الاثنين، 11 يوليو 2016

حامل لواء الذات القائم بحقّ حمد الله المهدي 85



الإنسان خليفة الله عزّ وجلّ، وحامل سرّه في الأرض ..

إنّ الدّنيا تجلّت وأعدّت للخلافة، حتّى نشأت جميع المخلوقات والكائنات واستوت الدّنيا للخلافة، كمملكة تنتظِرُ ملكاً عليها. فكانَ ملكُها، هو آخر مخلوقٍ في عالم الكثافة، الإنسان. وكذلك صاحبُ الشأنِ والخلافة يقضي أن يكونَ ختامها بمقتضى استيعابه لجميع ما كان وما مضى وما خُلِق، ليشمله ويكون مختصراً للعالم، ويكونَ أميرا وملكاً عليه. فجميعُ ما في العالم منطوٍ في الإنسان، فهو مختصرُ العالم. ولهذا صحّت له الخلافة دون غيره. ولهذا قابلتْ آخريتُهُ الكثيفة والمخلوقية، أوليّتَه الحقيّة والسرّية، وإبليسُ لمّا اعترضَ على آدم مخلوقيته من طينٍ، من كونه من نارٍ وآدم من طين، فاته هذا العلم وهذا الفهم العظيم، أنّ الخليفة يقتضي أن يشملَ جميع الرّتب من أعلاها إلى أدناها، ولهذا كانت مخلوقيته من الطين الذي هو آخر العناصر وأدناها وكان إبليس من نارٍ والنّارُ فوق رتبة الطين ـ فإبليس كانت خلقته مقيّدةً بذلك الفضل المقيّد، بينما كان آدمُ جامِعاً من حيث اشتملتْ خلقته على أدنى العناصر وآخرها، ليكون مختصرا وجامعا لما بين الطرفين بين آخرية العناصر والكثافة والظهور، وأولية السرّ والجمع والنّور. وهو المؤيّد والمفضّل بنفخة الروح الإلهية. وهي سرّ التشريف والتفضيل والخلافة.

