الاثنين، 27 مايو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 25

ما أردتُ قوله ببساطة أنّ صورة الدّنيا منذ بداية خلافة سيّدنا آدم عليه السّلام هي صورة هذا الخليفة، ويجسّد تلك الرّحلة باختصار المجذوب.

رحلة التحقّق بالإسم الأعظم ورحلة الخلافة الإلهية تمتدّ منذ عهد سيّدنا آدم حتى ظهور خاتم الولاية والخليفة بذاته الذي هو مظهر الإسم الأعظم في الأرض والذي هو حقيقة الإسم الأعظم في باطنه وبذاته. فافهم.

وهذا الأمرُ إن شئتَ أن تفهمه بمنتهى البساطة - أمر أنّ الإنسان متحقّق بسرّ الإسم الأعظم- ، فنقول : القلبُ هو عرش الذات، أي القلبُ عرش الله سبحانه، نريد عرش اسم الله، الإسم الله الإسم الدّال على الذات العليّة، عرشه هو القلب قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الله تعالى {ما وسعني سمائي ولا أرضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن} وهذا تجده في كتاب الله تعالى في تحقيق معنى نزول القرآن على نبيّ الله صلى الله عليه وسلّم فقد نزل به الرّوح الأمين على قلبه صلى الله عليه وسلّم ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ(195)﴾. [سورة الشعراء].
والرّوح هو روح القدس والرّوح الأعظم المسمّى أمرُ الله الذي تجلّى الله فيه فكان مظهر ذات الله تعالى، فاقرأ إن شئتَ أنّ الله أوحى إلى نبيّه روحاً من أمره فهو نفس معنى نزول هذا الروح على قلب سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم : ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. [الشورى:52]
فنزول هذا الروح على قلب العبد يجعلُ قلبه روحاً قدسياً فيصيرُ إلى مقام الجمع الذاتيّ والبقاء بالله سبحانه فافهم.

فقلنا الخلاصة هي أنّ القلب هو عرش الله سبحانه فإذا استوى اسمُ الله (الإسم الأعظم) على قلب العبد المؤمن الكامل يصبحُ القلبُ في مقام الجمع الذاتيّ ومقام القرآن للكتاب الأوّل، فيتحقّقُ القلبُ هنا ويصبحُ إن شئتَ هو صورة الذات السّاذج في نهاية التحقّقات في مقام ختم الولاية، وبهذا السرّ فالإنسان ليس هو سوى الحقّ سبحانه، ألا ترى قوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث القدسي الذي رواه البخاري : إِنَّ اللَّه قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إليَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إليَّ مِمَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّب إليَّ بِالنَوَافِلِ حَتَى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ." رواه البخاري.
فيصبحُ القلب هو الذات الساذج، وفي هذا المقام يصبح سمع الله هو سمع العبد وبصر الله هو بصره وبضشه هو بطش الله سبحانه ويصبح مستجاب الدعوة متمكّن في التصرّف في الأكوان يقول للشيء بأمر الله كن فيكون، فبطشه هو بطش الله وقدرته هي قدرة الله تعالى ، فافهم. لأنّ الذات هي حقيقة جميع الصّفات، ومن تحقّق بهذا السرّ صار متحقّقاً بجملة الذات والصّفات وهذا هو معنى وسع القلب للحقّ سبحانه أي وسعه لأسمائه وصفاته. وهذا هو معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم "خلق الله آدم على صورته"، فالصورة هي صورة التحقّق بذلك السرّ الذي أشرنا إليه، وذكره الحديث القدسي الصحيح، فهي أمور مترابطة. وهو نفس معنى قوله صلى الله عليه وسلّم "من عرف نفسه فقد عرف ربّه"، أي من عرفَ الصورة التي خلقه الله عليها وحقيقتها ونسبتها إلى الله سبحانه وتحقّق بها فقد عرف ربّه، وعرفَ أنّ حقيقته هي الحقّ سبحانه.


فكانت هذه هي الحقائق ببساطة، ولكن لعلوّ هذا السرّ، ولكونِ دونه مفاوز ومهامه للوصول إليه فقد غابَ عن الإنسان التحقّق بهذه الحقيقة التي هي منتهى الحريّة ومنتهى العلم ومنتهى السعادة ومنتهى الحيرة. وهذا السرّ كون القلب هو عرش الذات، وكونه يرجعُ إلى ذاته الساذج الجامع لماهيات الحقائق هو الذي ذكره الله تعالى في تشريف آدم عليه السلام وبنيه أجمعين. قال سبحانه وتعالى : {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر:29]
وهو الذي قال فيه سبحانه : {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} الأحزاب(72) فالصورة هي الأمانة التي عجزت عنها السموات والأرض وأشفقن منها وحملها الإنسانُ، فكان ظلوماً لنفسه جهولاً بقدر هذه الأمانة، وتفاوت الظلم والجهل في العباد هنا كلّ بقدرِ تقصيره وغفلاته. وقال سبحانه في هذا المقام مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الحج:74].

_______________

وعوداً لنقطة أنّ الخليفة هو حقيقة الأطوار والأدوار المتقلبّة في الأصلاب والظاهرة بشخوصها في العالم الإنسانيّ منذ بعثة آدم حتى نهاية الدّنيا. فقلنا تبدأ دوائر العروج السماوية عند الألفية الرّابعة أي ببعثة سيّدنا موسى عليه السلام، فسيّدنا موسى بعث عند رأس الألفية الرابعة، قيل بعث سيدنا موسى عليه السلام قبل المسيح بنحو ألف وسبعمائة سنة (1700 سنة) وبعث المسيح قبل النبي صلى الله عليهما وسلم بنحو ستمائة سنة (600) وذلك يعادل نحو ألفين سنة أو أكثر بقليل ، وعليه فبعثة سيدنا موسى كانت على رأس اليوم الرابع أي الألفية الرابعة.

وهذا ما قلناه وهو يوافق ما قاله سبحانه وتعالى من انتهاء الحقائق الخلقية الأرضية في أربعة أيام ثمّ استوت الحقائق الخلقية السماوية في يومين.

قال الله تعالى :
(قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) -فصلت-

فكانت أربعة أيّام لبداية العروج السماوي الإنسانيّ وذلك ببعثة سيّدنا موسى عليه السلام ثمّ بعد نحو ألف وخمسمائة سنة بعث المسيح روح الله ثم بعد خمسمائة سنة أو يزيد بعث النبيّ الخاتم صلّى الله عليه وسلّم على رأس اليوم السادس الذي فيه استوت الحقائق الإنسانية كاملةً، واستوى فيه اسم الرّحمن على العرش. ودار الزمان وعاد كهيئته الأولى. وانفتح باب الولاية العظمى والأحمدية.

وتجلّت القوالب الأحمدية وظهر الخلفاء القمريين العرب كلّ ما بما وهبه الله من تمكّن وتحقّق حتى نهاية الزمان فيظهر الخاتم الأحمدي وصاحب الإسم الأعظم المتقلّب في الأطوار والأدوار منذ بدايتها ليختمها جميعاً لأنّه يظهر بالمقام المحمود المطلق، والمحمود هو الله سبحانه جلّ شأنه، فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم نالَ ختمية النبوّة فهو خاتم النبوّة وهي اللّبنة الفضيّة، ولكنّ المقام المحمود ينالًه صلّى الله عليه وسلّم في مقامِ قاب قوسين أو أدنى
حين رأى من آياتِ ربّه الكبرى في مقام ختم الولاية والإسم الأعظم فافهم :
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) .النجم.

قال الإمام العارف بالله عبد الرزاق الكاشاني رضي الله عنه في تفسيره التأويلات : (( {عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محموداً} أي: في مقام يجب على الكل حمده وهو مقام ختم الولاية بظهور المهدي، فإن خاتم النبوّة في مقام محمود من وجه هو جهة كونه خاتم النبوة غير محمود من وجه هو جهة ختم الولاية، فهو من هذا الوجه في مقام الحامدية فإذا تم ختم الولاية يكون في مقام محمود من كل وجه.)) انتهى.

فافهم فظهور المهدي يعني تحقّق العبد بختم الولاية (الإسم الأعظم) فهو المقام المحمود. وهو باطنُ الرحمانية فالرحمانية باطنها الله، فهو مقام الشّفاعة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم
كما قال (المَقَام المحمُود هُوَ المَقَامُ الذي أَشْفَعُ فِيهِ لأمَّتِي)إذ لا شافع إلاّ الله سبحانه، فيُؤتى الشفاعة الكبرى بالله سبحانه.قال سبحانه {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}. وقال سبحانه عزّ وجلّ {إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} يونس/4


يتبع ..

الخميس، 23 مايو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 24


- 24 -

قلتُ فظهور الدجّال تشرحه رحلة المجذوب وقطبيّته وإسرائه المتفرّد وهو صاحب سورة الإسراء، والإسراء هي صورة زماننا وآخر الزمان جمعت أحداث آخر الزمان يعلمُ ذلك أهل العلم بالله وأهل القرآن خاصّة الله تعالى فهي سورة صاحب الإسراء كما هي سورة الكهف سورة أهل الكهف الذين هم حضرة الأولياء وعلى رأسهم خاتمهم الوليّ المحض المطهّر عن الأكوان المهدي عليه السلام.

فلاحظ أنّ الدجال يظهرُ بعد فتح الروم، وبعد فتح القسطنطينية الكبرى، وذلك علامة بدايات العروج السّماوي والإسراء العالي في المشاهد العاليات الحقيّة عند المجذوب. وبداية العروج تبدأ من حضرة الرّبوبية، فيخرج الدجّال في الأرض أربعين يوماً كما جاء في الحديث النبويّ الشريف ( فقالوا : مَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلّم : (أَرْبَعُونَ يَوْمًا ، يَوْمٌ كَسَنَةٍ ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ . قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ ؟ قَالَ : لَا ، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ) رواه مسلم

ففتح الأمصار والأرض حتى آخر معاقل الرّوم وبسط السّلطان على جميع الأرض هو علامة فتح جميع الحقائق الأرضية (الخلقية) عند المجذوب.
ثمّ بعد فتح الأرض يبدأ فتح السّماء والمشاهد الحقيّة في منازلها المختلفة.
فينعكسُ ذلك بخروج الدجّال الذي هو صورة الشيطنة والإبليسية المتعرّضة للّسالكين من عباد الله تعالى قبل بلوغ كمالهم والبقاء بربّهم. فافهم. فالشيطان متربّصٌ بالإنسان في جميع المشاهد لجميع السّالكين ما دامَ في النّفس بقيّة، ولا تذهبُ بقيّة النّفس البشريّة إلاّ بتمام المحق بصفات الله تعالى والبقاء به، فيصبحُ العبدُ ذاتياً باقياً بالله وارثاً لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قد تنزّلَ القرآنُ على قلبه، فصارَ من المطهّرين والقارئين بالقرآن كتاب الوجود في مقام الرّحمة والجمع الذاتيّ. في هذا المقام الأكمل تموتُ النّفس البشريّة وتبقى بالله سبحانه وهي أعلى درجات المتحقّقين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "أهل القرآن أهل الله وخاصّته".

فالمجذوب هو صاحب العقل الأوّل والجامع للأضداد وحقيقة جميع المراتب والأشخاص والأطوار، لأنّه يمثّلُ الأعيان في تقلّباتها وأطوارها. فيكونُ باطنّه الذات، وظاهرهُ أحوال هذه الأعيان والأطوار الإنسانية.

لذلك برحلته وإسرائه الذي هو إسراء شاهدٌ له على ولايته الأصلية والذاتية بكونه وليّ في كلّ مشهدٍ وفي كلّ طورٍ، قلتُ في رحلته وإسرائه بعد فتح الأرض يظهرُ بالأطوار السماوية في عروجه، وفي دائرة الرّبوبية التي هي بداية العروج، يخرجُ دجّالُه وسامريّ هواه ونفسه وطبائعه العنصريّة والظلمانية. لأنّهُ في مرحلة أعلى، فيحصلُ أنّ صورة دجّاله وسامريّه وشيطانه يكونُ عالماً بالمشاهد السماوية كذلك، لكونِ المجذوب في جذبه لم تتقدّس نفسُه بعد. ومن هنا كان إبليس عالماً بجميع مداخل النّفس حتى نهايات تحقّقها حيث يموتُ الشيطان عند السالك. فما حصلَ لإبليس ذلك العلم والمكر والخديعة والعلم بتفاصيل المشاهد ومداخل النّفس إلاّ بصورة هذا التقلّب عند الخليفة.

فيعكسُ صورة الدّنيا وسيرتها وتاريخ رسالاتها ونضجها الإنسانيّ والسّماويّ المجذوب، ليُعلمَ أنّه الخليفة وحقيقة جميع من ظهر وحامل سرّ الذات، وصاحب النّفس الأولى التي خلق الله منها كلّ شيءٍ، وصاحب العقل الأوّل وصاحب كتاب الوجود الذي أحصى الله فيه كلّ شيءٍ. قال الله تعالى {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا}،  وقال سبحانه {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}. فهو الإمام المبين والكتاب.

والكتاب شيء والقرآن شيء، فقِفْ على القرآن لتجد الكثير من فواتح السور قد ابتدأت بذكر الكتاب والقرآن في لفظين منفصلين. فهما مختلفين في الاعتبار، وإن كانا في الدّلالة شيءٍ واحد، وهذا يفهمه أهل العلم بالله الذين وصلوا للتفريق بين الكتاب والقرآن.

