الخميس، 25 ديسمبر 2014

حامل لواء الذات القائم بحقّ حمد الله المهدي 70



                            النقطة المُصمتة (.) والنقطة المجوّفة ( o )
                                   نقطة الذات ونقطة الصّفة

النّقطة ( . ) كانت في كنزيّتها تُخفي أسرارها وعلومها وبحارها وكلماتها وحروفها ومعانيها، فشاءت أن تتجلّى، فما تجلّت إلاّ من ذاتها لذاتها في ذاتها، ولكنّها تجلّت بحكمة وعلم وتقدير قدّرت تجلياتها ببعدين زمان ومكان، مقداران متجليّان من حكمتها وقدرتها وإرادتها في تجليّاتها، فأنشأتْ نقطةً مرآةً لها مجوَّفةً ( o ) . تكونُ هذه النّقطة المجوّفة مرآة التجليّات وبها تخرجُ الأسرار والعلوم والموجودات من عماء النقطة المصمتة الأولى، فكانت النّقطة الثانية هي نقطة التعيّن بها برزت جميع الحروف والكلمات والمعاني والدلالات وسائر التجليّات من عماء النقطة وكنزيّتها. وجعلتها مجوَّفةً تحملُ صورتها في الدائرة حول التجويف، ألف دائرٌ الذي هو من جنس النّقطة، أوّل حرف ظهر من النّقطة وأوّل حرف له اقترب من النّقطة بعدا واحداً. فكان الألف هو حامل سرّ النقطة وعلمها وعماءها بالذات والتّمام، لأنّ النّقطة ما برزت إلاّ حروفا في عالم الأبعاد والتجلّي فجعلت الألف خليفة لها، وبه تشكّلت المرآة التي هي النّقطة المجوّفة أي بالألف، فحصّلت النّقطة المجوّفة البرزخية بين عماء النّقطة المصمتة وبين عالم التعيّن والتجلّي والتجويف، وذلك بواسطة الخليفة الألف لأنّه عينُ النّقطة ولكنّه كان كتاب النّقطة في كنزيّتها. لأنّه نقطتين، نقطة الكنه الغير المدرك ونقطة العماء والمادة المتجليّة، وجاءت النقطة المجوّفة أوّل مرآةً للنّقطة المصمتة أي مرآةً للألف، ولكن منها اي بالنقّطة المجوّفة بدأ بُعد الزمان والمكان والتجلّي. فسمّيت نقطة الصّفة لأنّها أظهرتْ صفات النّقطة المصمتة من الكنزية الى الظهور بالآثار في عالم التجلّي والخلْق. فجمعتْ نقطة الصّفة بين العماء والكنزية وبين الظهور الصفاتي والتعيّن في عالم الصفات والخلْق.
وسائر من جاء من حروف عالياتٍ من أخذوا الصورة الألفية، أخذوا تلك الصورة بواسطة النقطة المجوّفة نقطة الصّفة التي هي ألف بالصورة ومرآة هذا الألف الأصليّ الذي خلَفَ ومثّل النقطة بذاتها.
فلمّا برزت الحروف والكلمات والتجليّات من عماء النقطة المصمتة برزوا بالواسطة نقطة الصّفة والتعيّن والتجويف مرآة الشهود والنقطة القاسمة من بحر العماء والكنزية، فكانت السّابقة والفاتحة للوجود والقاسمة من عطاء النقطة الأحدية.


