الاثنين، 20 مايو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 5



- 5 - 


قال الله تعالى {قل هو الله أحد}

الواقف على هذه السورة التوحيدية التفريدية النّاعتة للذات العليّة، الواقف عليها وقوفاً عرفانياً فتوحياً مكيّاً أقدسياً يشهدُ ههنا حقائق التوحيد وحقائق ما كنّا نقوله. فافتح قلبك وعقلك.

قال تعالى :
"قل" قل يا محمّد عن شهودٍ وعلمٍ : هو الله أحد.

فقد قال بعض العارفين بالله في كلمة قل : تضمين لشهود النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لحضرة الأحدية، والتحقّق بسرّ الذات.

فالحضرة المحمديّة وقد أشرنا سابقاً هي حضرة الصفّات والأسماء، حضرة الرّحمانية الظاهرة وهي حضرة الواحدية المتجليّة عن الحضرة الأحدية.

وفي الحضرة الأحدية يفنى أهل الفناء الأكبر فلا يشهدون ثمّة نعتاً ولا إسماً ولا وصفاً، ما ثمّ سوى الأحد سبحانه.

ومع ذلك فسرّ الإنسان قابل لشهود هذه الأحدية، شهودٌ قامَ بالله، وذلك بالفناء في ذات الله سبحانه.
فإذا عاد الفاني إلى حضرة الواحدية متحقّقا بالوجود الحقّاني الموهوب الجديد عاد الى حضرة البقاء بالله سبحانه. وهناك يكونُ وارثاً عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. وفي الحقيقة نائباً عن الخليفة لأنّه باقٍ بالله تعالى. فافهم.

فهنا لطيفة باهرةٌ، لمتوسّمٍ، كيف صحّ هذا الشهود الأحديّ للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم ؟ ولغيره من الخلفاء أهل الكمال والفردانية ؟


" قل هو الله أحد" قل عن شهودٍ يا محمّد وعلمٍ وحقّ يقينٍ هو الله أحد. وذلك بقوله تعالى في سورة النّجم : {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} النجم 17-18

رأى الحقّ تعالى في مقامِ الوحدة، رأى الرّوح الأعظم عند الأفق الأعلى عند سدرة المنتهى، حين دنا فتدلّى في مقام قاب قوسين، ثمّ اخترقَ إلى سرّ الذات فشهدَ بالإسم الأعظم حضرة الأحدية : "أو أدنى". حين ارتفعت الصّفة الاعتبارية فلم يبقَ إلاّ هو سبحانه في حضرة الأحدية.

وفي هذا المقام رغم هذا الشهود الأحديّ فإنّ كنه الذات يبقى غيباً لا يُدرك، تعالى الله عن خلقه وتعالى عن الشريك والنّظير والمثيل.

فقولنا المثلية في الآية لا نقصدُ بها النّظير والأكفاء، بل ذلك عينُ إثبات الأحدية لله تعالى، وعين ما ذكرناهُ من كرمِ الله واصطفائه لبني آدم حين خلقهم على صورته، وخصوصا الأفراد الخلفاء الذين أودعَ الله فيهم سرّه الكامل، فصحّ لهم الفناء فيه والبقاء به. قال الله تعالى في حقّ آدم عليه السلام :
{فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} فبتلك النفّخة من روح الله صحّت لآدم الصورة والخلافة الأسمائية.

وبالرّوح وقع العروج للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى مقام السرّ وراء سدرة المنتهى. حيث لا أين ولا كيف ولا زمان ولا مكان.

فالخلاصة هنا في تلك اللّفتة أنّ شهود الحضرة الأحدية ما كان لولا وجود صاحب هذه الرّتبة وهذا السرّ الذاتيّ، فإنّ الفناء وقع في ذات الله بالله تعالى، والبقاء به وقع بالله تعالى فهو بقاءٌ بالله تعالى.

فوجبَ أن يكونَ شهود الذات وقع بمرآة صاحب الذات، وإلاّ لادّعى المرتبة من شاء.

