الجمعة، 2 سبتمبر 2016

حامل لواء الذات القائم بحقّ حمد الله المهدي 87



آخر الزّمان! أحداثُ آخر الزّمان التي تجيءُ معها علامات الساعة المختلفة والتي نشهدُ بعضها في زماننا هي في الحقيقة انعكاسٌ لحقائق الطريق، هي انعكاسٌ لسيرة الخليفة المجذوب، وإنّما تجلّتْ علناً وظاهراً وعاشها النّاسُ جميعاً وإن لم يشعروا بحقيقتها أنّها حقائق الخليفة والخاتم، قلتُ إنّما تجلّت وظهرتْ بوجودِه وسيرته في سلوك الطريق.

قال العارف بالله عبد الرزاق القاشاني رضي الله عنه في تفسيره "تأويلات القرآن"  :

 " (أتى أمر الله) لما كان عليه الصلاة والسلام من أهل القيامة الكبرى يشاهدها ويشاهد أحوالها في عين الجمع، كما قال عليه الصلاة والسلام : ' بعثت أنا والساعة كهاتين '. أخبر عن شهوده بقوله تعالى  : (أتى أمر الله) ولما كان ظهورها على التفصيل بحيث تظهر لكل أحد لا يكون إلا بوجود المهدي عليه السلام)". انتهى.


فذكرَ أنّ ظهور تفاصيل الساعة وعلاماتها تكون في زمن المهدي عليه السلام. إذ هو المعنيّ باسم أمر الله، فهو أمرُ الله، وأمرُ الله هو الرّوح الأعظم. ولذلك سمّي المهدي من قِبَلِ آل البيت عليهم السلام بالقائم بأمر الله. وهذا لعلمهم بمن يكونُ. فهو صاحبُ الأمرِ والقائمُ بأمرِ الله أي هو عينُ الرّوح الأعظم في المظهر البشريّ. وإن خفيَ مقامُ المهدي عن الكثيرين. أو غابَ حتّى عن الكثير من المنتسبين للصوفية مقامُ المهدي، وكونه القائم بأمر الله أي الرّوح الأعظم والخليفة الأوّل والإمام الأعلى. ولذلك كان قدومُهُ ووجودُهُ علامة على الساعة والخروج من الدنيا والأكوان، وطهارتها من شرّها ودجّالها ونزول روح الله عليه السلام خاتماً لها، ولهذا رفع المسيح لينزل في آخر الزمان. فكلّ ذلك نتيجة قدوم الخاتم والخليفة المهدي. 


