الأحد، 14 يونيو 2015

حامل لواء الذات القائم بحقّ حمد الله المهدي 75

 لن تهلك أمة أنا في أولها وعيسى ابن مريم في آخرها والمهدي في وسطها
 أضيف للمدونة بتاريخ : 07 أكتوبر 2015
كتب بتاريخ : 14 يونيو 2015
______________________

عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لن تهلك أمة أنا في أولها وعيسى ابن مريم في آخرها والمهدي في وسطها " حديث حسن. رواه النسائي وأبو نعيم والحاكم وابن عساكر.


__________________

إنّ هذا الحديث الشريف النبوي العظيم يبيّنُ عن عظمة هذه الأمّة في كونِها تجمعُ تلك الأسماء الثلاثة في وجودها وفي حقائقها، "لن تهلك أمّة أنا في أوّلها ". فرسولها هو المبعوث رحمة للعالمين نبيّ الأنبياء عليه وعليهم السلام ورسول ربّ العالمين إلى الناس أجمعين، وخير خلق الله وصفوتهم المصطفى أحمد الأمين، الذي جاء بأعظم شريعة وختمَ الدين وكمّله وختم الرسالات السماوية، وفتح باب الأحمدية بكونه صلوات الله وسلامه عليه الحجاب الأعظم والدّليل الأوحد الهادي إلى الله تعالى سبحانه.

فهو أوّل هذه الأمّة وقائدها ودليلها وقدوتها، فكيف تهلك ؟ وقد جاء في رواية أخرى نصّ الحديث "كيف تهلك أمّة ..؟" بصيغة كيف الاستفهامية الدّالة على معنى لن النافية. أي تعجّباً واستنكاراً كيف تهلكُ أمّة هو أوّلها صلى الله عليه وسلّم. وعيسى ابن مريم آخرها. أي ختامُها مختومٌ من ربّ العالمين بكلمته وروحه المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام، الذي هو نبيّ روح القدس، فكيف يُعقلُ أنْ تنفلِتَ وتبيدَ وتضلّ ضلالاً لا رجعة فيه ولا أوبة، وختامُها المسيح روح الله الذي نزولُه هو نزول روح القدس إلى الأرض التي تقدّسُ كلّ شيءٍ وترجِعُهُ إلى أصلِهِ وحقيقته، فلا يبقى إلاّ ولاءُ الأشياء إلى ربّها ولا يبقى إلاّ المعنى المقدّس في كلّ شيءٍ، وتزولُ نفثات الشيطان وصولات الدجّال وأوهامه التي دجّلها عبر القرون والأحقاب، فختامُ هذه الأمّة هو نزول روح القدس، أو نبيّ روح القدس، لأنّ المسيح عيسى بن مريم مثّل روح القدس نبوّةً، وصفةً. لا ذاتاً. ولذلك جاء في الحديث الشريف قوله صلّى الله عليه وسلّم والمهدي في وسطها.

وجملة المهدي في وسطها، عجيبة، ودالّة على كثيرٍ من المعاني والدّلالات في عالم الحقائق، التي تفوقُ تفسيرَ من يأخذونَ الأحداث والأمور بظاهرية وتاريخية ظهورية.

أوّلاً فمعناها هو ما يُوافِقُ ما يتبادرُ إلى الأذهان، ويقعُ في الظاهر، وهو ظهورُ المهدي عليه السلام قبل المسيح ابن مريم عليهما السلام، المهدي الذي يقيمُ العدل والخلافة الراشدة على منهاج النبوّة، ويحرّرُ الأمصار ويفتحُ القسطنطينية ورومية. فيعزُّ الإسلامُ في وقته أيّما عزّ ويقامُ العدلُ غاية العدل. ولكنّ المهدي كما هو معلومُ يخرجُ في زمنه الدجّال بعد فتح روما. فيفسدُ في الأرض وتظلمُ به ظلمةً كبرى، حتّى ينزلَ روح الله المسيح ابن مريم عليهما السلام عند منارة دمشق، ويصلّي خلف المهدي ثمّ يقتل الدجال ويقضي عليه عند باب لدّ. وهذا معنى الحديث الشريف.

