السبت، 30 مايو 2015

حامل لواء الذات القائم بحقّ حمد الله المهدي 73

30/05/2015


 
أشتاقُ إلى ومضِ المعارف العاليات التي كانت تترى على سطوري، عالَمٌ من التنظيرِ العالي، يُدهِش، وكثيراً من العبادِ يفجؤُهُم ويجعلُهُمْ بين التصديق والإنكارِ، أحقيقةٌ ما يخطّهُ هذا الجريءُ الجاسِرُ على سورِ المعاني والأسرار ؟!
وإي الله هي الحقيقةُ أضاءتْ في زمَنٍ الثابتُ فيه مع زمرة الحقّ والنّور سابقٌ من السابقين على قدَمِ صحبِ المختار. صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه.
إنّهُ زمَنُ ظهورِ الألِف روحُ الأرواح، وقبلة الأشباحِ، إنّهُ زمَنُ ظهورِ المكتومِ الخافي خلفَ أسرارِ العلومِ والألواح، إنّهُ زمَنُ ظهورِ معدنِ السرّ الأعلى وحقيقة الحقائق، صاحبِ الصورة وخليفة مالك الملك، الخليفة الأصليّ المالك الذاتيّ، الرّوح. الذي ظهرَ في سائرِ الأشباحِ بوجهه الذاتيّ. وأعطى حقيقة جميع المراتب. فلهُ مرتبةُ الرّحمانية بالأصالة فهو حقيقتُها، ونسبَها لأفضل خلقه وصفوتهم، فشقَّ من ألِفِه من بطنِ ألفه نقطةً وجعلها قلباً جامعاً لشهوده، قارِئاً لحقائقِ وجودِه. فانبثقَتِ الباءُ ( ب) ألفٌ ممدّد تحته نقطة الشهود والسرّ، فمنها بدأتْ دورة الخلق، ودورة الوجود، ودورة انفلاقِ الأنوار والأسرارِ من كنز هوية الألف، من أمّ الكتاب. فما من موجودٍ أو مشهودٍ إلاّ وظاهرٌ بنورِ الباءِ. وقائمٌ بشهودِ الباءِ في عالمِ الكونِ والأكوانِ.
فهي الفاتح الخاتم، الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق، هي النّور الذاتي، ألفٌ ونقطة هوية وسرّ. هي أفضل الحروف المخلوقة، إن كان الألفُ قد تنزّه عن الخلقية كونُه عينُ مدد الحبر ومدد المعنى الذي منه ظهرت الحروف والكلمات والموجودات. إنّما ظهرَ حرفاً لينوبَ عن الحبر والنقطة في تنزيهها وأحديتها، فتخضعَ لهُ وبأمرِه الأكوانُ والحروف والموجودات. ولا بدّ لهذا الإطلاق وهذا الحبر الغير المنتهي وهذه النّقطة المصمتة في كنزيّتها وعذريّتها، أن يتجلّى في خليفة هو عينُ الإطلاق. ولمّا كان الإنسانُ هو المخلوق على الصورة، فقد ظهر مخلوقاً على صورة الخليفة. أو سبق القدرُ أن يكونَ الخليفةُ من عينِ جنس هذا المخلوق ظهوراً وحرفية، وهو في السرّ متعالٍ عن ذلك، متعالٍ حتى عن جنس الإنسان، من أفراد ولد آدم عليهم السلام، لأنّهُ ما مثّلَ سوى الحرف الأوّل المنزّهُ عن الخلقية حرف الألف، بينما سائرُ الأفرادِ دخلوا في خلافة الألف عبر الباء، فبالباءِ صحّ لهم الدّخول، فهم على قدمِ الباءِ الذي هو باءٌ والف في ذاتِ الوقت. إلاّ هذا الخليفة ولِدَ ألِفاً، ولكن بحُكمِ وجوده الابتدائي تحتَ حكم العنصر والأكوان والسّفل المقدّر في عالم الأكوان، ما مثّل حين ذاك إلاّ الألِفَ بمعانيه ودلالاته بين العلوّ والسّفلِ كما هو التمايز الواقع في عالم الأكوان، أرسلَهُ الله في آخر الزمان بعد ما استولى رسول العنصر والتراب والمادة والسّفل على معاني الحروف، فدجّلها وطمَسَ مراميها العالية ومعانيها السامية، وجعلَ من دلالاتِ الحروف والكلماتِ في عالمِ السّطورِ سفليةً ومدجّلةً ومنكّسةً، ففصمها عن إطلاقها وعن روحِها، وعن مددها الذي لا ينتهي من بحرِ هويّتها وكنزيّتها، وعانى في جملة ذلك كلّ حرّ شريفٍ يرومُ معنى جميل، ومدداً أصيلاً، فضاقتِ في عالم السطور والحروف والأكوان حقائقُ المعاني.
وفي الحقيقةِ ما ثمّةَ إلاّ هذا الألِف، بظهورِه العنصريّ والمتضاد، قامَ فيه صراعُ وجودِهِ الكثيفِ المنسوب إلى معاني السّفل والمادة، ووجوده اللّطيف المنسوب إلى عالم العلوّ والروح والإطلاق. وتجسّدَ العالَمُ كلُّهُ ألِفاً، فالحروف والسطور كلّها أصلُها وليست سوى ألفٍ، فهو حقيقتُها، انعكس العالَمُ من وجودِه وهذا الصراع القائمِ فيه، قبلَ أن يصحوَ من سكرٍ كان فيه، فوجدَ دجّالَ عنصره ومادته وسفله قد دجّل المعاني وشيطانه قد قطع الطريق وأعدّ كل الوسائلَ الممكنة لقطع الطريق على الروح فيه، والعودة إلى اصله وإطلاقه، لتعود المياهُ إلى مجاريها ويزول التدجيلُ والتسفيلُ في هذا العالَم.