وقد شرحنا لك ذلك : فالقرآن من القراءة والكتاب من الكتابة، فالكتاب هو العقل الأوّل والقلم الأعلى والرّوح الذي خلق الله به الخلق، فهو الحقّ المخلوق به، وهو الذي كتب القدر وكتب كتاب الوجود، والقرآن هو مقام الجمع الذاتيّ حيث تصحّ به قراءة الكتاب. فافهم، كتاب الوجود المطلق الذي تجلّى الله فيه بذاته. فالكتاب مظهر ذاتُ الله، والقرآن ذاتٌ كذلك، فهو مقام الذات لقراءة الكتاب. وفي هذا المقام يصبح الذي نزل عليه القرآن، قد تحقّق بجملة الكتاب، فافهم. وبهذا الاعتبار فالقرآن والكتاب واحد في الدّلالة، ومختلفان في الأصل والاعتبار، فسبحان الله العليم الحكيم الذي أحكمَ كلّ شيءٍ وقدّره تقديراً. وبهذا العلم بدلالات الألفاظ وحقائقها ظهر الفرق بين أهل العلم.

لذلك فالعبد المذكور في سورة الكهف المخصوص بنزول الكتاب هو الخليفة الذي يخرج لدفع فتنة الدجّال، الخليفة المهدي الذي هو إمام الأئمّة وصاحب العقل الأوّل، فهو المطهّر عن الأكوان، لأنّه صاحب الذات، فجميع المطهّرين الذين نزل عليهم القرآن هم صفاتيين في الحقيقة والأصل، وهم ظلّ لهذا الخليفة، وإن صحّ لهم أن يقال لهم ذاتيين، فما الصّفات إلاّ الذات في الحقيقة، لأنّ مظاهر تجليّات الذات هي الصفّات والأسماء فصارَ الذي استوعبَ جملة الصفات والأسماء من مقام الواحدية والأحدية ذاتيّ. لذلك ولهذا الاعتبار والحقيقة فصاحب الذات والأصل الذي تجلّت به الصفات والأسماء والذي ليس بظلّ هو الخليفة وغيرُه ظلٌّ له وأصحابَ شهودٍ ونوّابٌ وخلفاء فهم خلفاء عنه.

فهذا هو التحقيق والعلم، وقلنا أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو صاحب القرآن والمقام الأمثل لقراءة الكتاب، الذي به صحّ لبني آدم قراءة الكتاب والتعرّف على الله سبحانه. فهو رئيس الصّفاتيين وخاتم ذلك المقام، وأمّا حامل لواء الذات فهو الخليفة. فهو صاحب الهو والكنه وهو السيّد الصّمد. فافهم.

يتبع ...

الأربعاء، 22 مايو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 23


- 23 –

ولتوضيح ما أردناه من صلة الدجال بالرّبوبية من جهة النّضج الإنسانيّ وانفصاله من جهة أخرى عن سرّ الرّبوبية، فالدجّال ظهرَ كما قلنا ببعثة سيّدنا موسى عليه السّلام، وكانت بعثات الأنبياء والرّسل عليهم السّلام في زيادة الترقّي، وزيادة النّضج المعرفي الإنسانيّ، وفقَ تجلّي الأسماء الإلهية وشؤونها الباطنية في القوالب الإنسانية، وكان حامل هذه الحقائق الأسمائية للإنسان هم الرّسل والأنبياء عليهم السلام.

وقد بدأ النّضج في عالم الإنسانية ببعثة سيّدنا موسى عليه السّلام، ودليل ذلك دعوى فرعون الرّبوبية دعوى طغيانية كفرية في عالم البشر، فأرسل الله سيّدنا موسى عليه السّلام حامِلاً حقائق العبودية المقابلة للرّبوبية، غير ممتدةً علماً بصلتها الذاتية، ولا نريد انفصالها روحياً عن روح القدس، لأنّ الشرائع السماوية كلّها جاءت لوصل الإنسان بروح القدس وتصله بربّه، فافهم. ولكن علماً وتبليغاً حقائقياً لم يؤمر نبيّ الله موسى بتبليغ لوحي روح القدس من ألواحه المسمّاة التوراة. لأنّ لوحي روح القدس كانت رسالة المسيح عليه السلام. أمّا نبيّ الله موسى فكان يحملُ هذا الرّوح القدسيّ في نفسه، ولكنّه لم يؤمر بتبليغه، وإلاّ لنقض دعوته نقض دعوى ربوبية فرعون، ولما آمن له قومه بنو إسرائيل. حكمة الله سبحانه ونضج البشرية وتدرجّ القابليات اقتضى هكذا. والله سبحانه العليم الحكيم.

لذلك خرج بنو إسرائيل قساة القلوب عموماً لانفصالهم عن روح القدس فلم يكمل منهم أحد، كما وصفهم الله تعالى أنّ قلوبهم كالحجارة قسوة أو أشدّ قسوة، وحتّى الأمّة المحمديّة في آخر الزّمان والقرون القليلة الأخيرة حين قلّ أهل الكمال وحملة الرّوح القدسيّ فسدت الأمّة وقست قلوبها وبلغ بها ما بلغ ممّا نراهُ من موت القلوب وانحراف المناهج وفساد المفاهيم وانقلاب الحقائق والابتعاد عن الفطرة.


ولهذا الاعتبار، اعتبار أنّ بعثة سيّدنا موسى خرجت بحقائق الرّبوبية في سرّها، ومكتومةً في ظاهرها عن امتداد سرّ الرّبوبية الذي هو روح القدس، ظهرَ الدجّال من قومِ سيّدنا موسى عليه السلام، لأنّ الدجّال هو هذا الانفصال عن سرّ الرّبوبية وروح القدس. فكان السّامريّ المفتون كما ذكرنا. وقد أورد المفسّرون وبعض أئمة السّلف آثاراً حول طبيعة نشأة السّامري المخصوصة وأنّه وُلِدَ في العام الذي يقتل فيه أبناء بني إسرائيل كما هو عام سيّدنا موسى عليه السلام، فوضعته أمّه في غار، وقيلَ رعاه جبريل عليه السلام وهو صغير، فجاء السّامريّ مخصوصاً بهذه الفتنة، ألا تراه رأى جبريل وقبض قبضة من أثره وفتن بها قومه بالعجل. وينطبِقُ عليه قول الله تعالى {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)}سورة الأعراف.

فقلنا جاء سيّدنا موسى بالتوارة من التورية لسرّ الرّبوبية وفي نفس الوقتِ فيها ما يقابلها من عبادات ومواعظ حياتية إنسانية شاملة إلاّ ما اختصّ به من بعده من الرّسل من أولي العزم وما اختصّ به سيّدنا إبراهيم الخليل عليه السلام قبله لخصوصيته، قال سبحانه {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ} [الأعراف: 145]، ورسالة سيّدنا موسى عليه السلام هي من أكبر الرّسالات في عالم الإنسان، لذلك قرنَ الله تعالى هذه الرّسالة باصطفاء بني إسرائيل على العالمين، لأنّهم أوّل من حملَ حقائق الدّين في دوائر العروج السّماوية. وبعث فيهم أنبياءً منهم وأكبر عدد من الأنبياء بعثوا في بني إسرائيل. وهذه التورية لسرّ الرّبوبية جات من جهة العلم بها ، وإلاّ فإنّ حقائق الرّبوبية تتنزّلُ على العبد بالعبودية وهذا ما بلّغه سيّدنا موسى عليه السلام، فافهم. لأنّ حقيقة الإنسان برزخية فهو من حيث فرقه عبدٌ ومن حيث جمعه موصول بالحضرة القدسيّة، والأخلاق التي يتخلّقُ بها المؤمنون هي أخلاق الله سبحانه، ومحاولة التشبّه بهذه الأخلاق، قال صلّى الله عليه وسلّم "تخلّقوا بأخلاق الله". فافهم، وكما كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخلاقه القرآن، فأخلاق القرآن هي أخلاق الله تعالى، وهي غاية التحقّق بمدارج العبودية، فالعبودية هي باب التحقّق بالكمالات الإلهية والأخلاق الربّانية، فافهم. فصاحب الكمالات الإلهية والأخلاق المثلى صلّى الله عليه وسلّم نعته الله أوّل العابدين في كتابه.

ثمّ بعد ذلك كانت بعثة المسيح ابن مريم عليه السلام الذي بعث بروح القدس، وهو سرّ الرّبوبية الذي لم يظهره موسى لقومه بأمر من الله سبحانه لحكمة الزمان والنّضج الإنسانيّ.

فأشرك قوم المسيح عليه السلام بهذا السرّ، وإشراكهم هو تخصيصهم هذا السرّ بالمسيح وأمّه من دون فهم حقيقة هذا السرّ الذي هو حقيقة بني آدم جميعهم، وهو سرّ كمال أهل الكمال. التأييد بروح القدس.

لذلك سوف يحملُ حقائق الدين كاملة أمّة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم الذي ظهرَ بالرّحمانية واكتملت به الشرائع السّماوية، فجمع جميع ما كان من حقائق بعثات الأنبياء والرّسل السابقين عليهم السلام، فكان خاتم الرّسل وناسخ الديانات السابقة وحامل مشعل الرّحمة والكمال الإنساني وباب العرفان بالله سبحانه.

وكانت رسالة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حاملة لثلاثة أقسام : قسم الشريعة وقسم الطريقة وقسم الحقيقة.

القسم الأوّل الشريعة هو الذي بلّغه وأمره الله بتبليغه.

والقسم الثاني الطريقة هو الذي خيّر في تبليغه لمن يستطيع على حمله وأهل القابليات والاستعداد وأهل الإرادة النقيّة والصّحيحة، فهو تخيير رحمة واقعٌ على تخيير فرض الحجّ الذي جاء على من استطاع إليه سبيلاً فافهم، وليس تخيير عشوائيّ.

والقسم الثالث هو الذي أمره الله بكتمه وهو قسم الحقيقة، والطريقة تقودُ لعلم الحقيقة والأسرار الإلهية.

ولو عدنا للسّلف وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم لوجدنا ما قاله بعضهم من كتم بعض ما تعلّمه من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خاطبوا النّاس بما يعقلون أتريدون أن يكذبّ الله ورسوله ؟ وغير ذلك من الآثار والأخبار التي جاءت في هذا الشّأن.

يتبع ..

الاثنين، 20 مايو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 22


- 22 -

قال الشيخ الأكبر قدّس سره في كتاب "عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب"  في فصل : (لؤلؤة التحام اليواقيت وانتظام المواقيت)

((فإنّ القصد في هذا الكتاب هو معرفة الخليفة والختم وتنزّل الأمر الحَتم فنقول فرجع عَودُهُ على بدئه في ليله وأدرك صلاة الصبح مع أهله، فتسوّد ذلك الجسدُ على أمثاله ممّن تقدّم أو تأخّر من أشكاله ، لمّا كانت مادة الحقيقة الأصلية والنّشأة البدائية إليه اسمه من ذاتها وإلى غيره من صفاتها) انتهى.

فتأمّل فلا أشدّ تصريحاً من هذا الكلام عن الخليفة والختم أنّهُ صاحب الذات، ومادة الحقيقة اسمه من ذاتها وغيره من صفاتها. لذلك تسوّدَ هذا الجسمُ على أمثاله ممّن تقدّم أو تأخّر من أشكاله، إذ قال الشيخ الأكبر في الفتوحات المكيّة عند حديثه عن الصورة التي خلق الله عليها آدم :
(واعلم بأي ميزان تزن نفسك مع ربّك ولا تعجب بنفسك واعلم أنك صنجة حديد وزن بها ياقوتة يتيمة لا أخت لها وإن اجتمعت معها في المقدار فما اجتمعت معها في القدر ولا في الذات ولا في الخاصية تعالى الله فالزم عبوديتك واعرف قدرك. ) انتهى.

فالختم والخليفة هو الروح الذي جعله الله عين الوجود فما كان ظلاًّ، وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرآة شهود الله تعالى.
لذلك قامَ الوجود على شهادة : لا إله إلاّ الله محمد رسول الله.

لا إله إلاّ الله موجوداً وصفاته هي عين ذاته، فما ثمّ إلاّ الذات، وإنّما هي اعتبارات وشؤون واضافات ومراتب قامت بها الأكوان والتجليّات، فافهم وهذا الفهم لمعتبر الذات والصفات أنّها عين الذات هو سرّ الأسرار لمن أرادَ أن يتحقّق.

محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو مرآة التحقّق، ومقام الجمع الذاتيّ الذي به يتحقّق المتحقّق أنّ الذات هي عين الصّفات فيصبح من المتحقّقين على الصورة ومن أهل الخلافة. وتفاوت هنا المتفاوتون ومتى تمّ التحقّق بهذا المقام الجمعي في القلب فقد صار العبدُ ذاتياً عارجاً العروج الذاتيّ، وصار قلبُه روحاً قدسياً.

وعليه فالوليّ هو الله سبحانه، وخاتم الولاية تحقّق بمسمّى الوليّ وختم الإسم كاملاً تاماًّ فافهم، والنبيّ هو الدّالُ والنّسبة التي خلقها الله للتعرّف عليه وشهوده. فكان النبيّ سيّد الخلق وسيّد الأوّلين والآخرين، وكان له الوجه الكامل من اسم الله في التحقّق بحقائقه وتجليّاته وشؤونه فافهم، وذلك هو مقام الجمع والبقاء الذاتي في القلب، حين يتنزّلُ الرّوح على القلب فيصبح قلب العبد روحاً قدسياً. وهذا التنزّل هو نزول القرآن قال الله تعالى ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ(195)﴾. [سورة الشعراء]

وكذلك أهل القرآن يتحقّقون بذلك عند نزول الروح على القلب، كما قال صلّى الله عليه وسلّم "أهل القرآن أهل الله وخاصّته" فهم الذين ورثوا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتحقّقوا باسم الله وهو مقام البقاء بالله، قال الله تعالى "الرحمن علّم القرآن".
فهذا هو معنى نزول القرآن هو مقام القراءة كما ذكرنا للكتاب الذي هو الوجود المطلق، والوجود الأوّل الذي تجلّى الله به روحاً في ذاته لذاته بذاته، فكان صاحب الذات هو صاحب الكتاب والوجود المطلق المسمّى بالمهدي والعبد المحض والمسمّى بالخليفة والرّوح. وهو لو فهمت ما قلناه روح النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وروح أهل الكمال والقرآنيين.

