الجمعة، 27 مارس 2015

حامل لواء الذات القائم بحقّ حمد الله المهدي 71

أضيف 07/10/2015



 
لبسم الله ..

إنّ الحقائق عاليات، عصيّةٌ على الإدراك، الكتمُ فيها واجبٌ لأربابِ الذّوق والتحقيق، واجبٌ يفرضُهُ ذوقُهم وعلمهم بها فضلاً عن الحظر والمنع الوارد في إفشائها، لأنّ معرفتها بلا أنوارها وعظمتها المنطوية فيها لا يلقيها إلاّ كاسفةً، وربّما ضرّتْ أكثر من نفعِها. وأنوارُها لا تُدرَكُ إلاّ بالبصائر والقلوب، وإدراكُها يطلبُ مدارِجاً يتحقّقُ بها القلبُ، وبين تلك المدارج القلبية والمعارف العقلية المجرّدة بونٌ شاسعٌ عظيمٌ.
قد لا تصحُّ معرفتها العقلية أصلاً إلاّ لقلّة حصلَ لهم جذبٌ أو سريانٌ بالرّوح، فعقلوا معرفة مجرّدةً قبلَ التئام أرواحهم بأجسادهم ونفوسهم .. ومنهم غالباً تصدُرُ المعارفُ العالية التي قد تُثيرُ الجدل، أو لا تُقبلُ حتّى عند المؤمنين وحتى عند المنتسبين لسلك هذا الطريق. لأنّ المعارف مستويات وقابليات، والحقائق عاليات.

مع ذلك فلا يعني أنّ المعارف لم تأتِ عن طريق المحقّقين، كلاّ .. فبريدُ المحقّقين هو واردُ هؤلاء المفصحين، لأنّ الذين خاضوا وأفصحوا ربّما في تلك المعارف بشيءٍ من الجرأة، ما حصل لهم إلاّ المعرفة العقلية المجرّدة كما سبقَ أن ذكرنا، وذلك لا يعطيهم الاستشراف على وجه اليقين إلاّ بقائدٍ ودليلٍ واضحٍ أو مرموز، يقضي استشرافهم الرّوحيّ بفهم المرموز، ويقعُ على قلبهم كما قاله المحقّقون. ومن هنا تحصلُ أغلبُ معارفهم على وجه اليقين والإدراك العلمي العقليّ.

لأنّ المحقّق علمُه بالله تعالى سبحانه، فنى في الله وهو باقٍ به، فلا ينطِقُ من خانة الظنّ ولا التوهيم. بل كلامُه محقّق خالص. ولذلك سمّوا المحقّقين. أي محقّقين في كلّ شيءٍ متحقّقين، علما وذوقاً وسلوكاً .. الخ.

وجميعُ الحقائق مذكورة، سواء في القرآن الكريم أو في السنّة المطهّرة، أو في كلامِ السّادة المحقّقين كما ذكرنا، ولكنّ التحقيق لا تنزِلُ به الحقائق إلاّ مغلّفةً جامعةً، تجمعُ فيها المستويات المختلفة، خصوصاً الكلام المقدّس القرآن والسنّة ، فالقرآن جامعٌ أحصى الله فيه كلّ شيءٍ، بإطلاق ولا تناهي، والسنّة فصاحبها هو الذي أوتي جوامع الكلِم. ولذلك فالعباراتُ المحقّقة تأتي دائماً منوّرةً جامعةً، حكيمةً عليمةً، يقرأها الجميع ويتذوّقُها الجميع، ولكلّ واحد قوتُه منها وعلمه منها وفهمه منها. وتبقى فيها أسرارها المدركة والغير المدركة. والقرآن الكريم قال عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : "يأتي القرآن يوم القيامة بكراً". بكر أي كأنّه لم يُلْمَس ولم تغرَفْ معانيه إطلاقاً، لمدى إطلاقه الذي لا يُحدّ ولا ينتهي ولا يحاطُ به، تعالى الله سبحانه أن يُحاط بكلامه، وصفاته، وتجليّاته.

وعليه فالخلاصة أنّ جميع الحقائق مذكورة، وأقصِدُ الحقائق العالية العامّة والمجملة لا التفصيل. فحينما يقولُ سيّدنا علي بن أبي طالب باب مدينة العلم عليه السلام ((إعلم أنّ جميع أسرار الكتب السماوية في القرآن، وجميع ما في القرآن في الفاتحة، وجميع ما في الفاتحة في البسملة، وجميع ما في البسملة في باء البسملة، وجميع ما في باء البسملة في النقطة التي تحت الباء، قال الإمام علي كرّم اللّه وجهه: أنا النقطة التي تحت الباء.)). اه.