فكانت تلك العلامات الكبرى والفارقة والأهوالُ الواقعة في آخر الزمان من نتيجة قدومِ هذا الخليفة، وانعكاسِ سيرته مجذوباً، وتجلّي الحقائق التي سلكها السّالكون الأكابر، في الظاهر والعلن كأنموذج ليُشاهدها الجميع، ويعاينها المعاصرون لها. وتجلّي الملاحم التي يعيشُها أهلُ الطريق في سيرهم إلى الله تعالى ليخرجوا عن أكوانهم ويتطهّروا من نفوسهم. ولكن باختلافٍ  إذ لا تطابق في السيّر والسّلوك، فلكلّ سلوكه الخاصّ، وإن كانت نفس المحطّات والمراحل الرئيسة، وكذا فإنّ أشدّ هذه الملاحم وأعتاها هي ملاحم آخر الزّمان، ملاحمُ الختم الخليفة، لأنّه ختمُ الولاية، فكانت سيرتُهُ شاملة عامّة، والبلاءُ شديد، والغربةُ عظيمة، لعظم الوراثة وكليّتها. إذ كان طرفُ شرّ هذه الملاحم الدجّال وإبليس وطرفُ خيرِها الرّوح الأعظم أمرُ الله. والمجذوبُ وهو في تركيبه العنصري وقبل انسلاخه من مظاهر بشريّته، تتجسّدُ في سيرة سلوكه هذه الملاحم الكبرى باطنياً، وتنعكِسُ على الواقع ظاهراً. بل يكونُ لها تجليّانِ ظاهرانِ، أوّلهما قلاقلُ الساعة وقربِ زوالِ المعمعة الكبرى للبشرية وحضارتها التكنولوجية وهيلمان العسكرة والتطوّر الظاهريّ والعلم الماديّ، والعولمة الشريرة التي تهيمنُ على العالم، كما هو الشأنُ اليوم، فهذا مظهرٌ، ولها تجلّ ثانٍ ويكونُ بظهور القائم بأمر الله المهدي خليفة عادلا يملأُ الأرض عدلا وما يليه في خلافته إلى نزول سيدنا المسيح عليه السلام. فهناك تجليّانِ. وهذا الانعكاسُ يتجلّى، لقطبية هذا الوليّ بالأصالة، ونعني بقطبيته الأصيلة، أنّه قطبٌ بالأصالة حتّى قبل أن يحقّق شرائط القطبية، ووليّ بالأصالة حتى قبل أن يُحقّق شرائط الولاية التي يُحققها غيره من التخلّق بأخلاق الوليّ الحميد سبحانه، فكان هو وليّ بالأصالة بميلاده، ووجوده. ولايته تظهرُ على الأشياء، ويكونُ قطباً بلا اختياره، كونُه الخليفة التي رجعتْ إليه جميعُ الأشياء والأكوان والأشباح. فإليه مرجعها. ولذلك تجلّت تلك الملاحم والصّراعات في آخر الزمان، فهناك وليّ لم يتحقّق بعدُ بمقام الانسلاخ عن البشريّة ومظاهرها، ولم يخرج من قرية الطّبع ولم يخرج بعدُ عن الأكوان، وهناك طبعٌ وبشريّة ونفسٌ تنازعُه وتقاومُه تسعى أن تحولَ دون خروجه عنها وانسلاخه منها، فيحدثُ الصّراعُ الأكبر

وما الدجّالُ عليه خزي الله ولعنته، بتلك القدرة والخوارق التي يتعجّبُ لها من يتعجّب، كيف ملك تلك الخوارق والقدرة والتعمير ؟ ما كان ظهوره وتجليّه سوى تعبيرٍ عن بشريّة الخاتم وعقله التّرابيّ وقرينه النّفسيّ. الذي يظهرُ ليدافعَ عن وجودِه، ويقاومَ فناءَه، لأنّ الطريق من حقائقها أنّها تطلبُ الفناء عن النّفس، في الله سبحانه، في النبي صلّى الله عليه وسلّم ثمّ في الله سبحانه. فالنّفسُ هنا تُقاومُ بكلّ ما تستطيعه لتمنع هذا الفناء، لأنّه يعني فناءها هي. فالفناء هو الخروج من هذا الحيّز الجزئي والكيان البشريّ المحدود المحصور، إلى الإطلاق وشهود الواحد الأحد سبحانه، وموتِ هذه النّفس وزوالها وتلاشيها. فيحصُلُ الصّراع.

ولذلك كان قرينُ المجذوب (الخاتم) هو القرينُ الكلّي للأرض والنّاس، وهو الدجّالُ الذي ظهر منذ عهد سيّدنا موسى عليه السلام، السّامريّ عليه خزي الله الذي وعده الله بموعد لن يُخلفَه، كما اقتضت ذلك الحقائق. ومثّل الشرّ كما مثّلت النّفسُ الشرّ والطبّاع الدونية والأرضية والهوى وكلّ دون وسوء، عكس الرّوح. ومثّل العقل التّرابيّ للمجذوب، والعقل الترابي الأعلى الذي يقِفُ في الإنسان حائلاً دون أمدادِ الرّوح، والمعنى أنّ وظيفته هي تحويلُ أمداد الرّوح إلى موادّ، وإمدادات ماديّة في الجسم. ويتحكّمُ في الوظائف الجسمية وهو المسمّى بالعقل اللاّواعي والعقل الباطن وله قدرة عالية جدا تفوق العقل الواعيّ ملايين المرّات سرعة في معالجة العمليات. فتنعكِسُ هذه الأوهامُ النّفسية في المجذوب، وسلوكه وطريق تحرّره وفنائه، إلى تلك الملاحم والعلامات الكبرى للساعة.

