السبت، 30 مايو 2015

حامل لواء الذات القائم بحقّ حمد الله المهدي 74



إنّ محبّة الله سبحانه، لا تُعارض محبّة رسوله صلى الله عليه وسلّم.
والله سبحانه جعل الطريق لمحبّته عبر طريق محبّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم والفناء فيه. فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو روح الوجود وروح الطريق إلى الله وروح الخلق، لأنّه المعنى الذين منه خلقوا والنور الذاتي الذين منه انبثقوا، فلا يُعرفُ الله سبحانه إلاّ بذلك المعنى والمحطّ الرحماني، فحين تفنى في العبد الذي جعله الله معنى العبودية وحقيقتها فإنّك حينها ستمضي على قدمه لتعرف الله وتحبّ الله سبحانه. والرسول صلى الله عليه وسلم هو العبد الوحيد الذي أهّله الله لهذا الفضل وهذه الميزة، العبدُ الذي رأى الله سبحانه، وعرج إلى سدرة المنتهى. فلن تعرف الله وترى الله وتحبّ الله حقّ المحبّة إلاّ إذا كنتَ على قدم العبد الخالص الأوّل المحبوب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، فحين تتحقّق بمحمّدك ستشهدُ أحمدك. محمّديتك باب أحمديتك، عبوديتك باب خصوصيتك. كلّ الطرق منقطعة إلا طريق الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلّم. فمعراج القرب هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم.
هذا مبدأ ثابت، لا يُعارض ولا يُزاحَم. والشيوخ المربّون إنّما صحّ لهم ذلك، بتلك المحمدية فقد صاروا رسلاً لمعرفة الله تعالى والدلالة عليه. وقد اجتمع فيهم في الأصلِ، المحمدية والأحمدية معاً، فهم بابُها والأدلاّء عليها. ففنى المريدون في شيوخهم ثمّ فنوا في النبي صلى الله عليه وسلّم بشهود شيوخهم حاملي أنوار الحبيب صلى الله عليه وسلّم، ثمّ فنوا في الله تعالى لأنّ أنوار الحبيب صلى الله عليه وسلم قائدة لله تعالى. هذا هو الطريق. قلنا في الأصل، لأنّ الحقيقة ليس جميع من اشتغل منصب التربية والارشاد عبر الأزمان والأحقاب في هذه الأمّة تحقّق بتلك المحمدية والاحمدية ونال درجة القرب. بل ما أقلّ المقرّبين والأفراد المتحققين، شيوخ الارشاد والتربية بحقّ وتحقيق. قلّة نادرة وليس كلّ من اشتهروا وظهروا في الأكوان على ألسنة الخلق نالوا تلك الدرجة المقرّبة، فهذا حقّ. نادرون وقلّة وآحاد أهل التربية الأمجاد وكذا الأفراد.

وذكرتُ هذه المقدّمة والاستطراد، لأقول أنّ غربة آخر الزمان وصعوبته المتفرّدة ما كانت إلاّ مجلًى لطريق الله سبحانه، وطريق الإسم الأعظم. فإنّ إرادة وجه الله سبحانه دونها خرط القتاد، ولا يثبتُ لها إلاّ الآحادُ والأفرادُ. ولذلك جاء آخر الزّمان صورةً لهذا الطريق، فهو طريق صاحب الإسم الأعظم. وحضرته، وهو صورة الذين سلكوا هذا الطريق المظلم الغريب العظيم الذي تسقطُ دونَهُ دعاوى الأدعياء، وهمم الكثيرين وان كانوا نجباء، ولا يصمدُ ولا يبقى إلاّ الخلَّصُ القلّة الآحادُ.

فالذكرُ بالإسم الأعظم من أشدّ الأذكار على النفس، فهو قرينُ الجهاد، لا يعدله ذكرٌ، لأنّ النّفسَ تنفرُ منه نفوراً ويثقلُ عليها ثقلاً عظيماً، لأنّه يُبيّنَ عين هذا الطريق الخالص القائد لوجه الله سبحانه.

بين التحقّق بالإسم الأعظم وبين المريد حضرات ومنها حضرة الدجال، دجال نفسه وسامري نفسه وقرينه، وذلك شيءٌ يغرقُ فيه الغارقون، ويهلكُ الهالكون إلاّ من ثبّته الله واجتباه وأراد له الوصول، والوصول يُحصي شروطاً عظمى، الهمّة والإرادة الخالصة والثباتُ والعقل القويّ. الوصول إلى تلك المهامه يحتاجُ عقلاً عظيماً، على خلافِ ما يظنّ الكثير من المتصوّفة أنّ الطريق يُقادُ بغير عقلٍ. ولكن هناك عقلٌ للفهمِ عن الله سبحانه، وهناك عقل ترابيّ مذمومٌ هو المنهيّ عنه، وتشغيله يمنعُ السالك الى الله تعالى. فهناك التسليم والتفويض، وهناك العقلُ والفهمُ عن الله تعالى. ركنان متوازيان يصحّ بهما السّيرُ إلى الله تعالى.

