الثلاثاء، 20 أكتوبر 2015

حامل لواء الذات القائم بحقّ حمد الله المهدي 77




تُعرَفُ الأشياء بأضدادها..
لو أنّ النّاسَ عرفوا قائمة أولويات إبليس والدجال وأجنادهما لعرفوا الحقّ مباشرةً.

إبليس والدجال حربهما الكبرى على الخليفة المجذوب، وعلى حمَلَةِ الإسم الأعظم أهل الله.

وذلك عبر هذه العولمة والهيمنة الكبرى، والتدجيل الرّهيب الذي يبسطُ سلطانه في الأرض كسرطان خبيث في جسم إنسان. وكلّ تحرّكات بيادقهما الشطرنجية فهي من أجل صناعة الأجواء التي تمكّنهما من النّيل من أهل الحقّ. ثمّ لضمان - وهو الأولى والأهمّ - قطع الطريق على المجذوب. ولو امتنعت الأجواء من التوفّر، بالوسائل المتوفرة والأسباب العادية، فالفوضى من أهمّ وأكبرِ وسائلهما لتحقيق أهدافهما.

حرب إبليس والدجال حربٌ على النّور ونقاطه ومنابعه في الأرض، وتعميم الظلمة فيها،  وما يحدثُ في الأرض اليوم ممّا هو من تخطيطهما فهو من أجلِ الانتصار على المجذوب الخليفة. وبذاتِ الوقت محاولة قطع السلاسل التربوية الباقية التي تحملُ مشعل الخلافة. خلافة الله سبحانه.

حربُ إبليس والدجال على الخلافة في الأرض، وذلك عنوانٌ واضحٌ في القرآن الكريم، وبه بدأ الصّراع بين الشيطان والإنسان، وهو حقيقة وواقع كذلك في الأرض، إبليس الحاسد الغرور والدجال الحاقد المغرور يحاربان الله سبحانه، بجهلٍ منهما، يحاربان الله في عالم الخلافة الأرضية. وإلاّ لما تجرّءا مطلقاً. وحربهما قامت بجهلٍ منهما وعدم فهمٍ عن الله سبحانه. وإلاّ لو فهِمَ إبليس حقيقة الخلافة وسرّها، لما قامتْ له أسبابٌ منطقية لهذه الحرب، وهذا التمرّد الأرعن الأحمق. ومعه حليفه الدجّال السّامريّ اليهوديّ الأعور، الذي وهبه الله آياتٍ وامتيازاتٍ فنكب على عقبيه وتردّى، وانسلخ منها. فإبليس والدجال يقيسانِ الأمور بعالم المادة والأكوان، وعالم الأسباب والزمان والمكان، وهذا منتهى الجهل والحمق في عالم الحقائق، وفي منطق العقل الرّصين، ووفق المبادئ الثابتة التي لا تتزحزح. وإنّما اقتضتِ الحقائق ذلك، أي اقتضت جهلهما وتمرّدهما، ليقوما بدورِ الحجاب على الله تعالى، والحائل الذي يحولُ بين الصّادقين وغيرهم في طلبِ وجه الله سبحانه، ليقوما بدورِ الظلمة ودورِ المادة والتراب، ودورِ الآدمية المنسلخة عن الرّوح، فهي أضلّ حينذاك وأسفل من البهيمية، فهي أقصى درجات الظلمة والبهيمية والأخلاق المترديّة التي تقدّس الأنا النّفسية القاصرة، وتتخذ في سبيل إثبات تلك الأنا جميع الوسائل المتاحة وجميع القدرة الممكنة. وتلك هي حكمة الله سبحانه، وذلك هو وسعهما، وكذلك فهو الإمهال من الله سبحانه، والإمداد لهما بالقوّة والقدرة السببية والأجناد، والهيمنة والتخطيط الكبير المتوسّع .. أعماهما ذلك عن رؤية الحقيقة، فإذا كان حاكم على كرسيّ ببشريّته العادية ومقاييسه المحدودة المضبوطة بميزان لا يميل ولم يتبدّل عبر التاريخ، أثبتَ هذا الحاكم العليلُ بتلك الأنا المتجبّرة أنّه لا يتنازل عن حكمه ولو أدّى ذلك لإبادة شعبٍ بالكامل. فما بالك بما فتن به الله سبحانه إبليس والدجال ؟ وقد أعطاهما قدرات خارقة وتعمير طويل في الأرض، واستحواذ ظاهر ونفوذ عظيم ؟ فذلك هو مكر الله سبحانه .. ولا يأتي مكرُ الله سبحانه، إلاّ من الممكورِ به، أي بواسطته هو، ليمكرَ بنفسه من حيث يريدُ الله له ذلك. وهذا منتهى المكر والعظمة في التدبير منه سبحانه، فلا يزالُ الماكرُ المتمرّدُ يحفرُ قبره بيديه، ويقتربُ من نهايته وخاتمته برجليه، من حيث هو يسعى ويقتربُ من هدفه المنشود وطموحه المطلوب. حتى يجدَ الله عند محطّ شربه وهدفه الأخير، ولا يجدُ هناك إلاّ السّراب، ويدَ العزيز المهيمن المنتقم سبحانه، فلا يفلتُه الله سبحانه، وبئس المصير، والله خير الماكرين. { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [سورة الأنفال : آية 30].  { وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}.

