الجمعة، 21 أكتوبر 2016

حامل لواء الذات القائم بحقّ حمد الله المهدي 89


لبسم الله ..

ظهور خاتم الولاية في آخر الزمان عليه السلام هو في الحقيقة من معاني ومظاهر تشريف سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أعظمَ التشريف، ودلالة كذلك على أنّ خاتم الولاية منزلة ومرتبة ثابتة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأقصِدُ أنّ ذلك ظهورٌ لباطنه صلّى الله عليه وسلّم، فإنّ الولاية باطنُ النبوّة، لأنّها الوجه الإلهيّ للعبد، فلمّا ظهرَ خاتم الولاية فقد تجلّى أعظم ما يمكنُ أن يكونَ مدّخراً من المنازل والمراتب الموجودة إلى صحائِفه ومنازله صلّى الله عليه وسلّم، لأنّه صلّى الله عليه وسلّم مجلى الظهور وأرض التجلّي وجميعُ ما يتجلّى مضافٌ إليه ونازلٌ بواسطته، فهو سيّدُ الوجود. فتأمّل في هذا الفضل العظيم والشرف الكبير. وبهذه الختمية للولاية نال صلوات الله وسلامه عليه المقام المحمود. فإنّ المقام المحمود هو لصاحبه المحمود خاتم الولاية، وظهور هذا الخاتم المهدي هو علامةٌ على تتويجه صلوات الله وسلامه عليه بذلك المقام المحمود والختمية في الولاية.

إن قلتَ إنّ خاتم الولاية هو مرتبة من مراتبه صلوات الله وسلامه عليه، فهذا صحيحٌ من وجهٍ، فإنّ كلّ التجليّات والمظاهر انفلقت وظهرتْ بواسطته صلى الله عليه وسلّم. إلاّ أنّ ذلك لا يعني تداخل المراتب هنا بين خاتم الأنبياء وخاتم الأولياء عليهم السلام جميعا، بل ذلك يعني أنّه صلّى الله عليه وسلّم نالَ وجهاً كاملاً من وجوه هذه الختمية في الولاية، التي هي لصاحبها بالأصالة الوليّ بالأصالة. فإنّ ولاية الخاتم شمسية ذاتية وولاية خاتم النبوّة قمرية مستفادة من ولاية الخاتم للولاية. وإن كان هذا الخاتم للأولياء حسنةٌ من حسناته صلى الله عليه وسلّم كما ذكرنا، فهو من أهل بيته نسباً وهو من أمّته اتّباعاً، وهو إن جاء يحكمُ بشرعه صلّى الله عليه وسلّم. فهو حسنةٌ من حسناته، كذا قدّر الله الحقائق وعقدها عقداً قائماً على العظمة والجمال.

وتجدُ هذا المعنى في التشريف قد ذكره الشيخ الأكبر في كتاب عنقاء مغرب في قصيدته قائلاً مفتتحاً :

فمن شرَفِ النبيِّ على الوجودِ ... ختامُ الأولياءِ من العقود

فانظُرْ كيفَ ربطَ شرف النبي صلّى الله عليه وسلّم بظهور ختام الأولياء، فمن يفهم حقيقة خاتم الولاية فإنّهُ يفهم عظمة الشرف في ظهوره في الدّنيا، والظهورُ والتجلّي كلّهُ محسوبٌ للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأنّهُ واسطة الظهور والتجلّي. وكذلك قال صلوات الله وسلامه عليه "أبشِري يا فاطمةُ ، المهديُّ مِن ولَدِكِ." (رواه أبونعيم ، وابن عساكر). ومعنى الحديث صحيح، وهو نفس معنى ما جاء في قصيدة الشيخ الأكبر، أبشري يا فاطمة فإنّ المهدي من ولدك، فبشّرها كأنّهُ يقولُ لها هذا المهديُّ مضافٌ إليكِ فهو من مظاهرِ ومعاني زيادة تشريفٍ لكِ؛ وذلكَ يدلُّ على قدرِ هذه الإضافة المفاضة من قدرِ المضاف وشرفِه.

وأمّا في ميزانٍ آخر، ميزان الحقائق، فإنّ الأمرَ منوطٌ بالتعيّن الأوّليّ، فليس قبل خاتم الولاية من مُتعيّنٍ، فهو أوّل متعيّن ذاتيّ دلّ على الذات، فهو صاحب اسم الذات، الإسم الأعظم. وإليه ينتهي كلّ شيءٍ وجميعُ المراتب والمنازل، فهي منهُ متعيّنة. فهو الخليفة الجامع الأوّل. ومعنى الخليفة أي جميع قوالب الإنسان وتعيّناته ومراتبه ومنازله ترجِعُ إليه، فهو أصلُها وهو جامعُها، فهذا هو معنى الخليفة، فهو الصورة الجامعة وهو الظاهرُ في كلّ الخلائف على اختلاف منازلهم ومراتبهم، وهو باطنُهم من حيث الحقيقة. ثمّ كان ثاني متعيّنٍ هو رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وخاتم الأنبياء، وهو صاحب برزخ الرّحمة والمستوى الرحمانيّ. وكان واسطةً إلى الله سبحانه لجميع الخلق. وهذه حقائقٌ عزيزة قد يختلطُ على البعض ممّن يخوضُ في هذه المجالات، أو يظنُّ العرفان والتحقيق في معرفته، أنّ الأمرَ غير ذلك. فهو لم يتحقّق بمعرفة سرّ التعيّنات ومراتبها. فالإسمُ الأعظم هو سيّدُ الأسماء وقطبُها؛ ثمّ يليه اسم الرّحمن الذاتي الصفاتي في الرّتبة، والتعيّن. فالسيّدُ الصّمدُ هو صاحبُ الإسم الأعظم، الذي كان مظهراً ذاتياً للحقّ سبحانه، ومرآة ذاتية لتجلّي الله سبحانه. وبدايةُ المعرفة والعلم لكلّ عينٍ، هو من حيث تعيّنه؛ إذ كلّ عينٍ ومخلوقٍ صورتُهُ هي صورة علمِ الله به، وعلمُ الله به يبدأُ من تعيّنه الأوّليّ. فافهم هذه النّكتة تُدرِك بها فضلَ سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي هو أوّل تعيّنٍ في الخلق ومنه انشقّت الأسرار وانفلقت الأنوار وبدأت رحلة العلم بالأعيان والموجودات. وتُدرك فضل الساداتِ وتفاوتهم بالعلم بالله سبحانه، فالعلمُ هو سرُّ الوسع وسرّ التقدّم والتعيّن. والله أعلى وأعلم.