الاثنين، 20 مايو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 17

- 17 -

قال الله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} الإسراء -1

أسرى الله بعبده : المهدي ليلاً من المسجد الحرام أي من القلب إلى الأقصى أي إلى الرّوح، وقبلَ أن يتحقّق الإسراء نعته بالعبودية والعبدية، فهو عبدٌ قبل ذلك الإسراء متحقّقٌ بتلك الذاتية والجسم الإسرائيليّ الذي به صحّ له هذا الإسراء من القلب مقام الأفق المبين إلى الرّوح، وفي مقامِ الرّوح يصحُّ للعبد فتوح ما حوله من الأراضي والداوئر النّفسية، فباطناً فتوح الدوائر النفسية السّبع. وفي الظاهر هي فتوح المهدي الظاهر بعد أن يقيمَ خلافته في بيت المقدس. وذلك في قوله تعالى "الذي باركنا حوله" أي من يملك القدس والأقصى تتباركُ له الأراضي وتتوسّع له دائرة الفتوح. وهنا أسرارٌ وحقائقٌ.

ففي سيرة المهدي آياتٌ بحقيقة منزلة بيت المقدس في الأرض، وفي نفس الوقتِ آياتٌ في الحقائق، لتمييز الغثّ من السّمين، والأصليّ من المزيّف، والموصول من المنقطع.

فالمهدي لا يقيمُ بيت المقدس عاصمةً حتّى يبايع بين الركن والمقام بمكّة ويملكها، فافهم، وذلك علامةُ كونِه العبد الذاتيّ في قوله تعالى "بعبده". فهو عبدٌ ذاتيّ يبايع عند الكعبة والمسجد الحرام رمز الذات والحرم القدسيّ. فحين يسري بروحه يسري موصولاً بين القلب والرّوح، بين السرّ والرّوح. ويكونُ له نافذةٌ من الرّوح القدسيّ على قلبه. وهي حضرةُ فنائه في جذبه.

بخلاف الدجّال وواجهته بني صهيون الذي يحتلّ بيت المقدس ولا صلة له قدسية وذاتية.

واحتلاله بيت المقدس، يدلّ على علم الدجّال بحقيقة امتلاك العالم والهيمنة عليه من خلال الهيمنة على بيت المقدس. فما حدث للدجّال اكتساح العالم وغزوهم هذا الغزو الأثيري والعالميّ والكاسح إلاّ باحتلال بيت المقدس. وإذا رأيتَ جماعةً حرّرتْ بيت المقدس "زعماً" من غيرِ امتدادها للكعبة ومكّة أوّلاً فاعلم أنّها جماعة مدخولة. مبتورة عن الحقائق صورة دجّالية لا غير. والدجّال غير قادر على دخول مكّة ، ليُعلمَ أنّه منقطعٌ عن حضرة الذات الحضرة القدسيّة، ولا يدخلُ المدينة المنوّرة لأنّها رمز الحضرة المحمديّة فهو منقطعٌ تماماً عن دائرة الأخلاق الربّانية والشريعة والرّحمة والفطرة، فهو عكسُ الرّحمة ومقلوب الفطرة ومنكّس الأخلاق ومدجّل الشرائع السماوية. فافهم

لذلك لم يقدر المسلمون على فتح وتحرير فلسطين وبيت المقدس، لأنّهم لا يملكون ذلك التأييد الذاتيّ والامتداد للكعبة والحرم المكّي. كما فتحها صلاح الدين الأيّوبي الذي وحّد المسلمين أوّلاً وامتدّ ملكه وخلافته في الحجاز ومصر والشام. بخلاف زمننا الذي صار الحجاز قطعةً يستولي عليها الدجّال من خلال ملوكها العملاء. فهذه حقائق.