فذلك أنّ النّقطة هي نقطة الذات والهوية، التي جمعت فيها كلّ العلوم وخرجت منها كلّ العلوم والتجليّات. كما نقطة الحبر والمداد، فكلّ ما يُسطرُ هو راجعُ للنقطة في التحقيق والتدقيق. وسمّي علياً لا صدفةً، ولكن لهذا المعنى أن يكونَ باباً لمدينة العلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أي يمرّ جميع المشايخ والطرائق عبر باب مدينة العلم ثمّ مدينة العلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو حجاب الله تعالى ووسيلته.

بيدَ أنّ في معنى قوله عليه السلام وأنا نقطة الباء، أي أنّه تحقّق بالباء وتحقّق بالألف. فإن كان النقطة فهو بالأحرى الألف والباء وغيرها من الحروف.

وذلك يعني أنّه خليفة وقته، وهكذا كلّ وراث لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهو خليفة.

أي بمعنى آخر أنّ عالم التجلّي اقتضى ظهور الحروف وكلّ حرفٍ له دلالة في عالم الحقائق، فالألف هو الخليفة والباء هو الرسول والواسطة، هكذا .. وعليه فرسول الله صلى الله عليه وسلّم هو الباء بالأصالة، وهو الألفُ بالتحقّق وهو النّقطة التي هي سرّ الألف، فافهم. فالإمام علي هو النقطة وهو باب مدينة العلم، فبالأحرى والأولى أن يكون مدينة العلم صلى الله عليه وسلّم هو النقطة وما حوته من علوم وتجليّاتٍ.

والرّسول صلّى الله عليه وسلّم هو النّقطة لأنّه صاحبُ القلبِ القارئ للعلوم المنزلة، والقراءة لا تقعُ إلاّ بالنّقطة التي هي رمز الذات الساذج، وسرّ الذات، أو سرّ الألف، وإليها يعودُ كلّ شيءِ، وجميع التجليّات والعلوم. فمن النقطة برزت الحروف والكلمات جميعها.

فهنا توضيحٌ للحقائق العاليات، ومعى الخلافة، فالألف كمظهر أصاليّ ذاتيّ هو الألف وهو الخليفة، وهو خاتم الأولياء عليه السلام. بالمظهر الأصاليّ كألف أصيل لا بالنيابة. ولكنّ جميع الخلفاء المحقّقين هم بالنّيابة ألف، وقد تحقّقوا بالنّقطة. أي بعد الفناء صاروا ألفا وخليفة، فهم خلفاء يعودُ لهم جميع ما في الوجود وما في الكتاب.

إنّما وقعَ الفرقُ والتفريقُ، في الأرض، أرض التجلّي وأرض الكلمات والحروف والسّطور، هناك تميّز الخليفة بذاته الذي هو الخليفة وجميع الذين نابوا عنه، هم نوّابٌ عنه، فالمملكة مملكته، والحروف ترجِعُ إليه فهو ألفُها مادة سطورها ورسمها وتجلّيها.

بيدَ أنّهُ في الحقائق ما ثمّة سوى النّقطة والألف خليفتها، فكلّ متحقّق قد فنى عن مظهره الشخصيّ فهو بروحه وحقيقته ألف، ونقطة جمعتْ فيها أن تكونَ ألفاً وباءً وغير ذلك، فمن صارَ ألِفاً، فقد جمع جميع ما تجلّى لأنّه تحقّق بمادة الحبر.

والألِفُ هو الخليفة خليفة النّقطة النّقطة المتعالية عن الإدراك والتنزيه والتشبيه، فهي في عليائها غير مدركة الكنه وفيها انطوى كلّ شيءٍ.


************************** 


وعن الباء التي جمعت كلّ شيءٍ فيها كما جاء في الأثر، فرسمُ الباء هو ألف ممدّد ( ا ) وتحته نقطة (ب). الباء هو الحرف الثاني في الترتيب، لأنّ الأوّل هو الألف.
الباء يرمز إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولذلك جمع فيه كلّ أسرار القرآن والوجود، وهو باء الواسطة، ورسمُهُ فيه هذا المعنى، معنى الواسطة والحجاب على الحرف الأوّل القديم الألف الذي هو مادّة الحبر وعلم النّقطة المكتنز فيها في حضرة القدم، أي حرف الألف القديم الذي هو الخليفة، فهو خليفة النّقطة في الظهور إلى أرض السّطور، ولكنّه ذاتُ النّقطة المكتنزة في غياهبها المتعالية عن التنزيه والتشبيه، إنّما ظهرَ حرفاً لأنّ مدد النقطة وعلمها وتجلياتها وصفاتها وبحرها المكتنز فيها لا يظهرُ إلاّ بالألف، ولا يتجلّى إلاّ بالألف. فهو النقطة امتدت بُعدا وأبعاداً، ففي حضرة القدم وأمّ الكتاب وفي دواة الحبر هو الألف الذي لم تتميّز حروفه وكلماته عن بعضها ولم تتميّز معانيها عن بعضها البعض، وإن كانت هناك مودعةً في غيب النّقطة وبحرها. فما تميّز هناك العلوّ والسّفل في بحر النّقطة وفي أبعاد الألف التي لم تتجلّى بعدُ.

