الاثنين، 20 مايو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 8



- 8 -


أمّا الحديث عن الصورة التي صحّت بها للمهدي العلامة والإمامة. فذلك حديث آخر باهر.

شيءٌ خارقٌ هيهات هيهات أن يدركه غيرُ أهله، ولكنّنا تكلّمنا عنه في محافل كثيرة سابقة وفصّلنا تفصيلاً باهراً.

وكلّما أدركتَ الحقائق العاليات وأذواقها، بهرَكَ هذا المجذوب، بهركَ لما فيه من إعجاز من الله تعالى الذي أخفى الحقائق وكتمها كما كتم هذا المجذوب، وهو قطب الكمال والحقائق ، فسبحان الظاهر الباطن الذي أعجز حتّى حيّر وبهر.

والكلامُ عن المجذوب برهانٌ وعلامة على خلافة الخليفة الإلهية والذاتية التي كنّا التي نتكلّمُ عنها.

وههنا خواطر وخواطر تتظافر وتتزاحمُ من أينَ نبدأ حديثنا الممتع المتفرّد الضاربِ في العمق حقائقاً، والجانح في الإفشاء والتصريح في عالم الظهور والفرق، المُحلّقُ بجناحي التسليم والذوق، النّاطقٌ بصدقٍ وراء الصّدق.

خاتم الأولياء أوّل علاماته أنّه الوليّ بالأصالة، كان وليّاً وآدم منجدل بين الماء والطين. وهذا الكلامُ ليس إنشائياً كمالياً ، قد يبدو ذلك لمن لا يفهمُ المقصود منه، فالوليّ الخاتم كان وليّا قبل ولاية جميع الأولياء. كان وليّا وآدم منجدل بين الماء والطين.

فجميع الأولياء ما حصّلوا الولاية إلاّ بتحقيق شرائطها، جميع الأولياء بما فيهم الأنبياء عليهم السلام. فافهم هذا الكلام.

حتّى نبيّ الأنبياء كان نبيّاً وآدم بين الماء والطين، نبيّاً بالأصالة ولكنّه ما حصّل مقام الولاية الكاملة إلاّ بعد تحصيل شرائطها بشهود حضرة الأحدية عند العروج الذاتيّ.

لا وليّ بالأصالة سوى الله سبحانه {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} الشورى28

فافهم هذا الكلام النّفيس المحقّق، فلا وليّ سوى الله تعالى، وما عداهُ وليّ بالنيّابة والتجلّي عليه من الوليّ الحميد.

لتفهمَ أنّ الولاية لها الأصلُ، وأنّ خاتم الولاية كان صاحب الذات وخليفة إسم الله، وصاحب الإسم الأعظم أصالةً.

ومن مشكاته يشهدُ جميع الأولياء والأنبياء ما يشهدونه من فيوض حضرة القدس.

ولننقل هنا كلام الشيخ الأكبر من الفصوص (...و ليس هذا العلم الا لخاتم الرّسل و خاتم الأولياء ، وما يراه أحد من الأنبياء و الرسل الّا من مشكاة الرسول الخاتم ، و لا يراه أحد من الاولياء الّا من مشكاة الولي الخاتم ، حتى إنّ الرسل لا يرونه -متى رأوه - إلّا من مشكاة خاتم الاولياء ، فكيف من دونهم من الأولياء ؟) انتهى

ويقول الشيخ الأكبر :
(ولمّا مثل للنبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن و قد كمل سوى بضع لبنة ، فكان صلى الله عليه وسلم تلك اللبنة . غير انه صلى الله عليه و سلم لا يراها كما قال سوى لبنة واحدة . أمّا خاتم الأولياء لا بد له من هذه الرؤيا ، فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و يرى في الحائط موضع لبنتين ، و اللبن من ذهب و فضة ، فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحائط عنهما و تكمل بهما ، لبنة ذهب و لبنة فضة ، فلا بد ان يرى نفسه تنطبع في موضع هاتيك اللبنتين ، فيكون خاتم الاولياء تلك اللبنتين . فيكمل الحائط . والسبب الموحب لكونه رآها لبنتين انه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع تلك اللبنة الفضة ، و هو ظاهرها و ما يتعبه فيه من الاحكام ، كما هو آخذ عن الله في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه ، لانه يرى الامر على ما هو عليه ، فلا بد ان يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن ، فانه أخذ أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به الى الرسول . فإن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شيء.) اه