وهذه الحقائق ضرب الله لنا الأمثال في الأكوان لنفهمها، وسوف أبيّن إن شاء الله تعالى ذلك بالشمس والقمر وكانت الروح هي الشمس، والقلب هو القمر الذي ينزلُ فيه ضياء الشمس فيعكسُهُ في اللّيل بدراً. وهذا معنى كون المحمديّين وعلى رأسهم خير الخلق هم القمر الذي عكس ضوء الشمس ونزلت فيه الروح كما ذكر الله تعالى، ونزل عليهم القرآن ليقرؤوا الكتاب الذي هو الشمس التي هي ذاتية بتفاعلاتها وأنوارها، فجميع أنوار الشمس يعكسُها القمر. فبهذا المقام الذي هو القلب، والقمر ظاهراً صحّ للإنسان من بني آدم قراءة الكتاب وتلقّي التجلّي الذاتي الشمسي، والتحقّق به، والنيابة والخلافة عن الله تعالى.

أمّا الخليفة فهو الشمس بذاتها، لذلك سمّي شمس المغرب الجارية بنفسها، وكانت شمس المشرق تجري بغيرها لأنّها عاكسة لشمس الحقيقة والذات وظلّ لا أصلية وذاتية بخلاف المهدي فهو الشمس بذاتها، فإذا تمّ كماله وأصلحه الله في ليلته نزلت الشمس بذاتها على القمر فانشقّ القمر فافهم، ليُعلمَ أنّ القمر كان القلب في مقام الجمع الذاتيّ صورةً وظلاًّ، أمّا المهدي فقمره هي شمسه، لأنّه الكتاب بذاته الذي كان يقرؤه أهل القرآن إذا نزل عليهم، فهو الأصلُ والقلب هو عين العقل الأوّل وعين الذات فافهم.

يتبع ...

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 21

- 21 -

عوداً على مفهوم العقل الأوّل والنّفس الأولى، فالكتاب هو العقل الأوّل قال الله تعالى في سورة الكهف : {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا} والعبد هنا في سورة الكهف هو المهدي عليه السلام الذي اختصّ بدفع فتنة الدجّال في آخر الزمان لذلك كانت أوائل سورة الكهف مخصوصة بدفع شرّ الدجال، لما وقع فيها من ذكر صاحب الكتاب الخليفة المهدي عليه السلام.

فأنزل الله على عبده المهدي الكتاب وهو العقل الأوّل، وهو الرّوح المطهّر والمسمّى الحقّ المخلوق به، واختصّ المهدي بالكتاب كما جاء في الحديث القدسيّ : قالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "إنَّ أوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ القَلمَ قَالَ له: اكتُبْ، قال: مَا أكْتُبْ ؟ قَالَ: اكتُبْ القَدَر"

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم (أول ما خلق الله العقل قال له : أقبل فأقبل . ثم قال له : أدبر فأدبر . ثم قال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم علي منك : بك آخذ وبك أعطي ; وبك أثيب وبك أعاقب)

فالكتاب هو الكاتب والقلم الذي كتب الأقدار وجمع الأعيان العلمية قبل وجود الخلق. ولو خلق الله الخلقَ من غير نسبةٍ يتعرّفون بها عليه لما وقع التعرّف على العقل الأوّل مطلقاً الذي هو مظهر الله تعالى فافهم، ولظهر الخلق لا نسبة لهم إلى ربّهم تربطهم وتعرّفهم به، وما خلق الله الخلق إلاّ ليعرفوه، وما خلقهم إلاّ ليرحمهم بتلك المعرفة ليعود بهم إلى مقام الجمع. فخلق الله هذه النّسبة الجامعة الدّالة على الله تعالى فكانت القلب بوجهٍ من الوجوه، وهي مقام الجمع الذاتيّ ومقام البقاء الذاتيّ ليتعرّف الخلق على العقل الأوّل الذي هو جامع أسماء وصفات الله تعالى ومظهر ذاته الذي ظهر الله فيه بذاته. فكان صاحبَ هذا المقام هو النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. لذلك كان مقامه صلّى الله عليه وسلّم من وجه هو الرّحمة باعتبار الرّحمة هي مقام التعرّف إلى الله تعالى والبقاء بوجوده الذاتي سبحانه والفناء عن الوجود النّفسي والفرقي الذي هو عدمٌ في حقيقته. ومن وجهٍ آخر كان مقامه صلّى الله عليه وسلّم هو مقام القراءة والتعلّم فافهم.

لذلك أنزٍلَ عليه القرآن ، وتأمّل لفظة القرآن فهي من القراءة، أنزل القرآن على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليقرأ الكتاب الذي أنزل على المهدي الذي هو حقيقة الحقائق والعقل الأوّل فافهم. فالوجود المطلق حقيقته هو المهدي، أمّا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فهو قارئ لهذا الوجود، هو القلب الذي يقرأ كتاب الوجود، وهو القلب الذي يقرأ به كلّ قارئ من بني آدم ذلك الكتاب الذي أحصى الله فيه كلّ شيء، وهو لا نهاية له فتجليّات الله لا نهاية لها. فافهم هذا العلم النّفيس الذي نقوله لتعرفَ المراتب وحقائقها.

قال الله تعالى : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} فهذه أوّل آية نزلت على النبيّ الأميّ الأمين صلوات الله تعالى أميّ تشريفاً أنّ علمه كان بالله تعالى كما هي الآية، وهي تبيّن حقيقة رسالة ورتبة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فهو أوّل قارئٍ باسم ربّك، الذي هو العقل الأوّل الذي تجلّى الله فيه، أوّل قارئٍ للكتاب المنزل على المهدي، لأنّ المهدي هو عين الذات التي تجلّى الله فيها بذاته لذاته، فافهم فهو الذات لا غير، وهو حقيقة الحقائق وهو كنه الذات الجامع لماهيات الحقائق التي تجلّت من العدم إلى الوجود. فافهم.

فقال سبحانه وتعالى إقرأ باسم ربّك الذي هو الله، أي إقرأ بالإسم الله ما أنزله الله في العقل الأوّل، وما كتبه القلم الأعلى في الكتاب، فقد وهبناك مقام الجمع الذاتيّ أن تتحقّق بحقائق هذا الإسم لتقرأ به في مقام الأحمدية، فأحمد هو صاحب الكتاب، والأحمدية بالنّيابة هي القراءة بالقرآن الذي هو التنزّل الذاتيّ، ومقام الجمع الذاتيّ في القلب لتقرأ ما كتبناه في لوح القدر وكتاب الوجود المطلق. وما تجلّينا به من ذاتنا في ذاتنا بذاتنا، فصاحب الكتاب هو أحمد المهدي عين الذات وعين الهويّة وصاحب الكنه الذات. المتفضّل على عبده القارئ ليقرأ باسمه وبروحه الكتاب، وليصحّ لكلّ عبدٍ من عبادنا نهج منهجك واتّبع سبيلك أن يقرأ الكتاب ويتعرّف علينا في مقام الجمع الذاتيّ، وتفاوت العارفون والمتحقّقون بحسب التحقّق والاتّباع لك يا محمّد في معرفتنا فأنت أوّل العابدين وأوّل القارئين وخُصّ كلّ وارثٍ لك على التّمام بنزول القرآن ليصحّ له القراءة على الكمال والتعرّف علينا، فقال سبحانه "الرّحمن علّم القرآن" في مقام الرّحمة والجمع الذاتيّ والقراءة يصحُّ لك أن تقرأ وتتعلّم باسمه العليم سبحانه وتتعرّف على الله سبحانه من خلال تنزّل أسمائه وصفاته التي مظهرها العقل الأوّل المسمّى بالرّوح. فافهم.
قال الله تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.} [آل عمران:31]
فبقدرِ اتّباعه يصحّ لكم محبّة الله تعالى، ويصحّ لكم قراءة كتابه ووجوده ومعرفته، فهو صلّى الله عليه وسلّم واسطة الوسائط بين الخلق وربّهم، والحجاب دونهم، فافهم، فكان العقل الأوّل والعبد المختصّ بنزول الكتاب خارج النّسبة مطلقاً، وخارج الخلق فهو حقيقة الكتاب التي نزل القرآن على قلب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليقرأه، ويقرأهُ القارئون من عباد الله تعالى أنبياءً وأولياءً في مقام وراثته ونسبته، فهو نبيّ الأنبياء وهو الواسطة للجميع في قراة الكتاب، كتاب الوجود والتجلّي الذي نزل على المهدي الخليفة. فافهم.


يتبع ..

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 20

- 20 -

لذلك سمّي المهدي كذلك مهديّ العقل، ويُقصدُ بذلك مهدي العقل الأوّل، لذلك قال الشيخ الأكبر في كتابه الفصوص في نقلٍ سابق وضعناه ، أنّ الخاتم في تركيبه العنصري تكونُ مادة علمه من الله مباشرة لا من روح من الأرواح ومن روحه تكون مادة العلم للجميع بلا استثناء.

فهو مهدي العقل الأوّل، وهو الرّوح الاعظم بالميلاد وهو الوليّ بالأصالة فيجمعُ الأضداد في رحلته السلوكية وجذبه. ويصحُُ له أن يكونَ قطباً في جذبه ليسير بالأكوان من فسادها الذي بلغ مبلغه بإفساد الدجّال وهيمنة إبليس وشياطينه، يسير بالأكوان إلى صلاحها الأكبر لأنّهُ المالكُ لكلّ أقفالِ الأعيان والمشاهد والمناظر الكونية والخلقية، ولأنّه أصلُها فيعودُ بها من مقلوبها وتدجيلها وفسادها وانقطاعها عن حضرة القدس والذات، يعودُ بها إلى ذاتها وهويّتها وقدسيّتها وبالتّالي ينزلُ روح القدس في الأكوان فيقدّس العالم والأكوان، وليس ذلك لغيره مهما كان وليّ أو نبيّ، ولو اجتمع جميع أهل الله أنبياؤهم وأولياؤهم لما قدروا أن يحقّقوا هذه الصلة الذاتية، وذلك خاصّ بالخليفة صاحب العقل الأوّل، الذاتيّ الذي ترجعُ إليه الأعيان والممكنات. لذلك كان نزول المسيح عليه السلام الذي هو رمز روح القدس نبوّةً في قطبية المهدي شهادةً في عالم الحقائق على إمامة المهدي أنّه الإمام الأعظم والسيّد الصّمد والخاتم العليّ.

فافهم هذا الذي نقولُه من درر في توصيف المهدي عليه السلام وحقائقه، وأنّه صاحب الجسم الإسرائيلي المتفرّد، وقائم الأحدية الذي به يصلُ الأكوان بذاتها بعد انقطاعها بتدجيل دجّالها وإفساد إبليسها. والدجّال علمُه كما قال أهل العرفان لا يدخلُ في الألوهية أبداً، ولو كان علمُه متعلّقاً بالألوهية لما كان دجّالاً، ولكنّه منقطعٌ تماماً عن الألوهية وحضرة الواحدية، ومقام الجمع الذاتيّ، فافهم، لذلك خرجَ الدجّالُ فتنةً كبرى له صلة بالربّوبية من حيث التدجيل والخوارق والسحر والشيطنة والعلم الماديّ الكبير، ولذلك خرجَ الدجّالُ أعوراً، لأنّه يملكُ عين المادّة والحسّ والفرق والعلم الماديّ ولا يملك عين الرّوح وعين الجمع وعين التقديس. أعور عين اليُمنى من حيث هو، كما هم أهل الشمال والشقاء شماليون لذلك يتسلّمون كتابهم بالشمال، بخلاف أهل اليمين الذين ملكوا البصيرة الروحية وعين التوحيد. أمّا السّابقون فيقالُ للفرد منهم ذو العينين.

الدجّالُ وجودُه كما ذكرنا سابقاً من عالم الحقائق، لأنّ حضرة المجذوب تكشفُ عن هذه الحقيقة، أنّ المجذوب يسري في الحقائق ويعرجُ إلى السماء وقبل عروجه وبلوغه مقام الجمع، يخرجُ سامريّ نفسه وسامريّ طبائعه العنصرية والظلمانية فيفتن النّفس من جهة الحسّ، والمجذوب يجمعُ بين الضدّين في حضرة عروجه، يجمعُ بين عروجه العقليّ العلميّ في مشاهد الحقائق ورحلته السلوكية وإسرائه اللّيلي المتفرّد قبل كماله، وبين خروج دجّاله وسامريّه النّفسيّ، فيعكسُ الأضداد الجمال والجلال في أقصى حضراتهما، وهو أصلُهما ومن حضرته نبعت حضرة الجمال والجلال، فافهم. وهنا أسرارٌ وحقائق يكشِفُها المهدي المجذوب عن هذه الحضرات المختلفة التي تجلّت في الدّنيا.

والدّنيا منذ بعثة سيّدنا آدم عليه السلام إلى نهايتها هي صورة الخليفة، ويختصرُ مشاهد الدّنيا وترقّيها ونضجها وتفاعلها المجذوب في رحلته وسلوكه.

فليس الدجّال سوى السامريّ المذكور في القرآن الكريم الذي فتن بني إسرائيل ودعاهم لعبادة العجل، وقد ميّزه الله ببعض الآيات، فرأى جبريل عليه السلام حيث لا يراه الآخرون، فقبض قبضة من أثر فرس جبريل بعدما رآى أثار الفرس على الأرض من اخضرار الأرض، ونبذ القبضة على العجل الذي صنعه من حليّ الذهب فصار عجلاً حيّاً له خوار وقال لبني إسرائيل هذا ربّكم. والقصّة معروفة قد نعودُ لها وقد لا نعود. المهمّ أنّ السامريّ الذي هو الدجّال ظهرَ مع قومِ موسى عليه السلام، وببعثة سيّدنا موسى عليه السلام، لذلك تفهمُ لماذا أتباع الدجّال وأعوانه هم اليهود، أغلبهم وليس كلّهم، وكذلك يخرج في سبعين ألف من يهود أصفهان، واليوم دولة بني صهيون هي دولة دجالية وتأتمرُ بأوامره، وكذلك دولتها الممهّدة أمريكا الذي يحكمُها اللوبي الصهيوني.

فهنا حقائق فالدجّال قلنا تظهرُ حضرته بحضرة الربّوبية، والربّوبية كحقائق ورسالة ونبوّة في عالم الإنسان ظهرت ببعثة سيّدنا موسى عليه السلام. فالله سبحانه تجلّى على سيّدنا موسى باسم الربّ، فافهم. لذلك ظهر الدجال في هذا التوقيت. وسوف يستمرّ حتى آخر الزمان وظهور الخليفة ونزول المسيح روح الله عليه السلام فيقتله. فافهم.

وسوف نعودُ لمزيد من التفصيل هنا ان شاء الله ونربطُ ذلك برحلة المجذوب وإسرائه لتفهم ارتباط بعثات الأنبياء والرّسل بالخاتم وإسرائه في جذبه. فكلّ ذلك مرتبط بهذا المجذوب الخاتم.

يتبع ...

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 19

- 19 -

قالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "إنَّ أوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ القَلمَ قَالَ له: اكتُبْ، قال: مَا أكْتُبْ ؟ قَالَ: اكتُبْ القَدَر"

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم (أول ما خلق الله العقل قال له : أقبل فأقبل . ثم قال له : أدبر فأدبر . ثم قال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم علي منك : بك آخذ وبك أعطي ; وبك أثيب وبك أعاقب)

وقال صلى الله عليه وسلّم (أوَّلُ مَا خَلَقَ اللَهُ نُور نَبِيِّكَ يَا جَابِرُ)

فدلّت الاصطلاحات على توافقٍ يعلمه أهل العلم بالله ويُنكرُهُ أهل الغرّة بالله يرونه متناقضاً متخالفاً كما يبدو على ظاهره. ولكنّ الرّوح الأعظم هو الرّوح الذي ظهر الله فيه بذاته فهو الحقّ المخلوق به، ويسمّى القلم الذي كتب القدر كما جاء في الحديث القدسيّ، ويسمّى العقل الأوّل الجامع لحقائق الأسماء والصّفات والعاقل للأعيان العلمية والمعلومات التي منها ظهرت المخلوقات والموجودات. وهو المعبّر عنه بالحقيقة المحمديّة ونور النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والمعبّر عنه كما ذكرنا بالرّوح.

لتفهمَ حقيقة الخليفة وكونه المتفرّد بالخلافة الإلهية، لأنّه صاحب العقل الأوّل ومالكه والجامع بين الحضرة الفرقية في كونها أعيانها علمية موجودةً في العقل الأوّل، والحضرة الجمعية في كون مرجعها إلى الوحدة الذاتية الجامعة في مقام القلب.

ولذلك جاءت خلافته بالعدل المطلق فافهم، فلا يعدلُ إلاّ صاحب الأعيان ومالكها وهويّتها الذي تعودُ إليه، فيجمعُ بين صورتها الفرقية كونها عيناً من أعيان العلم وموجوداً أو ممكناً كما شئتَ أن تُسمّيه، موجود باعتبار الخلق والنّفخ فيه، وممكناً باعتباريه بين الوجود الخلقي والعدم النّسبيّ. فقلنا يجمعُ بين صورته الفرقية في العقل الأوّل وصورته الجمعية الذاتية في مقام الواحدية. وهنا تحريرٌ يحتاجُ لتوضيحٍ ليُعرَفَ مقام الخليفة وأنّهُ عين العقل الأوّل كما أنّهُ عين القلب في مقامِ الجمعية والذاتية. وليُعرَفَ سرّ هذه الاصطلاحات العقل والقلب ومنزلتها في السّلوك إلى الله تعالى. سنعودُ لذلك إن شاء الله تعالى ونضربُ أمثالاَ بالنّشأة الكونية في كلامٍ نفيسٍ ممتعٍ.


قلتُ بهذا الاعتبار باعتبار العقل الأوّل الدّال على الأعيان وحقائقها الفرقية الخاصّة بها، واعتبار القلب مقام الجمع والذات، كان الخليفة هو الذاتيّ وهو العادل المطلق وإليه ترجعُ الحقائق والمراتب والمرتبة الأصلية. فتميّز بالرّسالة في مقامِ الرّوح وانفرد بالخلافة في مقامِ الإنسان.

وختمَ خزانة الجود الإلهي وخزانة الوجود الإنسانيّ، وقبل ذلك ظهرَ مجذوباً فأعطى صورة العقل الأوّل بصوره الفرقية وأعيانه العلمية ظاهراً، وباطنُهُ هو حضرة الجمع العقلية الأولى فافهم. كأنّ المجذوب ينطبعُ بصورة الكونِ قبل كماله الأعلى.

فصورة الخلافة الظاهرية للمهدي الخليفة بعد البيعة هي صورته خلافته الباطنية وهو مجذوب. وهذا صعبٌ إدراكه. ولكنّه حقيقة ولذك يخرج الدجال في الظاهر وينزل المسيح عليه السلام ظاهراً.

لأنّ رحلة المجذوب الذي أعطى جميع الحضرات، رحلة سلوكه وعدله.

فيظهرُ في عرش المجذوب الذي هو الأرض والكون قبل نزول المسيح عليه السلام. فتخرجُ شمس المغرب في عرش المجذوب وهي المهدي الخليفة عليه السلام، الشمس الأصلية الذاتية الجارية بنفسها الصمدية والخليفة يمثل حضرة المهدي الباطنة التي هي الذات والخليفة والإمام الأعلى الجامع بين مقام الواحدية الذاتية في القلب والعقل الأعلى في العقل والعلم. فلا إمام أعلى من المهدي فهو إمام الأئمة وهو السيّد الصّمد. يخرجُ في عرش المهدي المجذوب. وينعكسُ ذلك ظاهراً في خلافة المهدي الظاهر كما حدث في خلافة المجذوب الباطنية.

وهنا مشاهد ، قال الشيخ الأكبر "لم تزل الشمس جارية من المشرق إلى المغرب بغيرها، ومن المغرب إلى المشرق بنفسها". فافهم. لتفهم أنّ المجذوب هو الذي يخرج فيه الخليفة الذي هو نفس المجذوب ولكن بعد الكمال والانسلاخ من التركيب العنصريّ فافهم.
فشمس المغرب تطلعُ على عرش المجذوب وشمس الجهاد والتغيير والعدل، يقودُها الإمام الأعلى العادل العالم الخليفة المهدي عليه السلام. وهنا تتشكّلُ حضرةً (1) وهي حضرة المؤمنين بالله عامّة الذين تطلعُ عليهم شمس الحقّ من جهة واحدة وهم عموم من يدخل تحت حضرة الأكوان ولم يخرجوا عنها بالكمال والفناء والبقاء بالله سبحانه. ويدخلُ فيها المستدرجون كذلك الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلّم "وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها" فهي حضرة غير مأمونة للمستدرجين فقط لا عموم المؤمنين بالله والمسلمين (لذلك يخرج بعدها الدجال). فافهم.

ثمّ بعد الروم يخرج الدجال وهذه حضرة أهل الكفر والنّفاق (2) حضرة أهل الشقاء وأهل الشمال، حضرة استيلاء الشيطان والطبائع العنصرية والظلمانية على النّفس. نسألُ الله العافية والسلامة.

ثمّ ينزلُ المسيح عليه السلام روح الله فتتقدّس النّفس وهذه حضرة أهل التقديس والكمال (3) والبقاء بالله سبحانه ، حضرة ذاتية ليس فيها جهة شمس الحقّ مشرقة فيها من كلّ الجهات. فانظر رحمك الله لهذا الخليفة وكم في سيرته من حقائق وأسرار، دارت حوله جميع الحقائق الوجودية والحضرات ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون. لذلك ما زلنا نقول أنّ فهم سيرة المهدي وأحداثه المعاصرة له في زمانه تشرحُ جميع حقائق الوجود وأسراره.


يتبع ..

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 18

- 18 -

قال سبحانه وتعالى
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ البقرة 30

نقولُ لكلّ معترضٍ حسودٍ منكرٍ على ما نملأُ به الصحائف في حقيقة الخليفة المهدي عليه السلام.

إقرأ آية القرآن في الخليفة لتعلَمَ أنّ الخليفة هو حقيقة جميع الخلق والنّاس الذين ظهروا، فقد قالت الملائكة : أتجعل في الأرض من يفسد فيها ويسفك الدّماء ؟ وقد غابَ عنهم حقيقة الحقّ سبحانه، وحقيقة الذات. واعتراضهم كان بمقابلة ذلك الإفساد مع تقديسهم لله سبحانه. فنيّتهم حسنة في اعتراضهم، ولكن فاتتهم الحقائق والعلم بالله سبحانه. فعلّم الله آدم الأسماء كلّها وقال للملائكة أنبئوني بأسماء هؤلاء ؟

وآدم بالأسماء تحقّق بالصورة أن يكون صورة الذات، فيأخذ جميع الحقائق الحقيّة والخلقية فيتحقّق بها. وذلك فوق الملائكة فبهتوا وسجدوا وسلّموا لله فيما أراد وخلق سبحانه "سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا".

فجميع القوالب والقلوب الخلقية والحقيّة التي تحقّق بها بنو آدم من أوّلهم إلى آخرهم، أنبياءهم وأولياءهم وغيرهم يتحقّقُ بها الوليّ الخاتم الذي هو وليّ بالأصالة، لأنّه النّفس الأولى التي خلق الله منها جميع الخلق. فافهم. وهو خزانة الجود الإلهيّ فاتحها وخاتمها.

إنّه الذات الساذج الذي تلوّن بالأسماء والصّفات فظهرَ به الرّوح الأعظم الذي هو حقيقة الخلق والمسمّى الحق المخلوق به، فافهم.

فإذا ظهرَ هذا الخليفة فاعلم أنّ خزانة الجود الإلهي والوجود قد ظهر خاتمها وصاحبها الأصليّ، فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو النبيّ والرّسول والمثل الأعلى للكمال الإنسانيّ والكمالات الإلهية التي يتحقّق بها المتحقّقون. فهو سيّد الأكوان وسيّد الخلق. ما من وليّ أو نبيّ يتقدّمُ إلى نهاية التحقّقات والكمالات التي هي لا نهاية لها إلاّ ويجدُ قدم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم متقدّمةً حيث وصل، ولا يُعينُه في التحقّق سوى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويكونُ دائماً مقتفياً لأثر قدم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، جميع المقرّبين والأكامل فافهم. فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو صاحب مقام البقاء بالله سبحانه. هو عبد الله من خلق الله سبحانه. المتحقّق بالعبودية والربوبية أحسن تحقّق وأكمله.

أمّا الذات والسيّد الصّمد الخليفة الذي هو حقيقة جميع المراتب من أوّلها وآخرها، حتى مقام الكمال فهو الخليفة صاحب الذات.

لله طرائق بعدد أنفاس الخلائق، جميع تلك الطّرائق أصلُها هو الخليفة، يتحقّق بها الخليفة في جذبه وأطواره في سيرة منفردة في خلواته فهو الحضرة الجامعة بين الاضداد، الحضرة الأولى والأخيرة التي ظهرت بها الحضرات الخلقية والحقيّة فافهم.

فهو الوليّ الأصليّ ولا وليّ إلاّ الله تعالى، لا مجال لمقارنته بغيره، وأنا هنا لا أنفكّ بالتذكير بمنزلته ومن يكون، لعلّني وحدي في هذه المنافحة العجيبة التي ابتليتُ بها، وما زلتُ منها أكرعُ وأذهلُ في حقائق هذا الختم المكتوم المحسود حتّى ممّن يزعمُ الانتماء لسلك حضرة القدس.

واعلم أنّ الشيطان لا يُفارقُ السّالك إلاّ في مقام التقديس والنّفس الكاملة، وهو مقامُ المخلصين المقرّبين. فانظر رحمك الله لمن يمكنُ أن يكون له حظّ نفس وشيطانٍ في إنكاراته واعتراضاته على هذا الختم السيّد الصّمد.

ولعمري وصف السيّد الصّمد لا يليقُ بمخلوقٍ أبداً وقد أقسم الشيخ الأكبر أنّه السيّد الصّمد إذ قال في عنقاء مغرب : "أقسم لك بهذا البلد إنّه للسيّد الصّمد"، لا صمد إلاّ الله سبحانه.

فافهم لماذا سمّيَ الخليفة : خليفة الله. فإذا كانت مرتبة الإسم الأعظم يتحقّقُ بها أهل الكمال والقرب، فوجبَ أن يكون لها صاحباً وخاتماً هو صاحبها وإلاّ لادّعاها من شاء. وإنّهم والله في ذلك المقام لمتطلّعون إلى المقام المحمود في جنّة الصّفات، لأنّهم تحقّقوا بحقائق الذات. ولكنّ المقام المحمود للعابد الأوّل الفاتح الخاتم للخلق وسيّدهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مقام البقاء بالله محمّد بن عبد الله. فافهم.