فالخلافة خصّ بها هذا الإنسان، إذ خلقه الله تعالى على الصورة. "خلق الله آدم على صورته". وهي أي هذه الخلافة الإنسانية في الأرض لله تعالى رحلة تجلّي عالم الأسماء الإلهية وآثارها ومصنوعاتها وصورها وظلالها، حتّى يتجلّى إسمُها الجامع لها الأعظم "الله".
فتوازت رحلة التجلّي الأسمائي في الأرض بنضج الإنسان وتطوّره وتفتّحه. وكانت بدايات التجلّي خاصاً بالأنبياء عليهم السلام، حتى جاء خاتم النبّوّة فتجلّى معه الإسم الجامع الثاني بعد الإسم الجامع الأكبر "الله"، وهو إسم الرحمن. فالرّحمن رسول الإسم الجامع "الله". لأنّه مظهر آثار الإسم الجامع في الأكوان والعالم. فالله إسم جامع للأسماء وحدها وكلّها، أي هو الجمعية الأسمائية. والرّحمن إسم جامع للأسماء كلّها وصفاتها. أي مظهرُ صفاتها. فهو راحم لما خلق الله تعالى. راحم للأسماء من عليائها وتجريدها إلى إظهار صفاتها وآثارها في العالم والأرض. فكان برزخاً بين الإسم الذاتيّ الجامع "الله" وآثارِ أسمائه. برزخاً بين عالم الأسماء وصفاتها وآثارها في الأكوان. ولهذا كان سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم سيّد الوجود، وروح الوجود، لأنّه ما ظهرَ الوجودُ إلاّ به، بهذا الإسم الجامع الرّحمن، كما جاء في الآثار والأحاديث النبوية الشريفة أنّ الرّحمة سبقت كلّ شيء، وكما جاء في قوله تعالى
{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا..} غافر-7. وسعت رحمته سبحانه كلّ شيء، فانفلق كلّ شيءٍ بالرّحمة، باسم الرّحمن، الذي استوى على العرش، عرش المخلوقات. فاسمُ الرّحمن دالٌّ على الوجود في أعلى محاتدِه ورتبه، جامع لقوسي الحقيّة والخلقية، ومظهرُه هو سيّد الوجود صلوات الله وسلامه عليه، جامعٌ بين اللّطافة والكثافة في برزخيتها ونوريتها، فكان نوراً محضاً صلواتُ الله وسلامُه عليه، وكان مجلى الكمالات الإلهية، وحامل الصّفات العليّة، وترجمانُ القِدَمِ إلى الحدوث، ولهذا ما كان له ظلٌّ كما أثِرَ عنه صلى الله عليه وسلّم، كونُه نورٌ وبرزخٌ بين النّور والكثافة، وخصّ بالعروج بالجسم والرّوح، وليس ذلك لغيره، صلواتُ الله وسلامه عليه، فهو أفضلُ الخلقِ وأوّلُ الخلقِ، وهو مظهرُ الشفعية، التي شفعّت وترية دائرة الواحدية إلى قوسي الحقيّة والخلقية، فهو العبدُ المحضُ، الذي قابلَ بعبوديته تجليّات الربّوبية والألوهية، فكان أوّلَ العابدين، وأوّلَ العارفين، وكان القاسمَ لما أعطى الله تعالى كما جاء في الحديث الصحيح "وَاللَّهُ الْمُعْطِي، وَأَنَا الْقَاسِمُ" متفق عليه. فهو القاسمُ من بحرِ القِدَم، لكلّ خلْق الله تعالى، ولكلّ حادث، فهو أوّل مخلوقٍ ومن نوره خلِق كلّ شيء. فما تجلّى الله من كنزيته إلاّ باسم الرحمن، ولمّا  كان الإنسانُ خليفةً، كان خليفةُ هذا الإسم الجامع ومظهرَُه هو رسول الله صلى الله عليه وسلّم عينُ الرّحمة {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107). فهو واسطةُ الظهور، وحجابُ الحقّ سبحانه. وليس من إنسانٍ في الدّنيا إلاّ وبابُه إلى الله تعالى من بابِ هذا النبيّ الأعظم، صلّى الله عليه وسلّم، كما كانت الأسماءُ مرحومةً متجليةً به، وظاهرةً آثارُها به، ولذلك خُصّ بالرّسالة الكبرى الجامعة، وخُصّ بالنبوّة الخاتمة، فهو صاحبُ مقامِ الإنباء، كما كان اسمُ الرّحمنِ منبئاً عن الأسماء، وواسطةً لها، وحجاباً جامعاً لها إلى إسم الله الأعظم، وراحماً لها منه بظهورِ آثارها في الوجود والأكوان.



ثمّ بعد ذلك، بعد بعثته صلّى الله عليه وسلّم بدأت تتجلّى الأسماء الذاتية في الأولياء المحمديين الورثة، كلّ خليفة وقته بحسب التدبير الإلهيّ والتدرّج المقضيّ بالتجلّي الإلهيّ. فكان الأقطاب والأغواث والخلفاء كلٌّ مظهرٌ لإسم ذاتيّ معيّن مخصوص بصفة ما بحسب الوقت والمناسبة، ومقتضى التجلّي في آزاله سبحانه. إلى أن يأتي آخر الزمان فيتجلّى الإسم الأعظم الجامع بذاته في صاحب الإسم الأعظم المكتوم وهو خاتم الخلفاء. الإمام المهديّ عليه السلام. ويختمُ الدّنيا. طبعاً ختامُ الدّنيا يكونُ بسيدنا المسيح عليه السلام، ولكنّ المسيح عليه السلام هو روح الله وهو نبيّ روح القدس، فهو مظهرُ التقديس وعلامة التقديس لما يكون عليه الإمام المهدي قبله. فيختم الوجود نبيّ روح القدس ليقدّس الأرض كعلامة على تجلّي الإسم الأعظم بأثره على الأرض. فجميع رحلة الإنسان وخلافته قامت لتجسيد هذا التجلّي الأسمائي الى ظهور ختام التجلّي بالإسم الأعظم الذي هو محصّلة الأسماء وجامعها وذاتها. وهو الخليفة والخاتم الذي يكونُ العبد الذاتيّ الغير ظلاليّ، وفيه تتجلّى الصراعات جميعها قبلَ كماله، صراعه مع النّفس. يتجلّى وينعكس على الأرض والواقع. فيكونُ منبعاً ومركزاً للوجود والحقيقة والواقع حقّا وتحقيقاً، وتلك علامته على كونه الخاتم والوليّ المحض، والرجل الذاتيّ، والخليفة المذكور في كتاب الله تعالى  {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة-30)، وصاحب الإسم الأعظم الذي به تجلّت الأسماء. فهو واسطتها وجامعها ومحصّلتُها ومنبعها. وعلى ذلك تُختمُ الدّنيا. ولا يعرفُ هذه الحقائق إلاّ الأمناء، ومن وقف متأمّلاً في زمان هذا الختم، قارئاً للحقائق، ليشهدَ مع الأمناء ختمية هذا العبد والخاتم، في زمان عظيم، تمورُ فيه الأهوالُ والفتن موراً، لأنّ تجلّي الوحدة الذاتية يقضي بسبق تجلّي إسم الله القهّار.