هكذا، إيذاناً بظهورِ الخليفة الذاتيّ والمالك الأصليّ والوليّ الخاتم الذي يُقابلُه هذا الوجود، فلمّا ظهرَ، ظهرَ ما كان يلوّحُ له العارفون بالله، ويتكلّمُ عنه الساداتُ الصوفية، وما قاله الإمام الغالب باب مدينة العلم سيدنا علي كرّم الله وجهه :
دواؤك فيك وما تشعرُ ... وداؤك منك وما تُبصرُ
وتحسب أنّك جرم صغير ...  وفيك انطوى العالم الأكبرُ
وأنت الكتاب المبين الذي ...  بأحرفه يظهر المُضمَرُ

فيظهرُ الإنسانُ الكبيرُ بالأصالة، الذي إليه يرجعُ العالَم، القطبُ الأصليّ، نقطة دائرة الوجود، كما للدائرة نقطة محور تدورُ وتقومُ عليها الدائرة، كذلك يكونُ هذا الخليفة هو تلك النقطة المحورية لدائرة الوجود، به يقومُ العالَم. وهو الخليفة الذي قال الله فيه : "إنّي جاعلٌ في الأرضِ خليفةَ". أرضُ التجليّات الحقيّة والخلقية، فهو خليفتُها، وواسطتُها من مادّة الحياة، وعنصر الحياة، ومن العماء.

الخليفة الأوّل ومن هذا الخليفة ظهرَ بقيّة الخلفاء، فهم خلفاؤه. إذ هو الرّوح المطهّرُ، الذي تشفّعَ من الوحدة، قوسين : قوسُ الأسماء الإلهية وقوسُ آثارِها.

وهو المسمّى بالإسم الأعظم، هو عينُ الإسمِ الأعظم. في حقيقته، وإنّما تجلّى الإسمُ الأعظمُ مظهراَ ذاتياً في هذا الخليفة، فسمّي الخليفة، وسمّي الخاتم، خاتم الولاية من كونِ معنى الخاتم أو الختم أي الذي ختمَ المقام والمعنى بما لا يكونُ فوقه ولا مزيدَ عنه، وختم الولاية، أي الوليّ الخاتم الذي له ولاية الإسم الأعظم، أي الوليّ المتصرّف في الأسماء الإلهية، فهو قطبُ التصريف وهو إمامُ العوالم. وسمّيَ المهدي، دلالةً على كونِه العبد المجذوب الذي يُهدى بسرّه المكنون فيه، إلى سرّه الذاتيّ ومقامه، ويُعطي جميع الحضرات حقّها، دلالةً على كونِه حامل سرّها. حتى يتحقّق بالختمية والولاية العليا، ويتطهّر من الأكوان.

وكانت لغتهُ مختلفةً، كما قال الشيخ عبد الكريم الجيلي قدس الله سره لغة هذا الفتى العربي الأعجمي غير لغة الخلْق، ومحلّه غير محلّهم، وإن بدتْ عليه الأضداد، وتجلّتْ عليه آثارُ الأسماء المختلفة وهو في جذبه وتركيبه العنصريّ، فيجمعُ بين الضّعف والقوّة، الضّعف من حيث بشريّته وقيده في الأكوان وهيكله، والقوّة من حيث مرتبته وقطبيّته الحاكمة على كلّ شيءٍ، والجمال والجلال، والعلم والجهل، والشهود واللاّشهود؛ وكما وصفه الشيخ الأكبر في الفصوص أنّه يجمعُ بين تلك المواصفات المتضّادة ليُعبّرَ عن الأصل الجامع، وليس هو غير هذا الأصل الجامع. وإنّما لم نضع تلك النّقول هنا لأنّنا سبق أن وضعناها في مواطن سابقة وعديدة. وأنّك ترى وتقرأُ أنّ هؤلاء الأكابر عيّنوهُ وأشاروا إليه، في مواضع متفرّقة كثيرة، لا يخطئُها متتبّعٌ وفاهم وعارف. وأنّهُ عنقاءُ مغرب الأسطورية، التي هي من جملة ما يُعرفُ إسمُها ولا يوجدُ رسمُها ووجودها الحقيقيّ، إذ مرتبتُه فوق المراتب، ومنزلته وراء العقول، حتّى الإفصاح عنها كما نحنُ نبيّنها في مقالاتِنا يجعلها ضرباً من الأوهامِ والمزاعمِ.

