الأربعاء، 18 يناير 2017

حامل لواء الذات القائم بحقّ حمد الله المهدي 90


كان الله ولم يكن شيء غيره


إنّ الحوادثَ والمخلوقات، أصلُها القديم الواحد الأحدُ سبحانه، وليست غيره في القِدَم. فلمّا أرادَ سبحانه لها التجلّي والظهور، وإخراجَها من عَدَمِها المكنون، لتكون. أوجدَ لها واسطةً ونسبةً بينها وبينه، لها وجهٌ إليها من حيث حدوثِها وكينونتها من العدم، ولها وجهٌ إليه من حيث الألوهية والقِدَم. فكانَتِ الواسطة سيّدُ الوجود صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه. به وقعتِ النّسبة بين الحادثِ والقديم، وبه يحصُلُ التعرّفُ إلى الخالق الواحد الأحد سبحانه العظيم. ولا بُدَّ لكينونة هذه الحوادث والمخلوقات أن تبدأ رحلتَها من كينونتِها إلى بساطِ القدمِ وحضرته سبحانه. وما ثمّ إلاّ هو سبحانه، ولكنّ واحديتَهُ وكثرتَهُ الدّالة على صفاته وأسمائه وعلمه وآلائه، أعطتْ هذه الحوادث تلك النّسبة إليه، إذ هو أصلُها وهو مبدؤها ومنتهاها، فصحّ لها البقاءُ به سبحانه. ولمّا كان التكليفُ خاصاًّ ببني الإنسان لمّا خُلِقَ على الصورة الإلهية ونُفِخَ فيه الرّوح الإلهيّ، فقد خُصّ إذ ذاك هذا الإنسانُ بالبقاء به سبحانه في حضرته للشّهود. فوقعتِ الرّحلة الإنسانية من الكينونة الدنيوية إلى هذا البقاء المقدّس. بواسطة نبيّ الرّحمة وصاحبِ النّسبة والبرزخ. صلواتُ الله وسلامُه عليه. فما ثمّ في مقاديرِ كلّ عينٍ ومخلوقٍ إلاّ ما يكشِفُ عن ارتباطاته بما حوله من أسماء وأشياء، ليستوفي رحلته من الحدوث إلى البقاء. وهي المسمّاة الشؤون الذاتية، كلّ يومٍ هو في شانٍ. وكانتِ البدايةُ من برزخِ الرّحمةِ، لأنّها واسطةُ الحدوث ونسبةُ التعرّف، فوقعَ منها الابتداء. ولأنّ الرّحمة محتدٌ ذاتيّ، فكان النّفَسُ الرّحماني برزخاً بين القديم والحادثِ. وكان المنتهى إليها، إلى الرّحمة. وكانتِ المقاديرِ كلّها من الرّحمة؛ لأنّ كلّ عينٍ إنّما هو مظهرٌ ذاتيٌّ لا وجودَ له في الحقيقة، بل هو قائمٌ به سبحانه. فكانتِ المقاديرِ لكلّ عينٍ صادرةٌ من برزخِ الرّحمة تجليّاً وقسمةً ومن عينِ الذاتِ عطاءً ومنّةً. إنّما ساقها إلى أصلِها، ترتيبُها وحقيقتُها التي وُجدَتْ عليها. بهذا برزَ العالمُ بهذا الإحكامِ والإبداع والألوان. كلُّ شيءٍ مردُّهُ إلى الواحد الأحد سبحانه وعَوْدُهُ إليه هو، لا إله إلاّ هو. وأعطتِ الحقائقُ هذا الإنسان، محتدُهُ ذاتيّ جامع. فكان خليفة الديّان. جُمِعَ فيه ما تفرّقَ في العالَم، فهو مختصر العالم، ولا بُدّ من هذه التراتبية في المخلوقات. فالمخلوقات دوائر، بعضُها أجمعُ من بعضٍ. بحسبِ ما مثّلتِ الحقائق الجامعة ودونَها. وكان الإنسانُ في الأزلِ؛ خليفة لله سبحانه. جامعاً؛ سرّهُ أوليّ، ومظهرهُ آخريّ. بين سرّ اللّطافة ومظهرِ الكثافة. وكانَ في الإنسانِ اختلافٌ وتنوّعٌ بحسب رتبة كلّ عبدٍ ومظهريته وجامعيته كذلك؛ فكانَ الخليفة الأوّلُ الجامِعُ مظهرُ الذاتِ وحاملُ كنهها الأعظم. قامَ فيه الحقّ سبحانه لطيفةً ذاتية محضةً، وهو المعبَّرُ عنهُ بالخاتم والخليفة والمهدي. ثمّ كان رسولُ القدم وواسطة الخلق والجامع لهم والقاسم لما في القدم الفاتحُ الخاتم قامَ فيه الحقّ لطيفة ذاتية صفاتية جامعة صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ ترتّبتِ المظاهرُ والأسماءُ خلفاءً في هذا النّوع الإنسانيّ بحسبِ ما أعطتِ الحقائقُ في أزلِها. والله أعلى وأعلم.