أمّا الذاتيّ هو صاحب الجود على الجميع هو عبد الله أصالةً، وانظر في اسم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لتعلمَ إشارةً أنّ محمّد هو المثل الأعلى في مقام عبد الله، فلفظة ابن تدلّ على المثلية والأوليّة من عبد الله. ابن عبد الله، فعبد الله أصالةً صاحب الثوب بالأصالة ثوبي العبودية المحضة والربوبية الحقّة المثلى هو الخليفة عبد الله المهدي.

ألم ذلك الكتاب هدى ، ألم هدى = المهدي ، ألم : الله لا إله إلاّ هو الحيّ القيوم.

فلا موجود إلاّ هو : هو المهدي. بمرحلتيه الخلقية والجذبية والحقيّة والكمالية. هو النّفس الأولى التي مهّدت للخلق جميعاً ظهورهم بأثواب الخلقية، والحقيّة لمن كان من أرباب الكمال والتجليّات الحقيّة. فافهم.

يقول الشيخ الأكبر قدّس الله سرّه في في قصيدة في مقدّمة الفتوحات واصفاً هذا الختم بين مرحلتيه الجذبية والكاملة ، لتعرف أنّ هذا الختم ليس هو سوى صاحب الجلال والجمال سبحانه :


ومتى وقعتَ على مفتِّش حكمةٍ... مستُورةٍ في الغضّة الحوراء
مُتحيّرٍ مُتشوّفٍ قلنا له... يا طالب الأسرار في الإسراء
أسرِعْ فقد ظفِرَتْ يداك بجامِعٍ... لحقائق الأموات والأحياء
نظرَ الوجودَ فكان تحت نعاله... من مستواهُ إلى قرارِ الماء
ما فوقه من غاية يعنُو لها... إلّاهُ فَهْوَ مَصِّرِفُ الأشياء
لبِسَ الرِّداء تنزُّهاً وإزارُهُ... لمّا أراد تكوّن الإنشاءِ
فإذا أراد تمتُّعًا بوجوده... من غير ما نظرٍ إلى الرّقبَاء
شالَ الرِّداء فلمْ يكنْ متكبِّرًا... وإزارَ تعظيمٍ على القرنَاءِ
فبدا وجودٌ لا تقيُّدُه لنا... صفة ولا إسمٌ من الأسماء
إنْ قيل من هذا ومن تعني به... قلنا المحقّقُ آمِرُ الأمراء
شمسُ الحقيقة قطبها وإمامُها... سرّ العباد وعالمُ العلماء
عبدٌ تسَوَّدَ وجهه من همِّهِ... نورُ البصائر خاتِمُ الخلفاء
سهل الخلائقِ طيّبٌ عذبُ الجنى... غوثُ الخلائق أرحَمُ الرُّحماء
جَلَّتْ صفاتُ جلالِهِ وجمالِهِ... وبهاءُ عزّتِهِ عَنِ النُّظراء
يُمضي المشيئة في البنين مقسِّمًا... بين العبيد الصُّمِّ والأجراء
ما زال سائِسَ أمّة كانت به... محفوظةَ الأنحاء والأرجاء
شرْيٌ إذا نازعته في مُلْكِهِ... أرْيٌ إذا ما جئته لحبَاء
صَلْبٌ ولكن ليّنٌ لعُفَاتِهِ... كالماء يجري منْ صَفَا صَمَّاء
يُغني ويُفقِرُ من يشاءُ فأمرُهُ... محيي الولاة ومُهْلِكُ الأعداء


يتبع ...

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 17

- 17 -

قال الله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} الإسراء -1

أسرى الله بعبده : المهدي ليلاً من المسجد الحرام أي من القلب إلى الأقصى أي إلى الرّوح، وقبلَ أن يتحقّق الإسراء نعته بالعبودية والعبدية، فهو عبدٌ قبل ذلك الإسراء متحقّقٌ بتلك الذاتية والجسم الإسرائيليّ الذي به صحّ له هذا الإسراء من القلب مقام الأفق المبين إلى الرّوح، وفي مقامِ الرّوح يصحُّ للعبد فتوح ما حوله من الأراضي والداوئر النّفسية، فباطناً فتوح الدوائر النفسية السّبع. وفي الظاهر هي فتوح المهدي الظاهر بعد أن يقيمَ خلافته في بيت المقدس. وذلك في قوله تعالى "الذي باركنا حوله" أي من يملك القدس والأقصى تتباركُ له الأراضي وتتوسّع له دائرة الفتوح. وهنا أسرارٌ وحقائقٌ.

ففي سيرة المهدي آياتٌ بحقيقة منزلة بيت المقدس في الأرض، وفي نفس الوقتِ آياتٌ في الحقائق، لتمييز الغثّ من السّمين، والأصليّ من المزيّف، والموصول من المنقطع.

فالمهدي لا يقيمُ بيت المقدس عاصمةً حتّى يبايع بين الركن والمقام بمكّة ويملكها، فافهم، وذلك علامةُ كونِه العبد الذاتيّ في قوله تعالى "بعبده". فهو عبدٌ ذاتيّ يبايع عند الكعبة والمسجد الحرام رمز الذات والحرم القدسيّ. فحين يسري بروحه يسري موصولاً بين القلب والرّوح، بين السرّ والرّوح. ويكونُ له نافذةٌ من الرّوح القدسيّ على قلبه. وهي حضرةُ فنائه في جذبه.

بخلاف الدجّال وواجهته بني صهيون الذي يحتلّ بيت المقدس ولا صلة له قدسية وذاتية.

واحتلاله بيت المقدس، يدلّ على علم الدجّال بحقيقة امتلاك العالم والهيمنة عليه من خلال الهيمنة على بيت المقدس. فما حدث للدجّال اكتساح العالم وغزوهم هذا الغزو الأثيري والعالميّ والكاسح إلاّ باحتلال بيت المقدس. وإذا رأيتَ جماعةً حرّرتْ بيت المقدس "زعماً" من غيرِ امتدادها للكعبة ومكّة أوّلاً فاعلم أنّها جماعة مدخولة. مبتورة عن الحقائق صورة دجّالية لا غير. والدجّال غير قادر على دخول مكّة ، ليُعلمَ أنّه منقطعٌ عن حضرة الذات الحضرة القدسيّة، ولا يدخلُ المدينة المنوّرة لأنّها رمز الحضرة المحمديّة فهو منقطعٌ تماماً عن دائرة الأخلاق الربّانية والشريعة والرّحمة والفطرة، فهو عكسُ الرّحمة ومقلوب الفطرة ومنكّس الأخلاق ومدجّل الشرائع السماوية. فافهم

لذلك لم يقدر المسلمون على فتح وتحرير فلسطين وبيت المقدس، لأنّهم لا يملكون ذلك التأييد الذاتيّ والامتداد للكعبة والحرم المكّي. كما فتحها صلاح الدين الأيّوبي الذي وحّد المسلمين أوّلاً وامتدّ ملكه وخلافته في الحجاز ومصر والشام. بخلاف زمننا الذي صار الحجاز قطعةً يستولي عليها الدجّال من خلال ملوكها العملاء. فهذه حقائق.

وتفهمُ لماذا كان من أوّل أعمال الاحتلال والهمينة الدجالية هو إسقاط الخلافة الإسلامية الجامعة، مهما كانت ضعيفة وشكلية ففي وجود الخلافة وامتداد الحجاز للخلافة سرّ عظيمٌ وحقائق، ففصل الدجّال الحجاز عن الأمّة، وأقامَ عليها خونةً عملاء وضمنَ بذلك عدم قيام قائمة للأمّة بعدما فصلها عن امتدادها الذاتي والأصليّ، ثمّ فرّق الأمّة دويلاتٍ ومماليك، ثمّ احتلّ فلسطين وبيت المقدس وفصل الأمّة تارةً أخرة عن روحها، فافهم.

فإذا أقام المهدي عاصمته ببيت المقدس حينها تتبارك له الأرضُ وتفتحُ له حتّى يصل روما ويفتحها، وهي آخر الدوائر القلبية والنّفسية باطناً، فعلامة فتح الأمصار هي فتح الدوائر النّفسية وآخرها كنيسة النّفس، وكسر صليبها وفتح دائرة القلب بتهليل وتكبيرٍ، وتبدأ رحلة عروج المهدي عليه السلام المجذوب العروج الذاتي إلى السماء.

وهنا حقائق مترابطة، لذلك يخرجُ الدجّال وتظهرُ حضرته بعد فتح القسطنطينية الكبرى، لأنّ الأرض هي مجال التجليّات الخلقية الأرضية، أمّا عروج السّماء فتبدأ رحلة الحقائق العليا والمعارف الكشفية التي تبدأ من دائرة الرّبوبية. قبل استواء الإسم الأعظم وحصول النزول والمحق الذاتيّ.

فيظهرُ المجذوب بحضرتين في هذه المرحلة، ويخرج دجّاله وسامريّ نفسه الذي لا يقوى هارون عقله وعلمه أن يدفعَ سامريّ هواه وطبيعته السّفلية العنصرية في غياب الرّوح القدسيّ الذي لمّا يصله المهدي المجذوب في رحلته وجذبه بعد، فيرجعُ المهدي الظاهر إلى بيت المقدس معتصماً بها، ويخرجُ الدجّالُ في غضبةٍ بعدما جرّدهُ المهدي من أعوانه وحلفائه وكسّر لعبة خفائه التي هي لعبته المفضّلة وظلّ يتوارى بها قروناً وقروناً ليكيد ويفسد في الأرض، ويحرّف الأديان والقيم ويدجّلها تدجيلاً. بخفاء ودسّ وتلويثٍ من حيث لا يدري الكثيرون. لذلك سمّي الدجّال. فيكسرَ المهديُّ الإمام لعبته ويهزم جميع حلفائه وأراجوزه الذين كان يجنّدهم لنصرة مذهبه وتوطئة دولته، فيغضبُ غضبته ليخرجَ هذه المرّة بنفسه بأتباعه الأصليين وهم يهود أصفهان الذين ظلّوا متواريين في الظلّ والخفاء طوال القرون والقرون. ومعهم شرار الخلق طبعاً يموجون فساداً في الأرض. لهم مدّة أربعين يوماً.

وكذلك خرج السّامريّ في قوم موسى عليه السلام أربعين يوماً حين غاب موسى عليه السلام وذهب إلى ميقات ربّه، واستخلف هارون أخيه في قومه فلم يقدر هارون أن يمنعهم من فتنة السّامريّ. وهنا إشارةٌ وعلمٌ أنّ مقام العلم المجرّد من الرّوح القدسيّ، ومقام العقل بلا روح القدس وجهاد النّفس لا يقدرُ على دفع سامريّ الهوى والنّفس الذي يخرجُ فاتناً داعياً لعبادة الهوى وطباع النّفس وبهيميّتها وسوئها. فكلّ هذه الحقائق التي مرّ بها الأنبياء عليهم السلام تُجسّدها حضرة المهدي عليه السلام لأنّه الأصلُ الذي ظهرت به تلك الحقائق والمقامات والفصوص النبويّة.

يتبع ..

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 16


- 16 -

الختم المجذوب حينما يؤتى القطبية يتقلّبُ في الأضداد، ويسري في الأكوان في ليله وجذبه، فيكونُ ظاهرهُ غير سالك وغير مؤثّت، وباطنُه موصولٌ بالله تعالى، بل باطنُه حضرة الله سبحانه. وتلك هي ثنائيّته الظاهرة الباطنة : فباطنه وليّ ساجدٌ لله سبحانه، وظاهرُه يتقلّبُ في الأحوال والقوالب الخلقية المختلفة، ويجمعُ في تلك القوالب صورة الأضداد، كما صحّ للذات الساذج الذي تلوّنَ بالأضداد والمراتب الخلقية والحقيّة.
فما ثمّ إلاّ هو، لا إله إلاّ هو سبحانه ﴿وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ سورة البقرة
لذلك كان مكتوماً، لا يزالُ المنكرون عليه حتّى ممّن ينتمون لهذا الطريق الأقدس، وهم لم يطووا أكوانهم ولم يبلغوا رتبة العلم بالله ويشهدوا الحقائق، فلا يعرفون سرّ هذا العبد المكتوم، ويعرفه أصحاب الوصول وهم يسبّحون الله ويقدّسونه سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا إنّك العليم الحكيم. فيشهدونَ بأمّ أعينهم وبعين اليقين كيف صحّ لهذا المجذوب صورة الأصل الجامعة، ولم يكن ذلك لغيره. فتزدادُ حيرتهم في الله سبحانه، كيفَ ظهرَ وبطن، وكيف حيّرَ وبهتَ في كلّ شيءٍ، بينما يتعالى الأدعياء والأوصياءُ يفتنُهم إقامة هذا المجذوب في ظاهره المتقلّب المتضاد بين أحوال الصّادقين ظاهراً تارةً وأحوال المقصّرين والغافلين تارةً أخرى، وبين ثباته وخوضه في علوم الأحوال والحياة، وينطقُ بالحكمة في كلّ مرتبةٍ ينزلُها فيرمي ببعض أسرارها إذا تكلّمَ فيها، وهو لا يشعرُ بذلك، ولا يملكُ ذلك اليقين بكونِ علمه هو العلم الأصليّ، وخواطره هي الخواطرُ النّابعة من النّبع. وأنّى يُدركُ ذلك، وهذا العلمُ ما عاد به إلاّ المتفرّدون السّابقون، حتّى يتقدّمَ في سلوكه وهو على حاله وفي خلواته ثابت لا يتزحزح، فينطقُ بعلم الأكابر، ويُفتحُ عليه فتوحٌ في العلم بالله وشهود المراتب وذوقها كما هي عليه، وهو غير مشاهد وفي نفس الوقت هو المشاهد، فذلك هو الدرّة المتفرّدة، والياقوتة الحمراء التي لا نظير لها الجامع بين الأضداد، المهدي عليه السلام في جذبه ورحلته إلى الكمال. فمن أعظم ما يُعانيه الإنكارُ عليه كما قال الشيخ الأكبر، فسرّه في قلبه يمدّه بالثبات واليقين، ومن حوله لا يزالون في إنكارٍ وراء إنكارٍ، ولكنّه الثابتُ من حيث المُعاني من إنكار المنكرين واعتراض المعترضين، الواقف على هداية الله له كما تعهّده ابتداءً يتساءلُ لماذا انقطع مدد الله له، وفي ذاتِ الوقت ثابت على عهده مع الله، والله سبحانه يهديه في سرّه ويسري به في قوالب الأضداد والمراتب الخلقية والحقية، وباطنه مستورٌ عن الجميع إلاّ أهل البصيرة العليا، أصحاب العلم بالله، يشهدونه ختماً، أنموذجاً فريداً باهراً، يشهدونَ حجّة الله له عليهم وعلى جميع الأنبياء والأولياء بتلك الصورة وذلك الإسراء في ليله، وتلك الثنائية المتضاربة بين الكمال واللاّكمال، بين العلم والجهل، بين الثبات والحيرة، بين الجمال والجلال، بين الشهود واللاّشهود.