وقد قالوا إثنان ليس لهما وجود، إلاّ في الأساطير : الغول والعنقاء. وآخرُ الزّمان، يظهرُ فيه هذان الإثنان حقيقةً وواقعاً : الغولُ وهو الدّجال، والعنقاء وهو الخاتم.

وكان من آل البيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، دلالةً على عظم مكانة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ربّه، وكونِه الواسطة والحجاب الأعظم على الله سبحانه، فما خرج الوليّ الخاتم إلاّ من ذريّته، كما ما تعرّفَ المتعرّفون إلى الله سبحانه إلاّ بواسطة هذا النبيّ الأعظم صلى الله عليه وسلّم. وإنّما يتطهّرُ المهدي من بشريّته وتركيبه العنصريّ، فيخرجُ إنساناً مختلفاً في صورة أحسن وأعظم وأكمل، ويصلحه الله في ليلة كما جاء في الحديث الصحيح. أي ينتقلُ من ثنائية التركيب العنصريّ والروّحيّ، إلى أصالته وكونه الرّوح والإمام المبين. بل هو خلاصةُ آل البيتِ وسلطانهم وعليه تنطبِقُ الآية الكريمة في معنى التطهير الأتمّ والأكمل، آية التطهير : ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. [الأَحْزَاب:33]. ولذلك سمّي الرّوح المطهّر، والرّجل المطهّر عن الأكوان أي مظهرُ الحقّ سبحانه عزّ وجلّ. إمامُ الأئمّة الأعلى. وقطب رحى الوجود، ونقطة دائرته. 

فإذا تحقّق بالطهارة والختمية والكمال والإصلاح، يبعثه الله قائدا وإماماً عادلاً ومجاهداً يصلحُ به الأرضَ ويبيدُ الظالمين ويقيمُ العدل، ويتصدّى للدجّالِ حتّى ينزل روح الله لقتلِ الدجّال، وبين سيدنا عيسى والدجال علاقة عكسية، كما قال بعض العارفين : أحدهما مقلوبُ الآخر، فذلك يمثّل روح القدس التي تُقدِّس، والآخر يمثّلُ الطبع الدونيّ والنّفسي المنتكس، ولذلك جاء في الحديث أنّه ما يُقابل المسيح روح الله حتّى يذوب كما يذوبُ الملح في الماء، ولكنّ المسيح عليه السلام يقتله ليطمئنَ المسلمين بقتله وزواله لشدّة ما أفسد وعربد هذا الدجّال.

وهنا ثلاثية : فالملاحمُ تحدثُ في عرش المهدي المجذوب، قبل أن يتقدّس، بوجود نفسه ووجوده في التركيب العنصريّ ومقتضياتِ البشريّة،  فيعطي ذلك وجود النّفس والطبع البشريّ والعقل الترابيّ المتراكم عليه سلطان الوهم وهو المتجسّدُ والمسمّى بالدجّال وسامريّ النّفس، ويُعطي كذلك القلب : قلب المهدي المجذوب، وهو القلبُ الذي وسعَ سرّ الروح القدسيّ، والذات الساّذج، فمثّل الإمام الأعظم الخاتم أي المهدي عند كماله وختميته، ويعطي كذلك : نزول الرّوح عليه التي بها يخرجُ من تركيبه العنصريّ ويتقدّس، ويتخلّصُ من وهمه ونفسه وعقله الترابيّ ومن قيده وسجنه، إلى إطلاقه وحريّته وسعة الله سبحانه، ويمّثلُ نزول الرّوح، نزول سيدنا عيسى عليه السلام المسمّى روح الله. ومن هنا تفهمُ سرّ بقاء سيدنا عيسى عليه السلام في السماء لينزلَ في آخر الزمان، وفي زمن المهدي عليه السلام، ولقتل الدجّال، أي ليقدّس المهديّ من الوهم والنّفس والدجال والعقل الترابيّ المتسلّط.

فهذه حقائق عن الخاتم وآخر الزّمان وسببُ تلك العلامات التي تكونُ على الساعة ...

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما.