الاثنين، 20 مايو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 7



- 7 -


لتفهمَ كيفَ كان الخليفة هو صاحب الرتبة الأصلية والسيادة المطلقة والإمامة العليا، فاعلم أنّ الذات تجلّت وظهرت في روحها، فالرّوح هو مظهر الذات، والرّوح الأعظم هو حقيقة كلّ المخلوقات والأكوان والتجليّات، والرّوح الأعظم تعيّن في الرّوح الأمين أمين الملائكة وسيّدهم في عالم الرّوح واللّطافة والأملاك وهو عينُه الروّح الأعظم، وهو روح أهل الكمال، وهو رسول الوحي لكلّ الرّسل والأنبياء.
الرّوح الأعظم هو روحُ الله تعالى الذي ظهر فيه بذاته وتجلّت فيه حضرة الواحدية، وهو الإمام المنبين والكتاب الذي أحصى الله فيه كلّ شيءٍ. ما من ملك أو مخلوق أو كائنٍ إلاّ وهو مخلوق من هذا الرّوح الأعظم ، المسمّى بالرّوح وهو سيّد المقرّبين وهو حقيقة الحقائق من وجه كونه روح الله تعالى فافهم. ومظهر تجليّات الله تعالى سبحانه. فافهم.

سرّ هذا الرّوح الأعظم هي حضرة الأحدية والذات، ثمّ تعيّن هذا الرّوح في عالم الكثافة والأجسام فكان الخليفة المهدي عليه السلام.

فهو عين الروح المتجلّي من الذات، والإنسان له مرتبة الآخرية في الأكوان من حيث كثافته بخلاف الروح الذي كانت له اللّطافة والتي توسّطت بين السرّ والكثافة. فسرّ الرّوح هو هو سرّ الخليفة المهدي. أي أنّ ذات هذا الرّوح الأعظم المتجلّي الذي ظهر الله فيه بذاته هي ذات الخليفة الخاتم. فسرّ الرّوح الأعظم يرجعُ إلى هذا الخاتم.

كما توقّفَ الرّوح عند سدرة المنتهى، ونفذ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلّم إلى سرّ هذا الرّوح الأعظم. فالرّوح مرتبة متوسّطة في عالم الظهور ، فافهم والإنسانُ الكامل له الآخرية التي مكّنته من النّفاذ إلى سرّ هذا الرّوح الأعظم وشهود الحضرة الأحدية.

وهي ليست سوى ذات وسرّ هذا الرّوح الأعظم الذي ظهر الله فيه بذاته. فافهم هذا التحقيق والذوق العالي.

ولتتخيّلَ هذا الأمر ببساطة، تخيّلهُ في نفسك وذاتك، وانظر إلى خيالك على سعته ونفوذه فيما شئت من خيالٍ بلا حصرٍ وكلّه صادرٌ منك، من ذاتك، فذلك الخيال اعتبره روحك السّارية وهي مظهرُ تجليّات خيالاتك وأفكارك وخواطرك وما شئتَ، أمّا مردُّ تلك الخيالات والأفكار والخواطر والأطياف التي تدورُ عقلك وفكرك وذهنك فراجعةٌ لك في الحقيقة أنت، فافهم.

فهذا هو المثال ببساطة متناهية، ولله المثلُ الأعلى. فالرّوح هو مظهر تجليّات الذات، وسرّ هذا الرّوح هو حضرة الأحدية.
فكان هذا الرّوح هو عين المتجلّي وكان الخليفة هو عينُ هذا الرّوح، فهو ليس سوى صاحب الذات والسرّ المتجلّي.

وفي هذا قال الشيخ الأكبر في الفتوحات المكيّة :

{"إني جاعل في الأرض خليفة" يُؤمن به من كل خيفة، أعطاه التقليد، ومكّنه من الإقليد، فتحكّم به في القريب والبعيد، وجعله عينَ الوجود، وأكرمه بالسجود، فهو الرّوح المطهّر والإمام المدبِّر، شفّعَ الواحدَ عينه، وحكم بالكثرة كونَه، وإن كان كل جزء من العالم مثله في الدلالة ولكنّه ليس بظلّ فلهذا انفرد بالخلافة وتميز بالرسالة فشرّع ما شرع، وأتبَع واتّبع فهو واسطة العقد وحامل الأمانة والعهد}

فقد عيّن أنّ الخليفة هو الرّوح المطهّر والإمام المدبّر، وهو عين الوجود المتجلّي كما شرحنا لك، وهو واسطة العقد وحامل الأمانة والعهد.
ولولاهُ لما عرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى سرّ الذاتـ فقد عرج الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم بالرّوح الأمين، وفي الحقيقة عرج إلى سرّه، إلى حضرته الأحدية، لذلك لو تقدّم الرّوح لاحترق. فحضرة الأحدية لا تقبل إلاّ الأحدية، ولا تقبل إسما ولا غيرا ولا وصفاً.

وهو واسطة العقد الذي به شهد من شهد الحضرة الأحدية، وبه صحّ لأفراد بني آدم أهل الكمال الخلافة والتحقّق بعلم الأسماء.

وعِلْم الأسماء المقصود في قوله تعال
ى {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا} ، هو حضرة الرّوح الأعظم. لأنّه هو الحضرة الأسمائية الجامعة.
فحضرة الأسماء هي حضرة الأعيان الثابتة المتجليّة من سرّ الذات، فافهم.

