الأربعاء، 8 أبريل 2015

حامل لواء الذات القائم بحقّ حمد الله المهدي 72

أضيف 07/10/2015
  زماننا يطلبُ العُمق والحقيقة في المفاهيم ..

بسم الله الرحمن الرحيم

إنّ آخر الزّمان، وأقصِدُ زماننا هذا الذي تحوّلت أحواله واستغربتْ وجعلت الحليم حيران، والعاقل دهشان، والطيّب غلبان، وقلبت مفاهيمه وعناوينه، وتزيّنت فيه الدّنيا وتقوّت فيه الشهوات والمادة. هذا الزّمان إنّما هو كذلك لأنّه صورةٌ مختلفة نوعاً ما عمّا سبق من الأزمان والأعصار.

فهو صورة الحقائق وظهور آثارها في الواقع والدنيا، لذلك تستعجِمُ فيه الكثيرُ من المفاهيم السّابقة لا استعجاماً بمعنى عدم الصلاحية، ولكن استعجاماً يذهبُ إلى استنزال بطونها وحقيقتها لكي تُفهمَ على وجهها الصّحيح. فالظاهرُ فيها لم يعُدْ يشفعُ، وربّما حتّى لم يعُدْ ينفع. كثيرٌ من المفاهيم والمعاني التي كان القدامى يستندون إليها، اليوم صارَ لها وجهٌ مختلِفٌ، منكورٌ من جهةِ أنّها غير شافعة ونافعة كما كانت، ومطمورٌ يَطلُبُ أن يُكشفَ عن حقيقته وجوهره الذي كان يغذّي جميع ما سبق من مفاهيم تناوبَتْ عليه ظاهرةً وباطنة، إذ البُطونُ اليوم صار ذاهباً إلى أقصاها كما هو الظهورُ اليوم ذاهبٌ إلى أقصاه في عالم الحقائق والتجليّات. ولذلك اختلف الزّمان اختلافا عظيماً، زلزلَ تجلّي بطونُه وحقائقُه أرضَ الظواهر وما تراكمَ على عوالم الخلق والنّاس يحسبونه ثابتاً، أو عقيدةً نهائية، وظهرتْ من هذه الزلازل الشديدة والبراكين الثائرة من حمم البطون مفاهيمٌ جديدة، وعقائدٌ كانت باطنة، استنادُها على ذات الأسس التي كانت قائمة، ولكنّ الرّبط بين تلك الأسس وهذه التي بدأت في التجلّي هو الذي استجدّ فأفغرَ الأفواه والعقول دهشةً وحيرةً، وهوّمَ القلوب في متاهاتِ الاستعجام.

ومن حقائق هذا الزّمان، أنّ التصرّف ارتفعَ عن جميع دوائره الصّغرى التي كانت سابقاً تتداولُه، ولم يبقَ إلاّ تصرّف صاحبه الأصليّ، القطبُ الذاتيّ. لأنّه زمانٌ من بين ما فيه وقوع الظلم العظيم، كذا قال بعض العارفين بالله، فرحمة بالخلق لم يترك لهم الله أن يتصرّفوا فيظلموا ويتحمّلوا ما يقعُ فيه، ... وهو إن بدا ظلماً في عالم الأسباب، فهو في عالم الحقائق عدلُ تجلّي جميع الحضرات التي يستوجبُها تجلّي أسماء الله سبحانه وصفاته العلى التي لم تُغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ دخل تحتَ حيطتها، فله سبحانه ملكوت السموات والأرض وملكوت كلّ شيءٍ ولا شيء يخرجُ عن ملكه وملكوته فافهم. لذلك لم يبقَ التصرّفُ إلاّ لصاحب الحقيقة المتجلّي بالخلافة بالأرض. الخليفة الذاتيّ. خليفة الله سبحانه.

ولذلك فإنّ ظهور الخلافة الإلهية لا يقعُ إلاّ بقيامِ الساعة، لأنّها عينُ ظهور شمس المغرب التي تجري بنفسها في عرش الخليفة. فتُعطي إذا ذاك عدل جميع الحضرات، حضرة شمس المغرب التي هي الخلافة الإلهية وتجلّي العزّة فيها للحقّ، عدلاً مُحاطاً ظاهراً يشملُ الأرض، فتمتلئ الأرضُ قسطا وعدلا كما كانت قبل ذلك قد امتلأت ظلماً وجوراً. وتتجلّى فيها حضرة الإسلام مشرقةً من جهةٍ واحدة على الخلق والنّاس. فتجمعُ المؤمن الصّادق والمستدرج المغبون ومنه المنافق.

ثمّ حضرة الدجّال التي تلي حضرة شمس المغرب، ولذلك تليها فهي حضرة تمايز حضرة المؤمن الصادق والمستدرج المغبون والمنافق، فيها تُفتنُ القلوبُ فتناُ كبرى وتتزلزلُ زلزالاً شديداً، لتتمايز الدوائر الإيمانية ويظهرُ فضلُ تفاوتِ الإيمان فيها وعمقه في صحراء الدّجل وليل الظلمة المخيّم على الأرض. وهي حضرة النّفس التي تأتمِرُ بالهوى وتستعلي أناها حاكمةً على الجوارح فلا تُغذّي النّفسَ إلاّ بما هو معاكِسٌ لضدّ الرّوح الذي هو أصلُ الإنسان ومصدرُه ومرجعه الأصيل والصّحيح. ولذلك تنطمِسُ بها كلّ المعاني الفاضلة التي تتجّه إلى الرّوح والفطرة والجمال الخلُقي. ولا تعلو فيها سوى ما كان منتمياً للمادة والهوى والظلمة.

ثمّ يلي ذلك حضرة روح القدس ويمثّلُها نزول روح الله المسيح بن مريم عليهما السلام، الذي يقتلُ دجّال الأرض، كما يتقدّسُ الخليفة المجذوب بلقاء الرّوح والرّجوع إلى حكمها. وهي حضرة تقديس يعمُّ فيها الخير والسلام المطلق والإيمان الثابت الكامل. وهي حضرة تجلّي الإسم الأعظم على الأرض. وهو الذي لم يتجلَّ منذ بداية الخلافة الإنسانية وعهد آدم عليه السلام. فلا يتجلّى إلاّ بهذا الخليفة الذاتي حامله وصاحبه بالأصالة.

والله يقولُ الحقّ وهو يهدي إلى سواء السبيل.