وتفهمُ لماذا كان من أوّل أعمال الاحتلال والهمينة الدجالية هو إسقاط الخلافة الإسلامية الجامعة، مهما كانت ضعيفة وشكلية ففي وجود الخلافة وامتداد الحجاز للخلافة سرّ عظيمٌ وحقائق، ففصل الدجّال الحجاز عن الأمّة، وأقامَ عليها خونةً عملاء وضمنَ بذلك عدم قيام قائمة للأمّة بعدما فصلها عن امتدادها الذاتي والأصليّ، ثمّ فرّق الأمّة دويلاتٍ ومماليك، ثمّ احتلّ فلسطين وبيت المقدس وفصل الأمّة تارةً أخرة عن روحها، فافهم.

فإذا أقام المهدي عاصمته ببيت المقدس حينها تتبارك له الأرضُ وتفتحُ له حتّى يصل روما ويفتحها، وهي آخر الدوائر القلبية والنّفسية باطناً، فعلامة فتح الأمصار هي فتح الدوائر النّفسية وآخرها كنيسة النّفس، وكسر صليبها وفتح دائرة القلب بتهليل وتكبيرٍ، وتبدأ رحلة عروج المهدي عليه السلام المجذوب العروج الذاتي إلى السماء.

وهنا حقائق مترابطة، لذلك يخرجُ الدجّال وتظهرُ حضرته بعد فتح القسطنطينية الكبرى، لأنّ الأرض هي مجال التجليّات الخلقية الأرضية، أمّا عروج السّماء فتبدأ رحلة الحقائق العليا والمعارف الكشفية التي تبدأ من دائرة الرّبوبية. قبل استواء الإسم الأعظم وحصول النزول والمحق الذاتيّ.

فيظهرُ المجذوب بحضرتين في هذه المرحلة، ويخرج دجّاله وسامريّ نفسه الذي لا يقوى هارون عقله وعلمه أن يدفعَ سامريّ هواه وطبيعته السّفلية العنصرية في غياب الرّوح القدسيّ الذي لمّا يصله المهدي المجذوب في رحلته وجذبه بعد، فيرجعُ المهدي الظاهر إلى بيت المقدس معتصماً بها، ويخرجُ الدجّالُ في غضبةٍ بعدما جرّدهُ المهدي من أعوانه وحلفائه وكسّر لعبة خفائه التي هي لعبته المفضّلة وظلّ يتوارى بها قروناً وقروناً ليكيد ويفسد في الأرض، ويحرّف الأديان والقيم ويدجّلها تدجيلاً. بخفاء ودسّ وتلويثٍ من حيث لا يدري الكثيرون. لذلك سمّي الدجّال. فيكسرَ المهديُّ الإمام لعبته ويهزم جميع حلفائه وأراجوزه الذين كان يجنّدهم لنصرة مذهبه وتوطئة دولته، فيغضبُ غضبته ليخرجَ هذه المرّة بنفسه بأتباعه الأصليين وهم يهود أصفهان الذين ظلّوا متواريين في الظلّ والخفاء طوال القرون والقرون. ومعهم شرار الخلق طبعاً يموجون فساداً في الأرض. لهم مدّة أربعين يوماً.

وكذلك خرج السّامريّ في قوم موسى عليه السلام أربعين يوماً حين غاب موسى عليه السلام وذهب إلى ميقات ربّه، واستخلف هارون أخيه في قومه فلم يقدر هارون أن يمنعهم من فتنة السّامريّ. وهنا إشارةٌ وعلمٌ أنّ مقام العلم المجرّد من الرّوح القدسيّ، ومقام العقل بلا روح القدس وجهاد النّفس لا يقدرُ على دفع سامريّ الهوى والنّفس الذي يخرجُ فاتناً داعياً لعبادة الهوى وطباع النّفس وبهيميّتها وسوئها. فكلّ هذه الحقائق التي مرّ بها الأنبياء عليهم السلام تُجسّدها حضرة المهدي عليه السلام لأنّه الأصلُ الذي ظهرت به تلك الحقائق والمقامات والفصوص النبويّة.

يتبع ..