الجمعة، 5 أغسطس 2016

حقائق العباد واختياراتهم القائمة بهم في تأكيد حقائقهم ..



الإنسان سرّ عظيمٌ. والاختيارُ فيه يتبعُ سرّه الذي وُجِِدَ فيه في الأزل. والأسرارُ متفاوتة في مداليلِها، بين سرّ أوليٍّ به يرجِعُ العبدُ إلى مولاهُ في منتهى الرحلّة الوجودية الجزئية الخاصّة بذلك العبد، فقد سبقَتِ الرّحمة على الخلْق، كما شهدَ الله للعباد جميعهم شقيّهم وسعيدهم بقولهم بلى، شهوداً لربوبية الله تعالى وألوهيته ووحدانيته، فهذا سرّ سابقٌ لا شكّ في الرّجوعِ إليه عند المنتهى.

ولكن هناكَ سرّ وجوديّ جزئيّ ثانٍ عليه قامت الحياة الدّنيا والأخرى كذلك، وهو الذي ترجِعُ إليه حقائق العباد، في تفاوتهم للاستجابة للعهد الإلهيّ القديم، وعليه في تفرّقهم بين شقيّ وسعيد، وكذا درجاتِهم في السعادة والشقاء. وهذا السرّ الأخير هو الذي قصدناه عند ذكرِ الاختيار.


وعليه، لكي يسبِقَ العبدُ إلى تأكيدِ انتمائه، وتحقيق انتسابه، فعليه أن يشهدَ من نفسه سعياً لفيضِ دواعي الاستجابة لعهد الله تعالى. خصوصاً وأنّ الله قد عرّفه هذه الحقائق، وجعله من أمّة خير الأنبياء والمرسلين وسيّد الأوّلين والآخرين عليه وعليهم الصلاة والسلام. فتلك منّة أخرى سبقتْ عليه من الله تعالى ليس له فيها اختيار، فليجمع المنّة السابقة عليه مع الاختيار اللاّحق بمحبّة أهل الله الصادقين الورثة المرشدين الذين ورثوا نور النبوّة، وأقامهم الله خلفاءً له في الأرض، وجعل قلوبهم محطّ نظره العظيم، فإذا نظروا إلى عبدٍ نظرة رضا وحبور، استوجبَ من الله الرّضا والحبور، فقد وعدهم الله بذلك وأنالهم تلك العطيّة والمزيّة لا خلفَ فيها ولا تبديل، عطيّة المحبّة والكرامة العليا ومزية الخصوصية والقرب منه سبحانه، كما جاء في الحديث القدسي الصحيح : "فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ،. ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعـطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ". فهذا خطاب مقدّس بنصّ شريف وقدسيّ أنّهم بالله قاموا وإذا أرادوا أراد الله تعالى، وإذا نظروا نظر الله تعالى .. والله سبحانه إذا نظرَ إلى العبد نظرة الرّضا والقبول، وأصابتِ العبد نظرة العناية والعهد القديم، فقد تخصّصَ بقابليةٍ عزيزةٍ لا تشهدُ له إلاّ بالقابلية للنّور القديم والعناية الأزلية. ثمّ ليريِض هناك عند محبّة القوم، والتسليم لهم، والدخول في معيّتهم. فهُمُ القومُ لا يشقى بهم جليسهم، ولا يشقى محبّهم ومحبوبهم. 



إنّ العناية الأزلية ما قامَتْ إلاّ بالوسائط، ولكنّ قوماً يجهلونَ خاضوا بالجهل في نفيِ الوسائطِ فضلّوا وأضلّوا ضلالاً كبيراً. وحُرِمُوا وحَرَمُوا من مالَ إليهم وأخذ عنهم حرماناً عظيماً، وهم لا يشعرون. فقد تعرّفَ الله للنّاس بالأنبياء عليهم السلام، فكانوا وسيط النّاس الى الله سبحانه ودليل الناس اليه. ثمّ ختمت النبوّة بالرسالة المحمدية ونابَ عن الأنبياء عليهم السلام في الوساطة والدلالة الأولياء المحمديون الورثة، وبوساطة ثابتة كاملة غير منقوصة لأنّها كانت وراثة لخاتم الأنبياء والمرسلين وواسطة الخلق أجمعين إلى ربّهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فما زالَتِ السماءُ موصولةً بالأرضِ ما دامَ هؤلاء الورثة والأولياء الخلفاء موجودون، وبهم يصِلُ الله من يصِلُ، وبهم يرقّي الله من يُرقيّ، وبهم يغاثُ النّاسُ، وبهم يُستدلُّ على الله سبحانه، وهم خلفاؤه في أرضه وكونه. فمن وصلَهم فقد وصلَ الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلّم، ومن أحبّهم فقد أحبّ الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. لا مرية في ذلك ولا شكّ. فقد جعلهم في ذلك المقام، ولا تقومُ الساعة حتى يغيب هؤلاء الخلفاء ولا تجِدُ الأرض من يقول الله الله، تحقّقا بالاسم الأعظم وحاملا له وخليفة لله تعالى.