صفوة الصفوة هم اصحابُ الإسم الأعظم، والملامية الأقدسيون، فنوا في الله تعالى، وخلصوا لوجه الله سبحانه، فهم أهلُ الله وخاصّته. فنوا عن النّفوس. وما أدراك ما النّفوس.

كم من مظهرٍ فخمٍ يُظنّ به الوصولُ، وهو في الحقيقة لم يطوِ نفسه، ولم يبلغ حضرة قدسه. ما أقلّ أهلَ حضرة الله تعالى. وطريقُ آخر الزّمان تتجلّى فيه الفتن التي تعرِضُ لخاصة المقرّبين، ولكن تتجلّى عامّة بحُكمِ ظهورِ الرجل الذاتيّ صاحبِ الإسم الأعظم ورجل الساعة والقيامة. فهو زمانٌ مختلفٌ عنيدٌ مريدٌ.

فالإسمُ الأعظم وطريق الله لا يقنعُ من السالك بشيءٍ، حتى يذهبَ بكلّ محبوباته ونديّاته وأهويته من حوله، ولايبقى له إلاّ وجهُ الله تعالى في طريقٍ عظيم شديدٍ، أساسُ السّيرِ فيه الاضطرار، ومن يقدِرُ على تلك الأهوال والمفاوز ؟ سوى صادقٍ ألجأهُ اضطرارُه لربّه، فانتشله الله من غرقه وعوزه وهلكته، ونجّاه به سبحانه. فهذا هو طريقُ الأحرار.

وفي هذا المقام، مقام الإسم الأعظم جاء عن حذيفة قال : جئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والعباس -رضي الله عنه- جالس عن يمينه ، وفاطمة - رضي الله عنها - عن يساره ، فقال : " يا فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعملي لله خيرا ; فإني لا أغني عنك من الله شيئا يوم القيامة " . قال - يعني ذلك - ثلاث مرات.
ثمّ التفتَ إلى العباس وقال نفس ما قاله لفاطمة.

سمعنا سادتنا رضي الله عنهم بما هو معناه عن هذا الحديث ، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة عليها السلام بنت وقرّة عين ابيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا أغني عنك من الله شيئاً، أي مقام اسم الله يطلبُ اجتهاداً خاصاً وإرادة وسعياً لا يغني فيه سائرُ الوجاهات والشفاعات، بل يطلبُ طريقاً خاصاً شاقاً لنيل تلك الخصوصية والتجرّد للوصال وطلب ذات الله سبحانه ووجهه خالصاً. وهنا ارتفعت النّسبة الربّانية عن النّسبة الطينية. فشرفُ النّسبة لله تعالى أعلى من شرف النّسبة الطينية. ولا يبلغُ بك مقام النّسبة الطينية مقام النّسبة الربّانية إلاّ بالتحقّق. وإنّما خُصَّ آلُ البيتِ عليهم السلام بنقاء طينتهم ونور النبوّة فيهم فكانوا إذا تحقّقوا بالنّسبة الإلهية فاقوا غيرهم وصارَ في وسعهم ما ليس في وسع غيرهم. لكن بشرطِ التحقّق الخالص وتحقيق النّسبة العالية.

ومن هنا، فإنّ محبّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هي غايةٌ لأنّها وسيلةٌ لمحبة الله سبحانه، فما تحقّق بحبّ الله الأعظم الخالص سوى قلبِ عبده النبيّ صلى الله عليه وسلّم. والغاية والأصلُ هي محبّة الله سبحانه. ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) ﴾. ( سورة آل عمران ). وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: (أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحبّ الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي). رواه الترمذي.

وقال صلى الله عليه وسلّم "أهل القرآن أهل الله وخاصته"، لأنّهم تحقّقوا على قدم الحبيب صلى الله عليه وسلّم، القلب الجامع القارئ. قال الله تعالى "الرحمن علم القرآن". فلمّا نزل القرآن قلوبهم أيُدوا بروح القدس وصاروا في جملة المطهّرين وأهل حضرة الله تعالى سبحانه. هؤلاء هم أهلُ الحضرة، وهناك الفقراء الأقدسيون، مريدو هؤلاء الاساتيذ.

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.