هذه الأوصاف منعوتةٌ في كتاب الله تعالى وفي حديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تصفُ المهدي عليه السلام، ولكن لا يُدركُ ذلك ويعلمُه سوى أهل العلم بالله.

أمّا إسراؤهُ ليلاً فقد قال الله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} الإسراء -1
فسورة الإسراء في الحقيقة مخصوصة بالمهدي في آخر الزمان، فهو صاحبُ الإسراء حقّاً، والمواطئ للمهدي في الإسراء هو النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فالنبيّ سرى ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى نبوّةً، وكان المهدي مواطئاً له في هذا الإسراء. والأصلُ أنّ صاحب الإسراء هو المهدي، هو الذي يسري من المسجد الحرام (القلب) إلى المسجد الأقصى (الروح) ليلاً وهو في جذبه وتركيبه العنصري، وهو في خلواته.

فصاحب الجسم الإسرائيليّ هو الإمام المهدي عليه السلام، قال صلّى الله عليه وسلّم (المهدي رجل من ولدي لونه لون عربي وجسمه جسم إسرائيلي على خده الأيمن خال كأنه كوكب دري)
نعم جسم المهدي إسرائيليّ، ولا يعني ذلك كما يظنّ البعض جسمه جسم بني إسرائيل، بل تعني جسمه وعرشه إسرائيلي من معنى كلمة إسرائيل المركّبة من كلمتي : إسراء، إيل : الإسراء معروف والسريان ليلاً، إيل : هي إسم الله سبحانه، والمعنى أنّه الراحل والمهاجر إلى الله سرّا وليلاً دون علم المخلوقات، هكذا قال بعض أهل العلم، ولم يشطط ولم يغلط، بل هي الحقيقة كما جاءت الآية الكريمة وكما هي سيرة المهدي عليه السلام، وما كانت أوصافُ الإمام المهدي عبثاً، وسنقفُ على تلك الأوصاف من كونه أيمن الخدّ وأقنى الأنف وأجلى الجبهة لتعلمَ أنّها صفاتٌ تميّز المهدي بالإمامة العليا والسيادة الكبرى. فهي أوصافٌ في غاية التمييز والعلامات التي تشهدُ للمهدي بإمامته ولم تكن أبداً عبثاً.

فقلنا فكلمة إسرائيليّ الجسم، أي أنّه صاحب سورة الإسراء وآية الإسراء الذي يسري إلى الله ويهاجر إليه دون علم المخلوقات، وفي ذلك شهادةٌ أنّه صاحب الذات، وصاحبُ الولاية بالأصالة، ولايته لله غير منقطعة حيث سرى وحيث ظهر بالقوالب المتضادة الخلقية والصفاتية، فكلّ شيءٍ يشهدُ لهذا الوليّ أنّه وليّ لله تعالى. فهو الوليّ الختم صاحب لواء الذات. والذات الساذج المتقلّبُ في الألوان والمتلوّن بالأحوال.

وسوف تقِفُ على ذلك في قصيدة الشيخ الأكبر في مقدّمة الفتوحات التي كتبها حول الختم العليّ، وهي من أجمل القصائد في التعريف بهذا الختم ورتبته وحقيقته، ولكن كتبها كعادة الشيخ الأكبر بفصاحةٍ معجزةٍ كتمً فيها مرتبة الختم من حيث صرّح تصريحاً.

يقول رضوان الله عليه :

ومتى وقعتَ على مفتِّش حكمةٍ... مستُورةٍ في الغضّة الحوراء
مُتحيّرٍ مُتشوّفٍ قلنا له... يا طالب الأسرار في الإسراءِ
أسرِعْ فقد ظفِرَتْ يداك بجامِعٍ... لحقائق الأموات والأحياء

فانظرْ لهذه الأبيات وهي في بدايات القصيدة، وسوف نضعُ بعض أبياتها إن شاء الله في وصفِ الختمِ، فيقول للباحث عن صاحب الحكمة، وللمتحيّر المتشوّف، وطالب الأسرار في الإسراء، إذا وصلتَ إلى معرفة سرّ الإسراء، فاسرِعْ فقد ظفرَتَ بدرّة الأسرار وصاحب الإسراء الجامع لحقائق الأموات والأحياء .. الخ من أبيات القصيدة العذبة الرائعة.

والنبوّة ذكرَتْ هذا الإسراء خاصّاً بالمهدي عليه السلام في قوله صلّى الله عليه وسلّم :
((المهدي منّا أهل البيت، يصلحه الله في ليْلَةٍ)) حديث صحيح. والمهدي يصلحه الله في ليلة، وهي ليلته الخاصّة به في السّلوك إلى الله تعالى، ليلة الفناء والبقاء بالله، كما هي ليلة كلّ عارفٍ سالك إلى الله، إلى حيث يقعُ النّزول، نزول الحقّ تعالى بقوله صلّى الله عليه وسلّم (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فينادي فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟) رواه البخاري ومسلم.
كلّ ليلة أي ليلة كلّ عارفٍ، فهو نزول محق صفات العبد بصفات الربّ سبحانه والتحقّق بمقام البقاء، لذلك كان يقعُ في الثلث الأخير من اللّيل، فثلث للفناء وثلث للعودة من الفناء وثلث للبقاء، حيث لا يتمّ البقاء بالله إلاّ بتمام التحقّق بصفاته سبحانه، ففي نهاية التحقّق يحدث البقاء به.
وفي رواية
(إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول : هل من سائل يعطى ، هل من داع يستجاب له ، هل من مستغفر يغفر له ، حتى ينفجر الصبح)

وفي رواية شطر الليلِ وهو شطر الفناء وشطر البقاء كما هو حال المهدي عليه السلام السّاري إلى الله في فنائه إلى ربّه والسّالك في جذبه. وهؤلاء أهل الشطر هم أهلُ الخلافة الكبرى، وعلى رأسهم الخليفة الذاتيّ المهدي الذي يصلحه الله في ليلةٍ التي تعني معناها الظاهر كذلك. فيحدثُ له الانقلاب الكلّي الكامل في ليلة ولحظة. ليلة الإصلاح والعروج الذاتيّ، لأنّ أحكام سلوكه ذاتية كما ذكرنا، فهو صاحب الجسم الإسرائيليّ المتفرّد. ويقعُ له العروج الذاتيّ مواطأة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويهبُه الله عرشاً جديداً حينها.

وفي رواية أخرى في حديث المهدي جاءت
بلفظة ليلِه ((المهدي منّا أهل البيت، يصلحه الله في لَيْلِهِ))

وهي رواية تتّفقُ تماماً مع إسراء المهدي في ليله لرحلة صلاحه وكماله، فهو سارٍ في ليله ليصلحه ربّه من حيث لا يدري النّاس، ولا تدري المخلوقات، ولا يدري الدجّالُ المتربّص به وشياطينه. بتلك الذاتية والصّلة بالله التامّة والجسم الإسرائيليّ المتفرّد الذي لا يملكُه غيرُه.

يتبع ..

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 15

- 15 -

أوّلا يجدرُ الإشارة أنّ عمر الدّنيا الذي قصدناه هو عمر الإنسان منذ عهد سيدنا آدم عليه السلام إلى ختام الدّنيا بطلوع الشمس من مغربها. هذا هو المقصود من عمر الدّنيا سبعة آلاف سنة وخمسمائة سنة.

لأنّ الإنسان هو خلاصة العالم، ودرّة الخلْق ومن أجله خلق الله كلّ شيءٍ، وآيات التسخير تملأُ القرآن. وحقيقة الإنسان وهي معرفة الله تعالى، وما خلق الله الكون سبحانه إلاّ على كلمة لا إله إلاّ الله محمد رسول الله.

أمّا عمر الأرض، فالآثار والعلم يقول بوجود الحياة منذ ملايين السنين، وربّما قد تكون آلاف الملايين من السنوات حتّى استوت الأرضُ وتهيّات لتكونَ صالحةً للحياة، وقد خلقها الله بعالم الأسباب والتدرّج وهو القادر على خلقها في لمح البصر.

وإنّما قامت على الحكمة المتناهية والتقدير الدّقيق والتفصيل العجيب سبحانه الخالق الحكيم العزيز.

ليست لديّ نظرةٌ في عمر الأرض قبل وجود الإنسان، لكنّ آيات خلق السموات والأرض في ستة أياّم لها مدلولها بالنّسبة ليوم الإنسان البالغ طوله أربع وعشرون ساعة، بعد خلق الشمس والأرض واستواء الأفلاك والمخلوقات وتهيئة الحياة على الأرض. أمّا بالنّسبة لتمهيد الخلق والأرض، فالأيّام لها مداليلها المختلفة قطعاً، وقد يُرادُ بها ستّة أطوار وفصول في الخلق. لأنّ أصلاً مفهوم اليوم ما قامَ إلاّ بدوران الأرض حول نفسها ومفهوم السنة بدورانها حول الشمس وهكذا.

لكنّ المؤكّد أنّ عمر الأرض والحياة فيها يمتدّ لملايين السّنين، وتزيد ربّما لأضعاف مضاعفة.فمنظومة الخلق واستواء الخلقيّة والحياة بهذا الصّنع البديع قد أقامه الله سبحانه على تدرّج عظيم، وتفاعلات فوق الخيال، سبحانه الخلاّق العليم وهو الذي خلق كلّ شيءٍ بقدرٍ وحكمةٍ، قال سبحانه وتعالى (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) -فصلت-

فخلق الأرض استوفى أربعة أيام يومين لخلق الأرض ويومين لاستيفاء كمالياتها والخلق فيها والأقوات والحياة ثمّ يومين استوفى السّماء، فتبارك الله أحسن الخالقين، وهو القادر على الخلق بكلمة كن فيكون، وإنّما هي حكمة الله سبحانه وتقديره للأشياء. وهذه الأياّم كما قلنا هي أطوار وفصول امتدّت لملايين السنين أو ملايين ملايين السنين. فهنا إعجاز منه سبحانه ليشهدَ الإنسان قدرة خالقه وتدبيره وتقديره، قال سبحانه (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[غافر]

فلمّا استوت الحياة على الأرض وخلق السموات والأرضين خلق الله الإنسان خلاصة العالم ودرّته، وجعله حاملاً لسرّ هذا العالم وجعله على صورة الخالق سبحانه بالصّفات السبع، الحياة والعلم والإرادة والقدرة والكلام والسمع والبصر. وهذه أمّهات الصّفات.

هنا الصورة يُرادُ بها الصّفات المعنوية، فالله سبحانه فوق الصور والمخلوقات والتحيّز والجهات، فالمكان والزّمان مخلوقان كباقي الخلق. قال صلّى الله عليه وسلّم "خلق الله آدم على صورته"
فبالصورة صحّ للإنسان الشهود والمعرفة والتوحيد. قال صلّى الله عليه وسلّم : "من عرف نفسه فقد عرف ربّه". فهذه المعرفة للنّفس على سبيل العلم والتحقيق، تجعلهُ يشهد هذه الصورة التي خلقه عليها، فيتحقّق بها، فحينها يوحّد الله سبحانه ويشهد ألاّ موجود سوى الواحد الأحد الديّان. وهو تمام العرفان والتوحيد. وهنا تفاوت المتفاوتون وذهل الذاهلون، وغرق الغارقون، ورجع الموحّدون من ذلك البحر الطّامسِ بالعجزِ والحيرة والبهتِ.

فكان عمر الأمّة المحمدية ألف وخمس مائة سنة،وكانت بعثته صلّى الله عليه وسلّم على رأس الألف السادسة، واكتملت به الحقائق للمعرفة والعبودية. فقد تجلّى واستوى اسم الرّحمن في عالم الحقائق لمعرفة الله سبحانه. والله تعالى يُعرفُ بواسطة أسمائه وصفاته. وهذا هو غاية العرفان والعلم بالله سبحانه.

قال الشيخ ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه "وصولك إلى الله وصولك إلى العلم به".
عينُ الوصول هو عين العلم بالله سبحانه، لذلك فمعرفة الله كانت بمعرفة أسمائه وصفاته، وكان خاتم الأسماء والصّفات هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وهو نفس قوله صلّى الله عليه وسلّم "من عرف نفسه فقد عرف ربّه" لأنّ نفس الإنسان كما ذكرنا هي خلاصة العالم وصورته الجامعة.