غير أنّ الحروف والكلمات لم تكن في الأخير والحقيقة سوى النّقطة الأولى الأحدية التي أخذت ما أرادت ممّا شاءت من صور وحروف وكلمات بواسطة خليفتها الألف الذي خطّ الحروف والكلمات وحبرها. فكان وجهُ النّقطة يلوحُ في كلّ حرف وكلّ كلمة وكلّ لمسة لأنّها أصل كلّ شيء،ولأنّه في التحقيق ما ثمّة سوى تلك النّقطة المصمتة وما تجلّى شيءٌ إلاّ في ذاتِها ولكنّها قدّرت وشاءت أن تتجلّى لمخلوقاتها وموجوداتها وحروفها وتُشهدَهَم وجودها وخلْقها وإبداعها وكمالاتها الغير منتهية وصفاتها العليّة. فأبرزَتهم من مرآة شهودها نقطة الصّفة. فكانت نقطة الصّفة هي أوّل حامل لسرّ النّقطة المصمتة وما جاء من بعدها من حروفٍ عاليات أخذوا صورة الشهود كانوا على قدمها وبواسطتها. فكانت أقربهم للسرّ الذاتيّ المصمت في كنزيته الغير المدرك.
وقالت بلسان حضرتها العلية النقطة الأولية "إنّي جاعل في الأرض خليفة"، أرض تجلياّتي وصفحات سطوري وكلماتي، به تظهرُ الحروف والكلمات والمعاني والاعتبارات بين مداليلها المختلفة وتمايز معانيها. مهما برز في هذه الأرض فبحقيقة هذا الألف الذي رسم وكتب وأظهر الحروف والكلمات وكان مادتها من نقطتي. فسمّته إنسان، وأخذ هذا الإنسان جميع مكنونات الحروف والكلمات والمخلوقات في عالم الأرض والتجلّي. لأنّه خُلِقَ على صورة الألف الأوّل الأصليّ الذي رسمَ الحروف والكلمات والتجليّات. وجعلت هذا الإنسان مطلق الإنسان مركّب بتركيب حقائق الموجودات فيه التي ترجِعُ إليه، فيأخذ تأثيرها عليه بتمايز معانيها فيه واختلاف دلالاتها عليه، بين علوّ وسفلٍ، ومن هنا برز الابتلاء والتكليف، وتمايز الإنسانُ بين نازلٍ إلى حضيض الدّلالات والمعاني والكلمات، وبين متعالٍ إلى علوّ الدّلالات وإطلاقها وكمالاتها التي فاضت بها من نقطتها وكنزيّتها الأولى، وجعلتِ النّقطة المصمتة رسولها إلى عالم الأرض والتجليّات إلى هذا الإنسان المخلوق على صورة الألف الأصليّ، هي النّقطة المجوّفة نقطة الصّفة التي بها ومن أجلها خلقت هذا العالم بين علوّه وسفله، وأظهرتهُ ليشهد خلقُها وعبيدها بتلك المرآة ما صنعتْ. فكانت نقطة التجويف ونقطة الصفة لها مظهر في الحروف شابه الألف، هو أقرب الحروف إلى الألف، له وجهة للألف ووجهة أخرى للحروف الأخرى، هو حرف الباء. له نفس شكل الألف، إلاّ احدوداب عند الطرفين، ونقطة تحته. لأنّ الألف كان لا يمثّل إلاّ المادة الأولية في عمائها، بكونه كان مستقلاًّ ما قام بحرف آخر، حرف الألف ا ، فكان حرف الألف هو رمز الهوية التي تتوجّه إليها سائر الحروف والمخلوقات، مستقلّ منفصل حامل سرّ النّقطة المصمتة. إذ الحروف كلّها هي نقطة في الأوّل والأخير. فكانت الباء حرف الصفة وواسطة الإنسان إلى حرف الألف، لها شكل الألف كأنّ جميع الحروف تشكّلوا من باء عند الكتابة والرّسم، لأنّها أعطتهم البُعد الزماني والمكاني خلاف الألف الذي بُعدُه هو بُعد العماء. ولذلك جاء رسمُ الباء كأنّها ألف نائم، ظلّ للألف، فابتعدت قدر نقطتين عن النّقطة، ابتعدت نقطةً في رسمها كما ابتعد الألف، ثمّ ابتعدت عن النقطة التي تحتها بانفصال اعتباريّ، بعداً آخراً، فكان بعدُها الأوّل عن الألف وكان بُعدها المنفصل الاعتباريّ عن نقطة الكنه الغير المدرك. الذي هو مدركٌ للألف الأصلي وحسب، الذي ابتعد بُعداً واحداً عن النقطة، لأنّه عينُ النّقطة مُدرك لكلّ حقائقها وأسرارها وكنهها وكان خليفتها في الأرض وعالم التجليّات، فافهم.

فلمّا قالت النّقطة المصمتة بلسان حضرتها العلية "إنّي جاعل في الأرض خليفة". قصدت أنّ عالم الأرض وحيّزه وحيّز تجلياتها فيه سيكونُ قائماً ما قامَ بألفٍ هو خليفتها، هو حامل سرّها وحامل سرّ النّقطة، وصاحب المادة العمائية الذاتية، الذي به تتشكَّلُ المخلوقات والتجليّات وهو حاملُ الوجه الذاتيّ  لمّا قالت بلسان حضرتها العليّة :
﴿وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾. فالوجه ما كان إلاّ بالخليفة والألف الأصليّ الأوّل حامل سرّ الذات. ثمّ جعلت النّقطة العليّة الإنسان  خليفةً بالاعتبار الذي ذكرناه بكونه على صورة الألف، حاملاً لجميع ما برز للوجود فيه، وكان المقصود من سائر الإنسان الخليفة الذي يكونُ حاملاً لسرّ الخليفة الأوّل، أي ألفاً ظاهراً موجوداً في كلّ زمانٍ، يكونُ هو الخليفة والألف الذي به تقومُ الحروف والمخلوقات، ويكونُ على صورة المرآة مرآة الشهود والنقطة المجوّفة نقطة الصّفة التي حملت صفة النقطة وكمالاتها وإطلاقاتها في عالم التجلّي، أي على صورة الباء من وجهٍ وارثاً للباء وخليفةً لها، وفي نفس الوقت على صورة الألف خليفةً ونائباً للخليفة الأصليّ الألف الأصليّ الذاتيّ. فافهم.
على هذا النّسق تجلّت النقطة من كنزيتها وعمائها، وجعلت خلائف على مدار الأزمنة يقومُ بهم في كلّ وقتٍ ما برزَ، يحملون سرّ الألف الأصليّ الذاتيّ.