كما هو فرعون، ما ربّى عدوّه الذي يطلبُهُ، والذي قنّن من أجله القوانين، وقتل وسفك وثار، ما ربّاهُ إلاّ في حجره وقصره، ليكبرَ عدوّه ويشتدّ عوده. ويهلكَ ويغرقَ، فما نفعه تدبيره ولا قوّته، ولا محاولته سبق القدر وتكييف الظروف والواقع. وكذلك يفعلُ الله بكلّ طاغٍ ماكر متمرّدٍ جهولٍ ظلومٍ .. فلا يَنالُ منه إلاّ من حيث سعيه هو وتدبيره بنفسه. وذلك منتهى الإعجاز منه سبحانه.

الدجال وإبليس وهيمنتهما الغير عادية في زماننا التي فاقت الخيال والتصوّر فيما مضى، ولا عقل بشريّ، في الماضي، كان يمكنُ أن يتخيّلَ هذه القدرة والهيمنة التي يحصّلها هؤلاء الدجاجلة والشياطين في الأرض اليوم، ومع ذلك، فالخوف الذي يتسلّطُ عليهما، ليس بأقلّ من الخوف من لاجئٍ مطاردٍ شريدٍ في الأرض يريدُ الفرار من أعدائه المتمكّنين. ذلك أنّ التهديد لا يزالُ قائماً وبقوّة، رغم التقدّم الحاصل في أجندتهما، تقدّم رهيب، ومع ذلك فالتهديد قائم، والعدوّ ما زالَ يأخذ المواقع التي يحاربانِ ويخطّطان من أجل منعه أن ينالها ويأخذها!!!!

ذلك أنّ العدوّ الحقيقيّ هو الله سبحانه، إنّهما في أعماق أعماقهما لا يركنانِ لليقين، ولا يقِرُّ لهما إيمانٌ ثابت، وكامل، مهما بلغتْ هيمنتهما وقوّتهما وكيدهما ومكرهما، والواقعُ يؤيّدُ ذلك، فهما برغم التقدّم كما ذكرنا، فالتهديد قائمٌ وقادم .. والعدوّ موجود.

الغريب أنّ تقدّمهما لا يزيدُ إلاّ من نيلِ المواقع التي يسعونَ لمنع هذا العدوّ عنها، فكأنّهما هما من يحرّكانِ خيوطَ عدوّهما نحو تمكينه، وهذا إعجازٌ عظيم من الله سبحانه.

وفي الحقائق فما الشيطان والدجال، سوى حجابٍ للعبدِ دون الله سبحانه، وتسليط منه على العبد، ليظهرَ معدنه الأصيل. فيتجاوز الاختبار وينتصر، أو ينتكس ويرجع القهقريّ، بحسب صدقه وهمّته في طلبِ وجه الله سبحانه. ولا بدّ أن يطوي العبدُ السّالكُ الجلالَ والجمالَ في أجلى تجليّاتهما، ليصلَ إلى كنه هذا الجلال والجمال، ويحظى بالمنبع والأصل، فتلك سنّة الله سبحانه في السّالكين هذا الدّرب العظيم. ومن مظاهر الجلال، إبليس والدجّال. وكونهما رأس الشرّ وأقصى هيمنته السّببية الأرضية، ذلك أنّ الزمان هو زمان الخليفة الخاتم.

إنّ ما نقوله ليس كلاماً يُلقى على عواهنه، بل هو الحقيقة والعنوان الأكبرُ للصّراع في الأرض. وإن شئتَ صدّقنا كلامنا بالحديث الصحيح الذي رواه الحاكم عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه :

روى الحاكم في مستدركه ( 4 / 596 برقم 8659 طبعة دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة الأولى ، 1411 - 1990، بتحقيق مصطفى عبد القادر عطا ) : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفان العامري ثنا عمرو بن محمد العنقزي ثنا يونس بن أبي إسحاق أخبرني عمار الدهني عن أبي الطفيل عن محمد بن الحنفية قال : كنا عند علي رضي الله عنه فسأله رجل عن المهدي فقال علي رضي الله عنه : هيهات، ثم عقد بيده سبعا، فقال : ذاك يخرج في آخر الزمان، إذا قال الرجل الله الله قتل، فيجمع الله تعالى له قوما، قزع كقزع السحاب، يؤلف الله بين قلوبهم، لا يستوحشون إلى أحد، ولا يفرحون بأحد يدخل فيهم، على عدة أصحاب بدر، لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون، وعلى عدد أصحاب طالوت الذين جاوزا معه النهر. ) .

