجود الختم خاتم الولاية وصاحب الذات والسيّد الصّمد والمعنيّ بقوله صلّى الله عليه وسلّم "تخلّقوا بأخلاق الله". فهي أخلاقه وهي مرتبته وهي حضرته بالأصالة لذلك صحّ للخلفاء من بني الإنسان المثلية والصورة والخلافة. فافهم.


يتبع ..