ثمّ لمّا نضجت مسيرة الوجود إلى ذروتها وتأهّلت للشهود العليّ ظهرت الباء الأصلية التي بها برز هذا الوجود وظهرت النّقطة المجوّفة التي بها برز جميع التجلّي من عماء النّقطة المصمتة، فدلّت هذه الباء على الألف الأصليّ وكانت له واسطةً. وهي السّبب التي من أجلها خلقت النقطة العلية الخلْق ليشهدوا بواسطة هذه النقطة المجوّفة (نقطة التعيّن والصفة) خلْقها (أي خلْق النقطة المصمتة) وتجلياتها وإبداعاتها وجمالها وكمالاتها.


ثمّ لمّا حان موعدُ الساعة والعودة إلى عالم الجزاء واليوم الآخر، ظهر الخليفة الأصليّ، الألف الأصليّ حامل سرّ النقطة المصمتة والذي هو مادة جميع المخلوقات والموجودات. فظهرَ أوّلاً بنسبته العادية مركّباً بتأثيرات الدّلالات والمعاني والحروف والكلمات المختلفة في الوجود، في زمنٍ كانت قد أخذتِ الطبيعة الظاهرة الكافرة بغيب الوجود وحقيقته وبنقطته وبألِفه الذي به ظهر، أخذت سيطرتها على الموجودات بتدجيل المعاني وقتل المعاني والدّلالات العلوية وتثبيت المعاني والدّلالات السّفلية، بتدجيل وشرّ عظيمين لم يعرفهما زمان قبل ذلك. ففسدت الأرضُ وعمّها الظلمُ العظيم والفساد الكبير، والخليفة متأثّرٌ بتلك المعاني الموجودة والدلالات السّفلية لأنّهُ عينُها وروحها في الأصل فهو يأخذُ ما هو موجود قبل رجوعه إلى أصله الأوّل، وإطلاقه، لأنّه في دائرة التقييد. وهنا يظهرُ سرّهُُ فيقودُه سرّه الذاتي فيه المكنون فيه أن يعود بالوجود إلى أصله إلى إطلاق معانيه وجمالها الأعلى، عند تحرّره من قيده وتركيبه العنصريّ فتكونُ حينئذٍ الساعة ويوم القيامة، لأنَّهُ قد ظهرَتْ شمسُ المغرب والألف الأصليّ العائد بالوجود إلى أسمه الأعظم ووجوده الأصليّ وحقيقته المقدّسة من الدّلالات السفلية والحضيض. فيظهَرُ إماماً مجاهداً قائماً بالعدل حقّ قيامه ليُعطي كلّ حقيقة موجودة في وقته قيمتها التي تليقُ بها، فهو الذي ظهر بها، وهو حقيقة كلّ شيءٍ، فيعدلُ ويُبيدُ الظلم والظالمين، وآخرهم الدجّال. ولا يكونُ هو من يقتلُ الدجّال، لأنَّهُ هو الألف الأصليّ وهو الذي تحمّل ظهور هذا الدجّال فهو حقيقته، فإذا حان موعد تحرّر وجوده من الدجل والشرّ والحضيض والسّفل ينزلُ روح الله النبي المؤيّد بروح القدس ليقدّس الموجودات فتظهرُ بتمايزها لكن تمايزها الجميل والعلوي المقدّس ويقتل روح الله الدجّال. ويحكمُ روح الله الذي هو روح الألف هذا الوجود الألفيّ المقدّس. وتنتهي قصّة الدّنيا. وتبقى التفاصيل الختامية لزوال هذا الوجود الدّنيويّ الذي قام بهذا الألف، فإذا ذهب هذا الألف ذهب هذا الوجود الدّنيويّ، ثمّ يُعطي هذا الألف ذاتُه الوجود الأخروي الأبديّ الخالد. وفيه يُجازى كلّ مخلوق جزاءه.