فاقتضت حضرة الخليفة أن يطوّل الله في اليوم الأخير إلى نصف يوم، لتظهر الحضارة المعاصرة والتكنولوجيا، ولا يكونُ قائدُ هذه الحضارة ورائدُها سوى الدجّال.
لأنّ حضرة الدجّال انبثقتْ من حضرة الخليفة، فعالم الأكوان وعالم الأسباب في الحقيقة هو غير منقطع عن حضرة الله سبحانه، فحقيقة الخلق وهويّتهم هي الحقّ سبحانه. فافهم.
وحينما يكونُ العبدُ منقطع عن حضرة الله تعالى، فإنّه يكونُ غارقاً في حضرة نفسه المنفصلة عن حضرة القدس وعالم الطّهارة والخير.فعالم الأكوان والأسباب في صورته المنقطعة عن الله سبحانه، عن حضرة القدس والرّوح الواسطة إلى الله سبحانه. فإنّه يكونُ عالمٌ نازعٌ إلى الشرّ ومضاد للتوحيد والقيم الروحية والسماوية مطلقاً.

فصاحبُ هذه الحضرة المنقطعة عن روح القدس، الحضرة الماديّة السّببية في عالم الأكوان والأسباب هو الدجّال، ولا محالة وجوده كائنٌ وذلك تعطيه الحقائق. لذلك يظهرُ الدّجّال، ويظهرُ بعلم وخوارق وتكنولوجيا عظمى. لأنّه صورة الدّنيا منقطعة عن روح القدس. ولذلك كان الذي يقتلُ الدجال هو المسيح عليه السلام رمز روح القدس، لأنّ الدجال هو مقلوب ومعكوس روح القدس. هو عالم الأسباب والأكوان والصّفات منفصلة عن حضرة التقديس والذات. فافهم.

لذلك كان الدجّال أعظم فتنة للبشريّة ولا يُقارعه سوى الخليفة، لأنّه نبع من حضرته.

يتبع ...

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 14

- 14 -


فقلنا كانت بعثة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على رأس الألفية السادسة.

وتفهمُ أنّ عمر الدنيا سبعة أيّام ، سبعة آلاف سنة .. ولكنّ الله أمدّها إلى سبعة أيام ونصف. أي عمر الدّنيا سبعة آلاف وخمسمائة سنة. نريدُ بعمر الدّنيا عمر الخلافة الإنسانية منذ خلافة سيدنا آدم عليه السلام حتى بعثة الخاتم المهدي ونزول المسيح عليه السلام ثمّ انتهاء الأمّة المحمدية.

وهذا واردٌ في الآثار والأحاديث النبويّة الشريفة.

جاء في سنن أبي داوود أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال (( ‏ ‏إنّي ‏ ‏لأرجو أن لا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم ‏، ‏قيل ‏ ‏لسعد ‏ ‏وكم نصف ذلك اليوم قال خمس مائة سنة ‏ ))

فدلّ أنّ القائلين بعمر الدّنيا سبعة آلاف سنة مبنيّ على علم، ومدّد الله في اليوم الأخير للأمّة المحمديّة بنصف يوم. فعمر الأمّة المحمديّة ألف وخمسمائة سنة.

ويعضد حديث تأجيل الأمّة خمسمائة سنة قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم : "إذا صلحت أمّتي فلها يوم، وإذا فسدت فلها نصف يوم".

فهذا الحديث النبويّ وقد رواه بعض الأولياء في أثباتهم، فارقٌ بين الألف الأولى والخمسمائة الأخيرة، كعلامة أنّ نصف اليوم له غرضٌ وحقيقةٌ، فجاء التنبيه عليه بتلك اللّفتة النبويّة الشريفة.

وقد رصدَ بعض الأكابر من أهل العلم والولاية في القرن العاشر ظاهرة التحوّل في القيم، والانتكاس والانحراف الذي بدأ يتزايد مع رأس الألفية من عمر الأمّة المحمديّة مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم السابق.

نصف اليوم الأخير هو بداية استفحال الشرّ وتمكّن دولة الدجال المتحالفة مع إبليس وشياطينه. ليصل الدجال في القرون الأخيرة إلى السيطرة والهيمنة العالمية كما نرى اليوم ذلك من عالم العولمة والأمركة الظاهري وقيام دولة إسرائيل الصهيونية المتغطرسة، وتمكين ماديّ وتكنولوجي عجيب. وعلى العموم ظهور الحضارة المعاصرة العلمية التكنولوجية الباذخة، المتمكّنة من العلم الماديّ تمكيناً عظيماً باهراً، يصلُ فيه الإنسان إلى فتوحاتٍ في تطويع المادّة والطبيعة من حوله. شيءٌ باهرٌ خارقٌ ..


وإنّ ممّا يعضدُ هذا اليوم الذي طالَ، والنّصف يوم الذي أجّل الله به عمر الأمّة المحمديّة، أحاديث المهدي الكثيرة الصّحيحة التي جاء فيها سياق تطويل يوم من الدّنيا أخير حتى يبعث الله هذا الرجل المهدي.

عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا مني أو من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا." رواه أبو داود والترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.

لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث الخليفة المهدي.

لأنّ حضرة المهدي متعلّقة بالدجّال، أو العكس حضرة الدجّال لها علاقة بحضرة المهدي الجامعة للأضداد، والعين الأصلية من حيث حقيقة التجليّات الحقيّة والخلقية، وحقيقة الجمال والجلال، والخير والشرّ، والحقّ والباطل، والشيطنة والملائكية التي دارت الحقائق عليها في عالم الإنسان.

لذلك سيطولُ اليومُ الأخير، ليلتقي العلم الماديّ السّببيّ الكسبيّ من عالم الحكمة والإنشاء السبّبي الطبيعي الرهيب، بعلم الحقائق في برزخٍ فاصلٍ بينهما. ليُجسّداَ حضرة المهدي الوليّ بالأصالة الذي به صحَّ للعالم العلمين : الماديّ والرّوحي، الغيبي والشهادي.

فالشهاديّ صحّ للعالم العلمُ بواسطة حضرة المجذوب وهو في عالمه وتركيبه العنصريّ. والغيبي لأنّه إمام العلم بالله والكمالات الإلهية.

وسوف نعودُ لهذه النّقطة إن شاء الله، التي أوجبت زيادة نصف اليوم من أجل بعثة الخليفة، وأنّ الدجّال يظهرُ في أقوى تمكينه عند اقتراب زمن الخليفة فيخرجُ مقارعاً له ناسفاً لما بناهُ من تدجيلٍ وإفسادٍ في الأرض وتشويه للحقائق والشرائع.

يتبع ..

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 13


- 13 -

فقلنا أنّ الحديث الشريف السابق يشرحُ لنا حقيقة المهدي، وهي الأحمدية التي تشرّفت بها الأمّة المحمديّة.

فقال صلّى الله عليه وسلّم لن تهلك أمّة أنا أوّلها : فهو بابُ الأحمدية وباب التعرّف إلى الله تعالى، بنبيّ الهدى ورسول الله تجلّى الإسم الأعظم وانفتح باب الشهود وباب الخلافة وباب الفردانية وباب القرب.

والمهدي وسطها : أي الولاية والخلافة التي تشرّف بها أولياء الأمّة المحمدية، كلّهم نائبٌ عن المهدي وذلك في مقام التربية والإرشاد والدّلالة على الله تعالى. فما دلّوا على الله تعالى إلاّ لأنّهم دخلوا حضرة الله تعالى، وكانوا أهل الله وخاضّته : أهل القرآن ورثة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال الله تعالى {إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} الفتح 10.

وعيسى بن مريم آخرها: عليه السلام لأنّه الذي يمثّل حضرة القدس نبوّةً، ويسمّى : روح الله وكلمته، لذلك نزوله يكونُ في آخر الزّمان في قطبية المهدي، لتعود المرتبة لصاحبها. من كون قوم المسيح النّصارى أشركوا بالله بسرّ روح القدس الذي ظهر به المسيح، وأيّده الله به. قال الله تعالى {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}

ومن هنا تفهمُ حقيقةً لماذا بشّر المسيح عليه السلام برسالة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم باسم أحمد.

فالمسيح عليه السلام بشّر بأحمدية النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأحمدية أمّته وذلك هو الفضلُ الأعظم الذي تشرّف به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو الأحمدية وبه نالَ المقام المحمود، جوداً من الله عليه وفي الحديث :
عن أنس بن مالك : ((... فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَقُولُونَ : يَا مُحَمَّدُ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا ، فَيَقُولُ : أَنَا لَهَا وَأَنَا صَاحِبُهَا ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَأَنْطَلِقُ حَتَّى أَسْتَفْتِحَ بَابَ الْجَنَّةِ ، فَيُفْتَحَ لِي فَأَدْخُلُ وَرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَرْشِهِ ، فَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي ، وَحَسِبْتُهُ قَالَ : وَلا أَحَدٌ بَعْدِي ، قَالَ : فَيُقَالُ : يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، قُلْ نَسْمَعْ ، وَسَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَأَقُولُ : يَا رَبُّ يَا رَبُّ ، ..))

فيُلهمُه الله تعالى يوم القيامة ويوم الشفاعة الحمد الأكبر، وذلك علامة المقام المحمود والأحمدية الكبرى بالله تعالى.

قلتُ فبشارة المسيح عليه السلام وقعت على معنى الحديث النبويّ "والمهدي في وسطها".

قال الله تعالى {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} الصف

لذلك ينزلُ روحُ الله في قطبية المهدي، لتقديس الأرض التقديس الذاتيّ. فيحصلُ زمنُ الوحدة الذاتية. وهي علامة وأيّ علامة وشهادة وأيّ شهادة من روح الله على قدس ذات المهدي عليه السلام. وعلى تجلّي الوحدة الذاتية والشهادة الكبرى بإمامة هذا الإمام العليا والختمية العليا.

فحقيقة المسيح عليه السلام كما قلنا هو روح القدس، وروح القدس حقيقته هو تقديس الأسماء والصّفات، وتجلّي الأسماء الذاتية، وهو ما عبرّنا عنه في السّلوك بالعروج الذاتيّ، فحين تنزّل الروح على القلب يحدثُ التقديس وشهود حضرة الذات.

فأحمدُ في مقام الإنسان الكامل والخلفاء من أفراد بني آدم هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وأحمدُ في مقام الأحمدية الذاتية والأحمدية بالأصالة هو المهدي الخليفة.
فالخليفة هو المظهر الذي يظهر به الحقّ بذاته. فهو أحمد بالأصالة، وما حمده الحامدون إلاّ به :

قال الشيخ الجيلي قدّس الله سرّه في كتاب الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل :

((.. فمتى ما ظهر الحقّ تعالى في مظهر بذاته كان ذلك المظهر هو خليفة الله في أرضه، وإليه الإشارة في قوله تعالى {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} يعني الصالحين للوراثة الإلهية..))

يتبع ...

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 12



- 12 -


حضرة الدجّال دليل على خلافة الخليفة الذاتية، لأنّ صورة الدّنيا - عليك أن تفهم- هي صورة باطن الخليفة كما ذكرنا لك، وما تجلّى فيها من مراحل وأطوار وأدوارِ فأصلُها نابعٌ من الذات، من ذات الخليفة.

لذلك فلا تزالُ الدّنيا في ترقّي حقائقِها منذ بعثة سيّدنا آدم عليه السلام.

وكانت بعثة الأنبياء والرّسل عليهم السّلام لتجسيد هذا الترقّي في الحضرات الأسمائية ونضج البشريّة شيئاً فشيئاً.

وهنا كلامٌ يطولُ نقفُ على الأفكار العامّة، وما نقوله تحقيق، حتّى جاءت بعثة الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم على رأس الألفية السادسة وتمّ نضجّ البشرية من جهة اكتمال الحقائق الخلقيّة واستواء منصّة الرّحماينة لتجليّات الإسم الأعظم وختمت النبوّة.

وتفهمُ تحقيقاً بعثة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الألف السادسة من قول الله تعالى : {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59)} الفرقان

فاستواء اسم الرحمن على عرش المخلوقات كان بستّة أيّام، وذلك تمامَ حضرة الصّفات والأسماء. فتمام القوس الخلقية من تمام قوس الحقيّة. وختمت المحمديّة ببعثة خاتم الرسل صلّى الله عليه وسلّم سيّدنا محمّد.

ختمت المحمديّة بمعنى، نضجت الأرضُ لتلقّي فيوض الولاية من مدد البقاء بالله سبحانه، حيث ثمّ مقامُ النبوّة. والأولياء المحمديّين ورثة للنبيّ الخاتم صلّى الله عليه وسلّم في هذا المقام.

ختمت المحمديّة والنبوّة، بمعنى نضجت الأرضُ لظهور أحمد في أثواب الأولياء كما ظهر في ثوب خير الخلق أحمد عليه الصلاة والسلام. بقوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ} سورة الفتح - (10)

فكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مفتاح شهود الله، ومفتاح تجلّي الإسم الأعظم، ومقامُه مقام البقاء بالله تعالى، وبه كما ذكرنا تتمّ الرّحمة الشاملة الكاملة عند تجلّي الإسم الأعظم، فيعودُ الدّورُ إلى بدئه. وهنا حقائق لتفهمَ هذا العلم المتظافر المتكامل الدّقيق، لنا بعض خيوطه وبعض عناوينه الرئيسية، وإلاّ فالعلمُ شيءٌ باهرٌ خارقٌ إذا برقتْ لوامعه وتجلّت أسراره وملكت نواصيه، وأقصدُ العلم الذي يجمعُ لك شتات المنازل والمشاهد والحقائق فيربطها ببعض، ويجعلُك تسكرُ به سكراً وتذهلُ به ذهولاً. ولا تزدادُ إلاّ تعظيماً وتقديسا للواحد الأحد سبحانه، ألا ترى قوله تعالى {إنّما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ} وقوله تعالى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.} [آل عمران:18]
فانظر إلى مقام أهل العلمِ بالله في شهود قسط الله وعدله ووحدانيته وعزّته وحكمته، والحكمة هي آخر التحقّقات.
فقد شهدَ بذلك أولوا العلم بالعلم المحقّق، لا علم الظاهر فقط الواقف على الظاهر، ولا نقلّلُ من شأن العلم هنا ظاهراً أو باطناً، ولكن العلمُ ما أغرقَ صاحبه في بحر الشهود والحكمة والتوحيد. وهو لا محالة علمٌ بالله تعالى قامَ بتنزّل اسم العليم.