إنّما قلنا عن الخاتم أنّه واسطة الأسماء، نعني بذلك واسطتها من الذات، فهو مظهرُ الذات في كنزيتها، به تجلّت الأسماء من كنزيتها، فهو المتجلّي بالوترية الواحدية من بطنِ الأحدية ثمّ لمّا تشفّع بالظهورِ أخذ نسبةً أخرى وإسماً مختلفاً، دالاّ على الشفعية بين الحقيّة في جمعيتها الأسمائية والخلقية في ظهورِ آثار صفات الأسماء، وما ثمّ إلاّ هو سبحانه متجلّياً بأسمائه وصفاته، في حضراتِ وجوده المختلفة. وكان خليفة الله وخليفة هذا الهو هو الخليفة الإنسان الجامع، صاحب الإسم الجامع الله، الوليّ بالأصالة، خاتم الولاية وفلكها. وليّ الوحدة الأسمائية والمتصرّف فيها. المسمّى بالحقّ المخلوق به، الرّوح الأعظم، مرآة ذات الله تعالى. أوّل موجودِ وقطب الوجود، حمل سرّ المستخلف بذاته، فكان مظهرَه الذاتيّ، وكان الإنسان المتعالي عن بقيّة أفراد آدم في حقيقته وسرّه. الزّائلُ بختمه عن رتبته، خليفةٌ به ظهرتْ المراتبُ جميعها، من أعلاها إلى أدناها. فهو عينُها، عند ارتفاعِ الحجبِ والأوهام، وظهرَ في آخر الزمان مجذوباً، جامعاً للأضداد، بين إقبالٍ وإدبارٍ، كما وصف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العقل الأوّل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم (أول ما خلق الله العقل قال له : أقبل فأقبل . ثم قال له : أدبر فأدبر . ثم قال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم عليّ منك : بك آخذ وبك أعطي ; وبك أثيب وبك أعاقب)، فقال له الله أقبل ثمّ قال له أدبر. فهو بين إقبالٍ وإدبار، جامعاً للأضداد، كما تجلّتِ الذاتُ بالأضداد، وكلّ شيءٍ في الوجودِ منه سبحانه ولا يخرجُ شيء عن ملكوته، وهو ذو الجلال والإكرام. فثبتت لهذا الخليفة بهذه الأضداد، وهذه المركزية الوجودية في زمان وجوده، ختميته، وكونه نقطة مركز دائرة الوجود، وأصلُ التجلّي، ومحصّلةُ الأسماء، كلّ الصراعِ مختصرٌ فيه، في شخصه، بين أوهامه التي تسلّطتْ عليه ونفسُه وهواه، وبين توجّهه لربّه بقلبه، منعكساً ذلك الصّراعُ فيه على الأرضِ بكلّ الصراعات الكبرى، والأهوال والأحوال التي تغشى النّاس في ذلك الزمان العجيب، حتّى ينصلح حاله في ليلة  كما جاء في الآثار الصّحيحة، ويكمل بعد جذبه، فتنصلح معه الأكوان والعوالم، ويكون الرجل الذي يبيد الظالمين، ويعيدُ للأرض رشدها، ويقيمُ العدلَ العظيم، كما تجلّى بالعدلِ إسم الله الأعظم، فأعطى كلّ شيءٍ خلقه وهدى.   والله أعلى وأعلم.