فكان الباء هو أوّل حرفٍ يخرجُ إلى وجود التجلّي، ومن أجلِه خلق الله سبحانه باقي الكلمات والحروف والمعاني، لأنّ الله سبحانه كان في كنزيّته مخفياً ألِفاً مكتنزاً في النّقطة، أو ألِفاً معبّراً عن الوحدة المطلقة حيث لا تمايز بين التجليّات، فافهم، فلمّا أرادَ أن يتجلّى، أحبَّ أن يُعرفَ، فخلقَ نسبةً بها يعرفُه خلقُه، وتلك النّسبة هي حرفُ الباء، فكانت صورة حرف الباء ورسمُه، دالٌ على هذا المعنى.

فالباء جاء على صورة ألف -كما ذكرنا- ممتدّ وتحته نقطة، فهو ألف الصفّة صفة الألف وتحته نقطة وهي سرّ الألف، أو نقطة العروج إلى سرّ الألف لشهود جميع ما تجلّى به الله سبحانه وما خلقه، إنّ الألف بذاته سرّه فيه، لم ينفصل عنه، ولمعرفته وخلافته سبحانه خلق الله سبحانه برزخاً هو النّقطة، وهو البرزخ الرّحمانيّ، أي برزخُ الرّحمة الذي منه تجلّتْ جميع التجليّات وظهرت الحروف والكلمات، فكانت نقطة الباء معبّرةً عن ذلك البرزخ منفصلة الرّسم عن الألف الممدّد كأنّها برزخ شهود لما تجلّى بالألف من رسمٍ وحروف وكلمات وتجليّات فتأمّل. فكانت الباء برسمِها موحيةً لهذا المعنى ، معنى شهود ما ظهرَ به الألف، وأنّها النّسبة والواسطة بين الخالق والمخلوق، بين الألف القديم وتجليّاته وخلقه وكلماته وحروفه وآثاره.

ويمكنُ القولَ والتوضيح أكثر، فتنبّه. أنّ نقطة الباء هي برزخ رحماني لشهود باقي التجليّات التي هي دون البرزخ الرّحماني، وهي بذاتِ الوقت أي هذه النّقطة عند التحامِها بالألف، تصبحُ سرّ الألف الذاتيّ، ومجلى الإسم الأعظم. وهو شهود حضرة القدم، والعماء. شهود الواحدية بشهود الألف المتجلّي قبل التمايز، وشهود حضرة الأحدية والعماء الساذج. وهي في هذا الالتحام مقام الولاية الكبرى والختمية والإسم الأعظم، وهي في كونها منفصلة مقام النبوّة والرّحمانية. فالنّقطة نقطة الباء إسقاطُها هو القلب، والألف المدّد هو الرّوح. وعند نزول الرّوح على القلب، يتأيّدُ العبدُ بالروح القدسيّ. ويحدثُ الالتحام ويصيرُ القلبُ عين الرّوح، أو سرّ الرّوح. فهو شاهدٌ للرّوح وما تجلّى فيه. وهي هنا معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم "خلق الله آدم على صورته".

خلق الله سبحانه الباء أوّل حرفٍ وجمعت فيها كلّ ما ظهرَ به الألِفُ من صفاتٍ وتجليّاتٍ وكلمات وحروف، فكانت الباءُ هي صفةُ الألف، لأنّ الألِف هو روح النّقطة وصفتُها من وجه، ولكنّه ذاتُها لا غير، فالنّقطة ليست سوى ألِفٍ جامعٍ لما اكتنزتْ فيها، فتأمّل. فهو أي الألف ذاتٌ وصفة، ولكنّه مثّل الذات في التحقيق، وفي وجوده يرتفعُ كلّ وهمٍ وكلّ موجودٍ غيره، فلا يبقى إلاّ هو اي الألف. فكانت الباءُ هي صفة الألف، هي الألف من حيث كونِه صفةً فافهم، ورسمُها كما أشرنا دلّ على ذلك، ألف ممدّد وتحته نقطة الشهود ونقطة السرّ ونقطة البرزخ.