هناك قامت حربُ الحروب، وجهدُ البلاءْ على هذا الخليفة قبل أن يتّصل بإطلاقِه وينفلِتَ من عنصره وترابه، فتضادّ فيه المعنيين السّفلُ والعلوّ، والمادة والروح، والكثافة واللّطافة، والحسّ والمعنى. وهو في أصله كلّ ذلك ومنطوٍ فيه ذلك، فالكثافة عرَضٌ فيه، واللّطافة هو اللّطيفُ القديمُ، هو الألِفُ والألِفُ لا يُعطي إلاّ معنى تجلّي الإطلاق في الحروف ومعانيها ودلالاتها، لأنّه وراء باءِ التجلّي، لأنّ الباء هي مدخلُ الألِف، والدالة عليه.
فالخلاصة هذا الوليّ المتفرّد مقامُه في الألف لم يخرج منه، ودلّ في عنصره ومادته على أصلية المعنى، الذي نبعت منه الأضداد، على الألف الذي ظهرَ بالمعاني والسفل والعلوّ وجميع التجليّات في الأكوان والحروف والسطور. ودلّ على حقيقة الصّراع في هذا المخلوق الإنسانيّ، وأعطى صورة الحقائق على واقعها كأنصعِ ما يكونُ، وبدتْ هناك حضراتٌ من السفلية ما ظهرتْ قبله وكذا بدتْ هناك حضراتٌ علوية ما ظهرت قبله، وارتفعَ كعبُ الفهم عن الله ارتفاعاً فاق جميع العصور، ووضحتْ الحقائقُ لمتلمّسٍ كما لم تتوضّح من قبلُ لكثيرٍ من الخواص وخواص الخواص الذين كانوا موجودين. فهو زمانٌ عجيبٌ، زمانٌ غريبٌ. الغربةُ فيه عظيمة، والمعاني فيه عظيمة، والصراع فيه عظيم كبيرٌ بين السّفل في أجلى صوره وأجناده وأمداده، والعلوّ المكنونِ في سرّ هذا الوليّ الذي هو أصلُ كلّ شيءٍ، فلهذا انتُخِبَ لآخر الزمان ليخرج بالحروف والسطور بعد ذاك التدجيل الكبير، والتسفيل العظيم والشيطنة الكبرى إلى إطلاقها وحقيقتها. فإذا تحقّق وخرج عن مادته وعنصره، خرجت تلك الحروف والكلمات لا محالة معه، فهو حقيقتُها وهو عرشها الكليّ، وإليه مرجعها وحقيقتها. فزالَ الدجال والشيطان والسفل والشرّ إطلاقاً، وقام الحقّ في العالم وتقدّس.

وجميع حقائق آخر الزمان ترجِعُ لحقيقة هذا الوليّ الألف، كظهور الشمس من مغربها، فهو عين الشمس المغربية القائمة بنفسها فهو الروح المعظم، وانغلاق باب التوبة، لأنّ الألِف قد أشرق على الألِف، ألف مطلق أشرق على ألفٍ محدود في عالم المادة والكثافة، فلا يغفرِ لنفسه وذاته، بل إمّا يرفَعُ ما كان موجوداً ويقبله وهو ما انتمى للعلوّ والإطلاقِ ولاءً وانتماءً، أو يقهرُ ويبيدُ ما انتمى لضدّ العلوّ والإطلاق والأصلِ. وبهذا ينتفي التدجيل ويُبَادُ الظالمون إبادةً، وآخرهم الدجّال. تلك هي الحقائق.

فهذا الوليّ هو الخاتمُ وهو الوليّ وهو المالك والخليفة، خليفة الإطلاق، بل هو عينُ الإطلاق تجلّى في مظهر ذاتيّ. فلذلك فهو أوّل حرف، وهو الظاهرُ بجميع المراتب التي تمظهرَ بها الكونُ، وتجلّت بها الحروف والكلماتُ.