النبيّ الخاتم صلى الله عليه وسلّم هو رسولُ الله.
فمن هو صاحب المشكاة والمرآة والسرّ الذاتيّ الذي به صحّ للنبيّ وأهل الكمال من بني آدم الفناء في ربّهم والبقاء به سبحانه ؟

كيف صحّ ّ للإنسان الكامل الذين هم أفراد بني آدم وهم خلق الله تعالى الذين هم ورثة للإنسان الكامل الذي هو سيّد الوجود وسيّد الخلق صلى الله عليه وسلّم، كيف صحّ لهم الشهود الأحديّ ؟ لولا وجود صاحب هذه الرّتبة وهذا الختم الذاتيّ ؟

ألا ترى أنّ النبوّة والرّسالة ختمت ببعثة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومع ذلك فالأفراد والخلفاء كانوا من أمّته صلّى الله عليه وسلّم وحازوا على مرتبة الفناء والكمال والخلافة بالولاية.

فلو كانت النبوّة هي المشكاة والمرآة ورتبة الخلافة لما صحّ لوليّ أن يكون خليفة من الخلفاء.

فالولاية هي الأصلُ، فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم شهد الله ورأى من آياته الكبرى في مقام الولاية العظمى. فافهم.

فصاحبُ الصورة الأصليّ وصاحبُ المرتبة والختم هو الوليّ الختم، الوليّ المحض، الوليّ بالأصالة الذي كان وليّاً وآدم منجدل بين الماء والطين.

الله تعالى ما تسمّى بالنبيّ ولكن تسمّى بالوليّ، وختْمُ الولاية يعني التحقّق بمسمّى الوليّ كاملاً أي أنّ الوليّ الختم هو صاحب الذات والإسم الأعظم، هو صاحب الأحدية. هو صاحب كنه الذات.

لولاهُ ما فنى فانٍ ولا دخل حضرة الله أحد،
"خلق الله آدم على صورته"

هذا هو الاصطفاء العظيم للإنسان، هي تلك الصورة والصورة المقصودة هنا هي الصّفات السّبع فافهم : الحياة والعلم والإرادة والقدرة والكلام والسمع والبصر.

هذا الذي نذكرُه هنا هو أنفسُ العلم والتحقيق مطلقاً.


فتفسير الحديث النبويّ الشريف : خلق الله آدم على صورته هو بكلّ بساطة وتحقيق : خلق الله آدم على صورة الخليفة.

قال الله تعالى
(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)

ثمّ لإثبات هذا التحقيق يقول تعالى بعد قوله تعالى "
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" يقول : اللَّهُ الصَّمَدُ.
للتعريف بمرتبة هذا الختم، حتّى لا يلتبسُ على المتحقّقين الذين يصلون إلى هذه المنازل العالية وشهود الأحدية ثمّ التحقّق بمقام البقاء به سبحانه. هناك في مقام معرفة الله تعالى من حيث التنزيه الأعظم والتحقّق بسرّ الذات، وفي مقام الحيرة والعجز في مقام الكمالات اللاّمتناهية يتعرّفُ العبدُ في هذا المقام الأعلى مقام الخلفاء والمقرّبين وغاية الواصلين يتعرّفُ الواصل والوليّ في ذاك المقام الأبهر مقام مسّ الكتاب والتصرّف، يتعرّفُ على صاحب المرتبة على العبد المحض على اللاّبس الحقيقيّ : السيّد الصّمد.

ويّقالُ له هذا هو صاحب الصّورة والخليفة حتّى لا تُعجب بنفسك ولا تغترّ بما ليس لك، فأنت عبدٌ ومخلوقٌ ولو وُهبتَ هذا الوهبَ الأعظم. فما ثمّ سوى الدرّة اليتيمة والياقوتة الفريدة التي لا نظير لها.

ما ثمّ سوى اللاّبس الوحيد، صاحب سرّ الذات وكنه الذات حيث العجز عن إدارك كنهه، حيث قال الله تعالى
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}
نعم إنّه الخليفة السيّد الصّمد الذي لم يكن له كفؤاً أحد.

ولدينا مزيد
ٌ في هذا الباب وأكثر إن شاء الله ..



يتبع ..