ولذلك كان صلّى الله عليه وسلّم هو صاحب الأسماء والصفات، وصاحبُ الكمالات التي ظهرَ بها الألف، لأنّ الباء هي نقطة شهود كمالات الألف من سرّه، ومن برزخ الرّحمة الذي هو منهُ فاضتْ الكمالات وفاضتْ التجليّات، فهو أعلى مظاهر الوجود، لأنّ الوجود لمّا برزَ إلى الوجود أي وجود الحدوث والخلق، فقد تدرّجتْ أطيافه واعتباراته ومنازلُ التجليّات فيه وآثار الأسماء والصّفات، فبهذا الاعتبار، اختفى الألف وإن كان ظاهراً، فلا موجود سواه، وظهرتِ باقي الرّتب الاعتبارية التي قامَ عليها الوجود وقامتْ عليها المنازل والمعاني والمباني، فكان الباءُ (ب) هو أعلى مظاهر هذا الوجود لأنّه حرفُ الشهود ونسبة تعرّف باقي الحروف والموجودات على أصل الوجود وخالقه وهو الألف. فافهم.

وكان الباء هو بابُ الألف وحجابه وواسطته ومظهرُ أسمائه وصفاته، لأنّه عينُ الألف ولكن صفةً وظلاًّ لا ذاتاً ولذلك جاء رسمُه كما أشرنا، انفصلتْ فيه النقطة انفصالاً اعتبارياً، دلّ على الخلقية فافهم، ودلّ على النّسبة التي بها يُعرَفُ الله سبحانه من خلقه. ومن هنا سمّي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الحقيقة المحمدية، أو سمّيت الرّوح بالحقيقة المحمديّة، تسميةً للدّلالة على صفتها، لا ذاتِها. فما للذاتِ في المخلوقات ذوقٌ ولا حلولٌ تعالى الله سبحانه عن ذلك، فالألف ألف متصّل، هو عينُ الصفات التي تجلّت بذاتها، وعين التجليّات والمخلوقات، فلا موجود سواه، هو عينُ النّقطة المكتنزة في كنهها الغير المدرك. فتأمّل هذا العلم فهو لبابٌ. فالله سبحانه متعالٍ عن الخلق.

وإنّما كان حرفُ الباء أوّلَ الحروف وأقربَها للألِفِ وحاملَ صفته وجميع تجليّاته كما ذكرنا. وهو النّسبة بين الألف وباقي الحروف والكلمات والتجليّات والمخلوقات. ومن أجله أي من أجلِ الباء خلق الله خلقه وأبدع كونه ووجوده، ليعرفوه ويشهدوا ما خلق به سبحانه، من برزخ الرّحمة الذي خلقه منهم. وكان الباء هو برزخ الرحمة وبرزخ الشهود ونسبة التعرّف. وتلك النقطة تحت الباء هي نقطة اعتبارية هي نقطة السرّ، بها يُشهدُ سرّ الألف والألف، ولكن من غير إدراك لكنه الألف والنّقطة فافهم، من غير إدراك لكنه الذات تعالى الله أن يحاط به سبحانه. فجميعُ الخلفاء الإنسانيين ظلالٌ لهذا الألِفِ الخليفة الإنسانيّ الأوّل، الذي هو عينُ القديم في كنهه وذاته وروحه وسرّه. وإن صحّ لهم في التحقيق التحقّق بالألف، وشهود حضرة القدم، بل وشهود حضرة العماء والأحدية. فهم بالولاية وخلافة الألف، نالوا مقام الألف وصورته ظلاًّ وشهوداً لا ذاتاً، فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو أوّل سابقٍ تحقّق بصورة الألف وبه نالَ المقام المحمود، فهو البرزخُ بين الباء المطلّة على الخلق، والألف القائم في حضرة الذات والعماء. وعلى قدمه سار الخلفاء والورثة الأولياء.

فهذه حقائق عالياتٌ، فلا وجه للتشابه بين الأصل والنسخة، وبين الخالق والمخلوق وإن كان هذا المخلوق إنساناً على الصورة، وله من صفات الأوّل سبحانه، ولكن هناك انفصال اعتباريّ هو نقطة الخلقية، فافهم. وغاية الكمال الإنساني المخلوق كان في حرفِ الباء الذي هو خير الخلق وصفوتهم وأكمل الكملاء وباب الخلق على الله وحجابه الأعظم وحامل صفة الألف بكماله وجميع تجليّاته، كما هو رسمُه وخلقُه الدّالُ على ذلك. ولكنّ الألف الأصليّ هو الذي استقلّ بنفسه، وهو الذي منه ظهرَ كلّ شيء، وهو حامل الكنه وسرّ الذات، إذ هو عينُ الذات والكنه. والله أعلى وأعلم.