وقولنا مثّل المسيح روح القدس صفةً ونبوّة لا ذاتاً، هو سببُ ورودِ ذكر المهدي عليه السلام في وسطها من جهةٍ، ليُعلمَ أنّ روح القدس ما كان لينزل لولا وجودُ المهدي عليه السلام، لأنّه صاحبُ روح القدس بالأصالة، فتقديسُ الإمام المهدي لا يعكِسُهُ سوى نزول روح الله المسيح ابن مريم ولكن نزولاً لتقديس الأرض كلّها والقضاء على دجّالها وشرّها وكسر صليبها وتجديد أرضها وزرعها وخيرها، فتتجدّدُ الأرضُ وتخضرُّ وتتقدّسُ وتذهبُ الصفاتُ السبعية والوحشية ويرتفعُ الشّنآنُ بين العباد ويزولُ الأذى ولا يبقى إلاّ السلام والخير في زمن المسيح عليه السلام بعد زوال ياجوج وماجوج. وهو معنى تجلّي الإسم الأعظم على الأرض. وذلك لا يكونُ تحقيقاً إلاّ بصاحب الإسم الأعظم المهدي عليه السلام، فهو سبب نزول روح الله المسيح. لأنّ المهدي يُبعثُ رجلاً من آل البيت، وهذه النّسبة الطينية يجتمعُ له فيها معها نسبته المكنونة في الولاية، فيظهرُ بالأضدادِ هذا الوليّ، ويُعطي معنى الولاية بالأصالة، فالولاية فيه مكنونة، وله التصريف قبل تحقيق شرائط القطبية والتصريف والولاية التي كان يتحقّقُ بها سائرُ الأقطابِ ليعطوا تلك الولاية وتلك القطبية وذلك التصريف، أمّا المهدي في نسبته الطينية ابتداءً وفي تركيبه العنصريّ، يكونُ وليّاً، إليهِ ترجعُ التجليّاتُ، وبه ينعكِسُ ما في العالَم من أحداث وحقائق. ولذلك كان هو الوارثُ للأرض الوحيدُ، والمؤهّلُ أن يُصلحَها وهو صاحبُ الأمانة وصاحبُ الأمرِ، لا يملكُ الجميعُ ما يملِكُهُ من كونِهِ صاحب الذاتِ الذي إليه ترجعُ حقائق الموجودات وأعيانُها، وبولايته وملكيّته وقطبيته الأصيلة المكنونة فيه، يرِثُ عرش الموجودات ويعيدُهُ إلى التقديس والصّلاح الأعظم بعد صلاحه هو. وهذا يعكِسُ قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمهدي في وسطها، أي لولا وجود المهدي ما نزل المسيح عيسى ابن مريم ذلك النّزول الأخير ليقدّس الأرض ويقتل دجّالها ويكسر صليبها ويقتل خنزيرها ويُذهِبَ شرورها ويبعث سلامها وخيرها. وهذا معنى قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَرِث الْأَرْض وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} سورة مريم-40. ومعنى قولهم إلى أن يرِث الله الأرض ومن عليها. فبعثة المهدي وظهوره هو علامة قيام الساعة ويوم القيامة ووراثة الأرض لصاحب الأمر.

وكذلك قال الإمام الجيلي قدّس الله سرّه في قوله تعالى : {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}. الأنبياء-105. قال هو خليفة الله المهدي الصالح للوراثة الإلهية، الذي يستأثِرُ بالخلافة الإلهية الذاتية لخصوصية ليست في غيره. قلت ليست في غيره ولا ينبغي أن تكونَ في غيره. لأنّه صاحبُ الملك والذاتية والوليّ بالأصالة كان وليّاً وآدم بين الماء والطين.

ولعبارة : والمهدي في وسطها، دلالة أخرى، ومعنى ثانٍ، دلّت عليه لفظة في وسطها. والوسط هنا كما احتملَ البينية بين الأوّل والآخر وهما رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسيح عليه السلام، فهو يحتمِلُ معناه الظاهر في كونِ المهدي في وسط الأمّة، وليسَ في أواخرها وحسب، والمعلومُ أنّ ظهورَ المهدي هو علامة الساعة وفي آخر الزمان، فكيف جاء التعبيرُ في وسطها ؟