وانظر إلى قول الشيخ الأكبر في الاقتباس السابق :
(وإن كان كل جزء من العالم مثله في الدلالة ولكنّه ليس بظلّ فلهذا انفرد بالخلافة)
قوله ليس بظلّ، لأنّ جميع الخلفاء الذين شهدوا سرّ الذات وعرجوا كما عرج نبيّ الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه، فشهدوا حضرة الأحدية بالإسم الأعظم. هم في الحقيقة أهل شهود ونيابة وقام الحقّ فيهم لطيفة صفاتية أسمائية. فكانوا كالظلّ. ولكنّهم ليسوا عين السرّ وعين الرّوح الأعظم. بخلاف الخليفة الذي هو الروح بذاته فهو الذات التي تجلّى منه الرّوح. فهو ليس بظلّ.

فأحدية الخلفاء وعلى رأسهم صاحب ختم الأسماء والصفات رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أحديّتهم ظلالية وليست حقيقة، أحديّتهم شهودية وليست عينية. فافهم. بخلاف الخليفة الذي هو الرّوح فحضرة الأحدية هي حضرته، والرّوح هو عينُه وهو الخليفة في عالم الإنسان.

قال الله تعالى
{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.} [آل عمران:18]

في هذه الآية تحقيق ما ذكرناهُ من رتبة الإنسان الكامل الآخرية هي عين إثبات الأوّلية له في السرّ، فابتدأ بنفسه سبحانه شهد الله ثمّ ثنّى بالملائكة والعالم المتوسّط ثمّ ثلّث بأولي العلم، لتعود آخرية أولي العلم وهم الخلفاء أهل العلم بالله إلى سرّ الإسم الأعظم، فعلمهم قام بالله سبحانه. فرتبتهم أعلى من رتبة الملائكة كما شرحنا لك. فافهم.

فهذا الذي نذكرهُ هنا هو علم المحققين وعلم الأذواق الأنفس. وإنّما حالَ دون الكثيرين قبوله للقابليات العلمية، والوقوف بلا شوائب الحسد والنّفسية والعلل التي تشغلُ الذين حرمتهم نفوسهم قبول هذه العلوم.

ونحنُ نقدّمها بتحليل وشرح ومرّة بعد مرّة وفي أطرها التي يجب أن تؤخذ معها، حتّى لا يقع الالتباس.

ومهما التبس على أحدٍ بُعد ما نقوله عن الشريعة والتحقيق، فذلك راجع لا محالة لفهمه الملتبس وليس لما نذكره.

فقبول مثل هذا الكلام وهذا العلم، يحتاجُ إلى خلفياتٍ تحقيقية، إلى كمّ كبيرٍ من الخلفيات لذلك لا يمكن قصّ جملة أو عبارة لتشغلَ بها نفسك وتتثير بها الزوابع حولك وعليك. بل عليك إنزال القدر الكافي من الخلفيات المعلوماتية والتخيّلية والقاعدية لقبول هذا الكلام الأقدس، والعلم الأنفس.

ألا ترى أنّ بعض الملفات في عالم الكمبيوتر والأنترنت، تحتاجُ لقرائتها إلى تنزيل برامجها الكافية والصحيحة لتكون قاعدة كافية لكي تقرأ الملف وتراهُ بما هو عليه. وإلاّ بقيَ مشفّراً.

وكذلك هذه الحقائق تحتاجُ إلى خلفياتها التنزيهية والعلمية وماورائياتها لتقرأها وتفهمها على نحوٍ مقبول مرفوع عن الشبهات والتنكيسات والتشويهات.

ولهذا السّبب لم يكن علم الأولياء للجميع حتى لو كانوا علماءً من علماء الظاهر، واقفين على ظواهر الأمور وليس لهم برامج تنزيل هذه العلوم والحقائق.

فانظر وقارن، لتفهم أنّ طريق الصوفية الصّحيح، وليس ما اشتبه وكثر فيه الدجل والتلبيس والكثير من المغالطات والتشويشات، أنّ طريق هؤلاء الصوفية المحقّقين احتاج لجميع ما ذكروه من مراحل وشروط وضوابط ليصحّ للسّالك والمريد أن يصل إلى تنزيل هذه الحقائق في قوالبها الصحيحة من غير أن يتزندق أو ينحرف.

لذلك كانت هذه الحقائق ذوقية، تشترطُ شيخا واصلاً عارفاً متحقّقاً صدقاً، لكي يدلّ القاصدين بقدرٍ ومرحلة مرحلة، فكلّ مرحلة تحدثُ للعبد جذبات وأحوال لن يُدركها أبداً.

فمرحلة الإدراك وتنزّل العلم والعرفان هي آخر المراحل في الطّريق. وعليه فكان لزاماً من شيخٍ وربّان يقودُ هذه السّفينة والتي هي نفسك بحكمةٍ وعلم ورسوخٍ.

والعبرة ليست بالنظريات والفلسفات، فما أكثر الفلاسفة والمفكّرين، ولكنّ العبرة في الذوق، والتحقّق والتخلّق.

العبرة حينما تُدرك أنّ هذا الكون كلّه عبدٌ لله تعالى ومخلوق متوجّه بكلّه لله سبحانه ولغته التسبيح والتقديس للعليّ سبحانه في علاه وتنزيهه وتقديسه المتعالي عن ظلال الخلق وأطياف الكون. فالعبرة في ثمرة ذلك الإدارك أن يخشع القلب ويخضع لربّه بمعرفته ويسبحّه مع المسبّحين.



يتبع ..