فانظر مقام الولاية، فإنّها لبنة الباطن، فلبنة الظاهر اسم الرّحمن في حضرة الواحدية ، ولبنة الباطن هي الإسم الأعظم. وخاتم الولاية لهُ هذه اللّبنيتن بالأصالة، فبه يشهدُ من يشهدُ من الأولياء لبنة الباطن الذهبية : وهي لبنة الإسم الأعظم الله. فافهم.

فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم شهد لبنة الباطن اللبنة الذهبية، ولكنّه شهدها بمشكاة خاتم الولاية، وليست لبنته بالأصالة. فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم عرج الى الذات، وتحقّق بالإسم الأعظم في مقام (ورأى من آيات ربّه الكبرى) ، ولكن بواسطة الختم الخليفة. أمّا لبنة الفضة وهي لبنة الرّحمانية والظاهر والأخلاق الإلهية والكمالات العليا ومقام الصّفات فهي للنّبي صلّى الله عليه وسلّم بالأصالة لذلك كان مظهر الذات، وصاحب الكمالات وكان المسمّى الإنسان الكامل وما من كمالٍ تجلّى به الله على الوجود إلاّ وهو مفاضٌ بواسطة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وما من أحمديّة يتحقّق بها الأولياء إلاّ وهي للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، لأنّهم ورثة له في مقام الختام، وهو القاسم لما أعطى الله تعالى. ولكنّ المعطي وصاحب الذات وصاحب اللبنة الذهبية ولبنة الذات وصاحب السرّ الذاتي والإسم الأعظم هو الخليفة وخاتم الولاية.

ألا ترى أنّ الشيخ الأكبر صرّح في الفتوحات بشهود اللبنة الذهبية والفضيّة ؟ وكذلك يشهدها كلّ وليّ محقّق حاز مقام القربة والخلافة الأسمائية. وهي أعلى التحقّقات ولكنّهم يشهدونها بمشكاة خاتم الولاية. وهو مقام العروج الذاتي الى سرّ الذات. فالنبيّ صلّى عليه وسلّم شهد اللبنة الذهبية، أمّا الفضيّة فهي مذكورة في الحديث الشريف وهي خاصة به، وهي لبنة النبوّة وهو خاتم النبوّة والنبيّ بالأصالة وهي لبنة الظاهر ولبنة حضرة الواحدية.
أمّا اللبنة الذهبية فهي لبنة الباطن ولبنة الولاية ولبنة الأحمدية ولبنة الإسم الأعظم ولبنة الذات، لبنة حضرة الأحدية. فافهم.

لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو رسول الله. تعالى الله عمّا يصفون ويشركون.

فصاحب الإسم الأعظم وخليفته في الأكوان هو الخليفة : خليفة الله. وهو عينُ الرّوح الأعظم المتجلّي من سرّ الذات.

فلا موجود إلاّ الله سبحانه، ولكنّها الأسماء تحقّقت بخلفائها، فكان خليفة الإسم الأ‘ظم هو المكتوم، لأنّه عينُ الوجود، وكان مطهّراً وخارجا عن الأكوان والصّفات، وكان خليفة إسم الرّحمن الجامع للأسماء والصّفات هو رسول الله.

فالرّحمن إسم ظاهره الرحمانية وهو أعلى مظاهر الواحدية في التحقّق بالكمالات الإلهية والصفات الربّانية، وباطنُ اسم الرحمن هو اسم الله سبحانه.

قال الله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107)

فافهم هذا التحقيق.

قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه في كتابه فصوص الحكم :
"وكذلك خاتم الاولياء كان وليا و آدم بين الطين و الماء ، و غيره من الأولياء ما كان وليّا إلّا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الالهية في الاتّصاف بها من كون الله تعالى تسمّى "بالوليّ الحميد" . فخاتم الرسل من حيث ولايته ، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء والرّسل معه ، فإنّه الوليّ الرسول النبي." انتهى

فهذا الذي ذكرناه، فإنّ الأولياء ما حصّلوا الولاية وهي التحقّق بالإسم الأعظم إلاّ بعد تحصيل شرائطها.
ولا وليّ إلاّ الله فهو الوليّ الحميد، الوليّ بالأصالة، فخاتم الولاية هو كلّ المراتب هو الوليّ والرّسول والنبيّ.

فولاية خاتم الرّسل من ولاية خاتم الولاية. فافهم.

وقال الشيخ الكاشاني قدس الله سره في تفسيره الإشاري التأويلات في شرح سورة الشرح : ( فكيف يثبت خيراً وشرّاً ويأمر وينهى وهو لا يرى إلا الحق وحده فإذا ردّ إلى مقام النبوة عن مقام الولاية وحجب بحجاب القلب ثقل ذلك عليه وكاد أن يقصم ظهره لاحتجابه عن الشهود الذاتي حينئذ، فوهب التمكين في مقام البقاء حتى لم يحتجب بالكثرة عن الوحدة وشاهد الجمع في عين التفصيل) انتهى

وقال (({ فإنّ مع العسر } أي: الاحتجاب الأول بالخلق عن الحق { يسراً } وأيّ يسر هو كشف الذات ومقام الولاية { إنّ مع العسر } أي: الاحتجاب الثاني بالحق عن الخلق { يسراً } وأيّ يسر هو شرح الصدر بالوجود الموهوب الحقاني ومقام النبوة.)) انتهى

فانظر إلى تحقيق المحقّقين فمقام الذات والشهود الذاتيّ هو مقام الولاية، فلا وليّ إلاّ الله سبحانه.
ومقام النبوّة هو مقام الكمالات والأخلاق الإلهية ومقام البقاء بالله سبحانه.

فمقام الولاية هو مقام الفناء وكشف الذات مقام شهود الحقّ سبحانه.

فالخليفة الختم كما وصفه الشيخ الأكبر : "زال بختمه عن مرتبته".
لأنّه هو الوليّ الرسول النبيّ. هو حقيقة جميع المراتب، فهو صاحب الذات. هو الخليفة في الأرض.

زال بختمه لذلك ضرب عليه الكتمُ، وكانت النبوّة هي الواسطة إليه والحجاب دونه. والنبوّة هي مقام الكمالات العظمى فإنّه لا تكتملُ الحقائق إلا باجتماع الشهادتين : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله.

الحقيقة والشريعة. ولا سبيلَ إلى الحقيقة إلاّ عن طريق الشريعة. والله تعبّدنا بالشرائع. وتعرّف إلينا بالحقائق.

فنهاية العبادة هي المعرفة، أو حقيقة العبادة هي المعرفة بالله تعالى.

وكذلك لا تكتملُ الشريعة إلاّ بالحقيقة. ولا تقومُ الحقيقة إلاّ بقالب الشريعة.

لذلك يُبعث خاتم الأولياء بشريعة خاتم الرّسل. فالعبودية والأحكام اكتملت بخاتم الرّسل.

وما كان الخاتم إلاّ الحاكم العادل المهيمن الخاتم لخزانة الجود الإلهيّ. إذا ظهر فقد أعلن عن زوال الدّنيا، وإقفال باب الولاية.

فانظر لولاهُ ما تحقّق وليّ، ولولاهُ ما قامت نبوّة نبيّ لأنّ الولاية هي الأصلُ في النبوّة، فالولاية هي الوجه الألهي للنبوّة. هي الأحمدية.

يتبع ....