و اسم العليم إذا تنزّل على العبد فقد صار ختماً فرداً وارثا للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم من المقرّبين الخلفاء.

ويجدُرُ الإشارة هنا إلى الوارث الخاتم الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي قدّس الله سرّه الذي صحّت له الختمية الصفاتية على قدم الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم بختمه لإسم العليم. فكأنّ الله تجلّى في عبده الحاتمي الشيخ الأكبر باسمه العليم، فكان صاحب ومظهر الأعيان العلمية وحضرة الأسماء. وكان قدّامة المقرّبين من الأولياء المحمديّين رضوان الله عليه، وكذلك كلّ فرد ختمٍ في زمنه وخليفةٍ يكونُ له ذلك المقام مقام القربة الذي هو مقام الختم والبرزخية بين النبوّة والولاية، كما كنّا نقولُ، وهي نبوّة الولاية دون نبوّة التشريع المحمديّة، فقد ختم النبوّة مطلقاً خاتمها صلّى الله عليه وسلّم وحاز من الولاية ختمها باسمه أحمد فهو سيّد ولد آدم وسيّد الأوّلين والآخرين، وما فاز الأولياء المحمديّين بتلك القربة إلاّ بنبوّة نبيّهم ورسولهم صلّى الله عليه وسلّم. فافهم فالنبوّة هي دائماً مقامُ الأصل والولاية تكونُ على قدمِها وتابعةً لها. في كلّ قومٍ يتبعون نبيّهم ورسولهم هكذا هو الشأنُ فالنبوّاتُ لفتح أبوابٍ مستجدّة لمقاماتٍ لا تكونُ إلاّ بنبيٍّ يتقدّمُ ذلك المقام فيكون هو أصلُ ذلك المقام، ثمّ يكونُ أتباعه الورثة له على مقامه تابعين له. فافهم.

ومقام الأختام والخواتيم والأفراد المقرّبين أهل القربة المسمّاة النبوّة المطلقة : نبوّة الولاية، هؤلاء ورثة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم في مقام الرّحمانية. فافهم. فخاتم الكمال والأسماء والصّفات وصاحب قاب قوسين أو أدنى هو سيّد البشر وسيّد الأولين والآخرين هو الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم الذي نعته الله تعالى بأوّل العابدين.

فمن يليه كلّهم وارث وتابعٌ ومتأخّرٌ، فهو أوّلُ العابدين وأوّلُ الشاهدين وهو فاتح باب الرّحمة الذي به ظهر الخلقُ أصلاً.

قال الله تعالى {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} غافر 7

فانظر رحمك الله، فقد تقدّمتِ الرّحمةُ العلمَ، فرسولُ ربّ العالمين إلى خلقه والعالمين هو صاحبُ الرحمة المبعوث رحمة للعالمين، والعلمُ انفلقَ من بحر الرحمة، فالأعيان العلمية انفلقت وظهرت بالرّحمة.
فالرّحمانية هي مقامُ البقاء بالله، وفي هذا توضيحٌ كافٍ شافٍ لمتوسّمٍ، فهناك العبدُ سمعُه يكونُ بالله، وبصرُه بالله وبطشه بالله، وعلمُه بالله، فهذا مقام التصرّف والطهّارة والرّحمانية والتحقيق، مقام البقاء بالله سبحانه. كما جاء في الحديث القدسيّ الذي رواه البخاري.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قَالَ الله تعالى : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ،
فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ}
البخاري.

فكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم باب الأحمدية كما قلنا، يقول صلى الله عليه وسلّم : (لن تهلك أمة أنا أولها وعيسى بن مريم في آخرها والمهدي في وسطها) أخرجه أحمد، وذكره الشيخ الأكبر في كتابه الخيال.

العبرة أنّ هذا الحديث من أحاديث الحقائق، فقوله صلّى الله عليه وسلّم : المهدي في وسطها، لا يمكن أن يعني ظهوره بآخر الزمان. فالمهدي يخرجُ علما على الساعة وعلما على زوال الدّنيا ويزامنُ المسيح بن مريم عليه السلام. فكيف قال صلى الله عليه وسلّم : المهدي في وسطها ؟ في وسط الأمّة ؟

هذا تبيينٌ لما نذكره من علم وتحقيق مكتوم حول مقام المهدي عليه السلام، فهو أحمد الذي ظهر النبيّ به صلّى الله عليه وسلّم وظهر به أولياء الأمّة المحمديّة الذين تحقّقوا بالإسم الأعظم. فكلّ الخلفاء هم خلفاء عن الخليفة كما قال صلّى الله عليه وسلّم "خلق الله آدم على صورته"

فمقام الخلافة الأسمائية وتجلّي الإسم الأعظم حصلَ بالمهدي، وهذا هو معنى الحديث النبويّ الشريف.

وسوف نذكرُ المزيد حول هذا الحديث وهذا المعنى. بكون الأحمدية المعنيّ بها هو المهدي عليه السلام أصالةً، واسم النبيّ صلى الله عليه وسلّم أحمد لأنّه أحمدُ الخلق لربّهم، وما من وليّ محمديّ يظهر إلاّ أحمديّته من أحمديّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فافهم. بخلاف خاتم الأحمدية والولاية وأحمد بالأصالة الخليفة الذاتيّ. فهو خارج السّربِ، لأنّهُ إمام الأئمة وختمٌُ الخواتيم، وحقيقة كلّ نبيّ ورسول ووليّ ظهر. فافهم

يتبع ...

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 11



- 11 - 

فمن هذا الأصلُ الذي يجمعُ الأضداد ؟

نقل الشيخ الأكبر في الفتوحات والشيخ الجيلي في الانسان الكامل رضي الله عنهما أنّه قال أبو سعيد الخراز رضي الله عنه وقد قيل له بم عرفتَ الله فقال بجمعه بين الضدين.

فما من شيءٍ في الوجود تجلّى إلاّ من الله سبحانه، لا شيء يخرجُ عن ملكوته، جمال وجلال، خيرٌ وشرّ، نور وظلام، علم وجهل، وجود وعدمٌ، غنى وفقر. فجميع الأضداد منبثقة من نبعٍ واحد، ومن عينٍ واحدة.

قال سبحانه {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}

فهذا هو الأصلُ، والمجذوبُ هو صورة الأصل الجامعة بين الأضداد، وإذا فهمتَ حضرة الختم، فهمتَ جميع الحقائق وحكمة العالم. كيف لا ؟ والختمُ هو آخر ما يتكشّفُ للأفراد والمحقّقين المقرّبين ؟

والمجذوبُ هو الحجّة والعلامة على ختمية الخليفة وسرّه وحقيقته، منه تظهرُ جميعُ الحضرات الوجودية.

لا يُمكنُ إلاّ أن يُضربَ الكتمُ على هذا الوليّ الإمام، لأنّ بحر العلم منه انفلق، وفيه لا محالة يغرقُ من غرق.

ولأنّ محلّه غير محلّ الخلق ولا لغته لغتهم، لذلك لا عبرة في التصريح بمقامه إلاّ للمتحقّقين بحقائق العلم، والشاهدين بذوق. زائلُ بختمه عن مرتبته. وهو حقيقة جميع المراتب.

فالخلقُ لغتهم على طريقة سيّد الرّسل والأنبياء أوّل العابدين وسيّدُ المقرّبين من ربّه، وشفيعُ المؤمنين وشفيعُ الخلق جميعاً في مقامِ الوجود بالله، حيث ما خلق الله الأكوان إلاّ ليرحمها بوجوده سبحانه. ولا تحصلُ لها هذه الرّحمة إلاّ في مقام الرّحمانية والبقاء بالله سبحانه، بالنبيّ الحبيب صلّى الله عليه وسلّم.

ولولاهُ تحقيقاً ما خلق الله الخلق والأفلاك، فحقيقة الدّنيا قامت على لا إله إلاّ الله، ولا تقومُ على لا إله إلاّ الله إلاّ بمقام البقاء به سبحانه محمّد رسول الله. فاكتملتْ به صلّى الله عليه وسلّم الحقائق، ورحمت الخلائق، ولاذت بالشفيع المشفّع سيّد الأكوان والخلق ليشفع لها عند ربّها. فافهم.

أمّا الخليفة والختم، فهو عين الوجود وهو سرّ الذات، لولاه ما قامت الخلائق ولا تجلّى سبحانه. فما تجلّى إلاّ بذاته في ذاته لذاته. فأين الأغيار. فكان حقيقة التجلّي هو الخليفة. واسطة العقد وحامل الأمانة والعهد الذي يحفظُ الله به العالم الدنيويّ والأخرويّ فافهم.

عينُه واجبُ الوجود، سرّ الذات الذي تجلّت الأعيان العلمية به، ألا ترى أنّ الخلق لا محالة هويّتها هي الحقّ سبحانه.

فوجبَ أن يكون الخليفة هو عين الحقّ سبحانه. وإلاّ ما قامتْ هذه الصّلة وما رجعتْ الخلائق لهويّتها. فافهم.

قال الشيخ عبد الكريم الجيلي قدّس الله سرّه في كتابه "الإنسان الكامل" يصِفُ حقيقة المهديّ الخاتم الوليّ:
(فقد سبق أن قلنا أن الحقّ إذا تجلّى على عبده وأفناه عن نفسه قام فيه لطيفة إلهية، فتلك اللّطيفة قد تكونُ ذاتية وقد تكونُ صفاتية، فإذا كانت ذاتية كان ذلك الهيكل الإنسانيّ هو الفرد الكامل والغوث الجامع، عليه يدورُ الوجود، وله يكون الركوع والسجود، وبه يحفظ الله العالم، وهو المعبّر عنه بالمهدي والخاتم، وهو الخليفة وأشار إليه في قصة آدم، تنجذبُ حقائق الموجودات إلى امتثال أمره انجذاب الحديد إلى المغناطيس، ويقهر الكون بعظمته ويفعل ما يشاء بقدرته، فلا يُحجبُ عنه شيء، وذلك أنّه لمّا كانت هذه اللطيفة الإلهية في هذا الوليّ ذاتاً ساذجاً غير مقيّد برتبة لا حقيقة إلهية ولا خلقيّة عبديّة، أعطى كلّ رتبة من رتبة الموجودات الإلهية الخلقية حقّها، ...) -اهـ- من كتاب الانسان الكامل

فانظر إلى حقيقة المهدي الخاتم ومن هو حقيقةً ؟ فليس هو سوى واجب الوجود، والذي وجبَ له الرّكوع والسّجود، وأنّ الحقّ تعالى قامَ فيه لطيفة ذاتيةً وفي غيره لطيفةً صفاتية، وأنّه الوليّ الذي كانت اللطيفة الإلهية فيه ذاتاً ساذجاً فأعطى جميع رتب الموجودات الإلهية والخلقية حقّها، وأنّ هويّة الموجودات ترجعُ في حقيقتها إلى هويّة هذا الوليّ، فهي منجذبةٌ إليه انجذاب الحديد للمغناطيس، وكان الواحد القاهر القهّار الذي يقهرُ الكون بعظمته، ليرجع إليه في مقام الواحدية.

فهذا هو علم الذوق والتحقيق، وغيرُ هذا العلم فهو تقليدٌ وتصحيفٌ وتخريصٌ.

فقل لي بربّكَ كيف لا يقومُ الكتمُ على هذا العبد ؟ وأنت كلّما عرفتَ الله سبحانه وتشرّبت بالعلم والتحقيق، بهرَك هذا المجذوب والخليفة والأسرارُ التي تدورُ حوله، وأنّ جميع الأسرار فكّ إلغازها في معرفته ومعرفة سيرته والأحداث الدائرة في زمانه.

لذلك كان القائم بالعدل المطلق في آخر الزمان، فالعدلُ يرجِعُ لصاحبه، صاحب العقوبة والجزاء.

لا يعدلُ إلاّ صاحبُ الملك والشأن، لأنّهُ المخوّلُ بالعقوبة والجزاء بإطلاق. فكان الملك العادل المهدي هو الملك الحقيقيّ، وهو الأمير الفاعل، وهو الفارقُ بين أهل الجنّة وأهل النّار.

ليس ظهورُهُ سوى لقيام الشهادة على نبوّة الأنبياء ورسالة الرّسل وخاتمية سيّد الأنبياء والرّسل صلّى الله عليه وسلّم، وليس ظهوره سوى لنصرة المؤمنين بالله سبحانه، سوى للإعلان عن زوال الدّنيا، سوى لقهرِ الشرّ الإنسانيّ المتجسّد في حضرة الدجّال وحضرة إبليس. وهنا تحقيق وذوق كبيرٌ معرفته تفتحُ لك العلم بحكمة وجود الشرّ والخير في العالم. وتنبئُكَ يقيناً، أنّ هذا هو المهيمنُ الذي منه ظهرت هذه الحضرات، فهو الأصلُ. وسوف نطرقُ باب سرّ وجود الدجّال في الدّنيا، ولماذا بلغَ ذلك المدى من الغواية والخطورة والفتنة العظمى، ولماذا لم يقابله سوى الخليفة، لأنّهُ ما ظهرَ إلاّ بسرّ الخليفة.

يتبع ...