 قال أبو الطفيل : قال ابن الحنفية : ( أتريده ؟ قلت : نعم ، قال : إنه يخرج من بين هذين الخشبتين ، قلت : لا جرم و الله لا أريهما حتى أموت ، فمات بها يعني مكة حرسها الله تعالى )


 قال الحاكم :  (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)
ووافقه الذهبي في التلخيص ، فقال :  (على شرط البخاري ومسلم)  


الخلاصة هنا في الحديث الشريف قول الإمام علي عليه السلام  :
"ذاك يخرج في آخر الزمان إذا قال الرجل الله الله قُتِل". 

أصحاب الإسم الأعظم وحملته، هم صلةُ الأرضِ بالسماء، وصلةُ المادة بالرّوح، وصلة النّاسِ بربّهم، بقيّةُ الله في أرضه، هم هؤلاء الحملة الورثة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، الذين ليس لإبليس والدجال سلطان عليهم. وهم المؤهّلون لتوريث النّور للطالبين، وهم منابعُ النّور في الأرض. منهم المأذون لهم بالظهور والتربية، ومنهم الأخفياء الملامتية.

إبليس والدجال، متحالفان، الأوّل حاسد يريدُ أن يجعل البشرية كافرة جميعها، وعْدَه الذي توعدّه لمّا لم ينل الخلافة. وهو يعلمُ سرّ تلك الخلافة في الأرض، نقصِدُ أنّه يعلمُ تشريف الإنسان بنيله الخلافة الإلهية. لأنّهُ لم يرَ منها سوى الجانب الإطلاقي التشريفيّ ، وغفل عن الجانب العبوديّ التكليفيّ. فما حاكى في مسيرته ووجوده في الأرض سوى أناهُ المتربّبة، وأقامَ عرشاً على البحر، وجعل نظاماً لأتباعه، يشابه نظام السماء في الملائكة، يريدُ أن يعوّضَ على نفسه فَقْد الخلافة، فعوضّ ذلك بجعل عرشه على الماء!! إنّه يحاربُ الله سبحانه، ويزعمُ (إبليس) أنّه إله في الأرض وعرشه فوق الماء، وله أتباعٌ (شياطين) برتبهم الكثيرة المختلفة. نعم .. مثل مجانين العظمة تماماً. مع قدرة وعلم أهّله الله بهما، يقومَ بدورِ الخبير بالنّفس ورسول المادة والتراب. وسلطان الظلام والشرّ. الثاني بشرٌ، أو نصف بشرٍ هجينٍ، لخبرٍ يقولُ أنّ السامريّ نصفه بشر ونصفه جان، فصحّت له تلك القدرة الخارقة، مع اعتبارِ أنّ من رعاه في طفولته حينما كان يقتلُ فرعونُ أطفالَ بني إسرائيل، من رعاهُ هو سيدنا جبريل عليه السلام في كهفٍ، وذلك ليُجريَ الله عليه هذه الفتنة والدّور في الأرض. فهو استثنائيّ القدرات، ابتدأه الله بالعناية، فأبى إلاّ الكفرَ والتمرّد والجناية. فهو سامريّ النّفس، دجّال الأرض والبشرية. أمهله الله تعالى فقال له موسى عليه السلام :   {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ ۖ}. سورة طه. فقال إن لك، ولم يقل إنّ عليك. فهي ميزة له وامتياز ليُجري الله على يديه تلك الفتنة الكبرى. 
واسمُه الحقيقي : موسى، مثل سيّدنا موسى عليه السلام، موسى عليه السلام رمز النّفس المسلمة المؤمنة بالله الصادقة الطاهرة، والسامريّ عليه خزي الله رمز النّفس الدجّالة الدنيّة المتعلّقة بكلّ هوى دونيّ ونفسيّ. وفي اسم موسى رمزٌ للنّفس.

وبعد كلّ تلك المساعي والحروب والفتن، وفي الأخير لا يصنعانِ إلاّ ظروف نهايتهما. طبعاً في بلاءٍ عظيمٍ تتجلّى فيه حقائق التجليّات، وعدلُ الحضرات. ويظهرُ في آخر الزّمان من الشرّ والظلم والتدجيل ما لا يظهرُ في غيره، وينتهي عهدُ الظلام والشرّ والتدجيل، وتتقدّسُ الأرضُ ويتجلّى فيها السلام والخير والبركة والرّحمة.

يُزالُ ويُبادُ الظالمون مراحلاً مراحلاً، فوجاً بعد فوجٍ حتى يكونُ آخرهم الدجال. ثمّ يليه ياجوج وماجوج، وهم (أي ياجوج وماجوج) من حقائق الإنسان حين تغلبه الخواطر النّفسية القرينية، في طريق سلوكه لربّ العالمين. فآخر الزّمان علاماته الكبرى علاماتٌ خارقة، غير اعتيادية، لأنّها ترسُمُ حقيقة الإنسان الكبرى ورحلته نحو الإسم الأعظم، وكان الأنموذج هنا هو الخليفة الخاتم، المهدي أصدقُ سالكٍ إلى الله تعالى. والله أعلى وأعلم.