وقد دلّت العبارة على ما أسلفنا ذكرَهُ من كونِ المعنى يتجاوزُ المفهوم الظاهر الذي ذكرناه ويتبادرُ إلى الأذهانِ، أي والمهدي في وسطها، فالمقصودُ به والله أعلى وأعلم هو الأحمدية التي فتحها النبي صلّى الله عليه وسلّم بقدومه، بابُ الولاية الذي انفتحَ لهذه الأمّة المحمدية المرحومة الجتباة، فالولاية والخلافة والأحمدية نالَها أولياء الأمّة المحمدية وتوارثوها بموجبِ وراثتهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكن ورثوا عنه الولاية لا النبوّة، فالنبوّة ختمها وسدّ بابُها، والولاية هي للوليّ الخاتم بالأصالة وهو المهدي، فقد صارَ ظهورُ الأولياء والخلفاء بثوبِ الخلافة والولاية العظمى هو معنى وجود المهدي في وسط الأمّة، فكلّ خليفة ووليّ كامل وقطبٍ هو نائبٌ عن الوليّ والقطب الأعظم، سواء كان الوليّ في مقام القطبية أو كان في مقام الفردانية والأحمدية، فهو نائبٌ عن القطب الأعظم والوليّ الخاتم المهدي عليه السلام. فهذا معنى وارِدٌ جداً وتدلُّ عليه اللفظة في وسطها دلالة كبيرةً، كون المهدي لا يظهرُ في التحقيقِ إلاّ في آخر الزمان وعند أوان الساعة ويوم القيامة كما ذكرنا آنفاً.

فأحمد هو إسمُ الولاية والخلافة، والأولياءُ خلفاء وورثة للرسول صلّى الله عليه وسلّم لأنّه أوّل عبدٍ حاز على المحمدية والأحمدية، فهو الذي اسمُه محمد وأحمد صلى الله عليه وسلّم، والورثة خلفاءٌ له، ولكنّه صلّى الله عليه وسلّم حاز على الأحمدية منّة إلهية ونيابة عن الله تعالى في مقامِ الإسم الأعظم، وصاحبُ هذه الأحمدية بالأصالة وصاحبُ الولاية الخاتمُ هو الخليفة الإمامُ المهدي عليه السلام. فهذا علمٌ محقّق ثابتٌ لا مريةَ فيه. فالمهدي هو صاحبُ أخلاق الله تعالى بالأصالة، هو روحُ القدس ذاتاً، ولذلك ذكرنا في البداية أنّ المسيح مثّل روح الله نبوّة وصفاتٍ. لأنّ عرش الخليفة عند تقديسه، لا يحكمُه سوى روحِ القدُس، الذي مثّل القدسية في الأرض، أمّا الخليفة الإمام الأعلى فيطلعُ شمساً مغربيىةً في عرش المجذوب الذي تقومُ فيه الصراعات الكبرى، وتقومُ فيه الخلافة الراشدة على منهاج النبوّة ويقعُ فيه الجهاد، فافهم. فعرشُ المجذوب لم يتقدّس بعد، لذلك يقومُ فيه الجهاد وتقعُ فيه الملاحمُ الكبرى والفتوح الكبرى التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم:

عن جابر بن سمرة عن نافع بن عتبة قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة . قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم قوم من قبل المغرب . عليهم ثياب الصوف . فوافقوه عند أكمة . فإنهم لقيام ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد . قال فقالت لي نفسي : ائتهم فقم بينهم وبينه . لا يغتالونه . قال : ثم قلت : لعله نجي معهم . فأتيتهم فقمت بينهم وبينه . قال فحفظت منه أربع كلمات . أعدهن في يدي . قال " تغزون جزيرة العرب ، فيفتحها الله . ثم فارس ، فيفتحها الله . ثم تغزون الروم ، فيفتحها الله . ثم تغزون الدجال ، فيفتحه الله " . قال فقال نافع : يا جابر ! لا نرى الدجال يخرج حتى تفتح الروم .

أي فنصّ الحديث الشريف : " تغزون جزيرة العرب ، فيفتحها الله . ثم فارس ، فيفتحها الله . ثم تغزون الروم ، فيفتحها الله . ثم تغزون الدجال ، فيفتحه الله ".

فالغزو في الحقيقة يقعُ من المؤمنين وعلى رأسهم المهدي عليه السلام، وآخر الجبابرة والمفسدين هو الدجال، يغزوه المؤمنون ويفتحه الله تعالى. بخلافِ ما يبدو للنّاس وفي الظاهر أنّ الدجّال هو الغازي.

وفي عالم الحقائق المهدي هو الذي يتسبّبُ في ظهور الدجال العلنيّ وغزوه والقضاء عليه أخيراً، بتقديس عرشه ونزول روح الله المسيح ابن مريم عليهما السلام.

فهذه حقائق كبرى عزّت على كثيرٍ من الأفهام.

والله يقولُ الحقّ وهو يهدي السبيل.