الجمعة، 23 سبتمبر 2016

ما غادرك ربّك حتّى تسأل عن دليل وجوده؛ إنّ صفاته فيك وتجليّاته؛ تجلّى عليك فبه أنتَ تشهد العالم وما حولك ..




لبسم الله ..

تريدُ أن تشهدَ صفات الله فيك ؟!.. إنّه شهودك لما حولك والعالم .. فانظُر العالم، وشاهد .. فهل تُشاهدُ إلاّ مظاهرَ صفاتِه المتجليّات فيك سبحانه ؟! .. تلك القيّومية للعالم وما حولك إنّها فيك، تلك التناسقية والإبداع والجمال والبهرُ والسّحرُ إنّها فيك .. فبه وبصفاتِه أنتَ تشهدُ ما تشهدُ. ما غادرك ربُّكَ حتى تسألَ عن وجوده ودليله .. إنّك تسمعُ بتجلّي اسم السّميع عليك، وتُبصِرُ بتجلّي اسمِ البصير عليك، وتحسُّ وتجدُ وتتذوّقُ وتتنوّعُ حولكَ المظاهر والحياة والكائناتُ بتجلّي أسمائه وصفاتِه فيك .. إنّك تُدرِكُ بتجلّي اسم العليم والهادي فيك، ما أنتَ براءٍ إلاّ ما تجلّى به عليك لتراهُ، وذلك قدرٌ مشتركٌ للتجلّي العامّ على البشر، وإنّما زادتِ المرائي والكشوف والفتوح بحسبِ التعقّلِ القلبيّ، والشهود القلبيّ للعباد، فتخصّص البعضُ عن العامّ، بتنوّر القلوبِ وانفتاح بصائرها فأصبحت تشهدُ من العوالم والأطياف أكثر من غيرها. ولهذا اختلفتِ مسمّيات العقول اصطلاحاً. فهناك عقلٌ معاشيّ، وهو العقل المدبّرُ للحياة والتجلّي العام للكائنات والكثافة بصفة عامّة، واستوى فيه جميعُ البشر. ثمّ بدأتِ العقولُ تتدرّجُ في الزيادة بحسبِ تفتّح بصيرة القلبِ. والعمدةُ هو القلبُ في زيادة الترقّي، واتّساع محلّ التجلّي ... وإنّما جعلَ الله العقلَ المعاشيّ له اتّساعٌ في المحسوسات ومظاهرها وآثارها وقوانينها بحسبِ التوجّه لها وطلبِ علومها، وجعلَ الله القلبَ مجالَ وسْعِ العقلِ، وبحسبِ وسعِ القلبِ وتنوّرِه، يسعُ من العقلِ أكثر، ويقرأ من غيبه أكثر من ذي قبل، فتنفتحُ له الغيبيات على قدرِ التوجّه القلبيّ الصحيح، فتكونُ فتوحاً مختلفة متنوّعة، إلهاماتٌ، أو كشوفٌ، أو فهومٌ، أو أحوالٌ تتنزّلُ فتسعُ القلبَ والعقلَ معاً، تتقدّمُ به في مجالاتِ القربِ من الرّوح، أي من الله سبحانه، فالرّوح بالله عارفة وهي واسطة المدد والأنوار.

ثمّ إنّ الإنسانَ - مُطلق الإنسان - لا يزالُ في تقدّمٍ مستمرٍّ من حيث التجليّات والأسماء وسعتها، وها أنتَ ترى هذه التلوّنات والعلوم والاختراعاتُ التي تتولّدُ مع الوقتِ وتزدادُ كثرةً وتفرّعاً واتّساعاً، فهي في الحقيقة معبّرةٌ عن زيادة التجلّي الأسمائي وسعته، والإنسانُ اليوم أوسعُ من الإنسان من مئات السّنين ولا شكّ، فالإنسانُ في زيادة وترقٍّ، وإنّما ذلك عكسَهُ رحلةُ تجلّي الأسماء التي هي في زيادة وانتشارٍ حتّى تصيرَ كما هي اليوم نسخةً للإنسان الخليفة الذي جعله الله باب خزانة الجود الإلهيّ على الإنسان. فالبشرُ صورة ونسخةٌ لأقطاب زمانهم، فهذه حقيقة، صورةٌ من حيث التجليّات الأسمائية، ولمّا كان آخر الزّمان فقد كان مظهراً على التجلّي الأوسع وعلامةً على ظهورِ الخاتم، وبه صحّ لهذا الزّمان هذا التجلّي الواسع، فإنّ هذا الظاهر المتوسّع المتلوّن والمتنوّع الثريّ، يُقابلُهُ باطنٌ عظيم ونورٌ كبير، فإنّ هذا الظاهر القاتِم من حيث كسوف الأنوار وانتكاس الفطر وانعكاس المفاهيم، هو مظهرٌ لتنوّع الحضرات، وسعة الآثار الأسمائية، وظهور العلم الماديّ المقابل للعلم الباطن، ولا يقومُ علمُ المادّة ودولة الظاهرِ إلاّ بوجودِ النّفس، وكذا فإنّ تجلّي أمدادِ القدس لا يكونُ إلاّ يزوالِ النّفس، وعليه فالنّفسُ آيلةٌ للزوّال، ودولتُها وصولتُها، وحلفاؤها .. وهذا الزوالُ، يُقابلُه القهرُ الذي يزدادُ على الدّنيا، حتّى تتجلّى الوحدة الذاتية بإمامها الخليفة، خليفة الله.

وعوداً لما بدأناهُ، فإنّك أيّها العبدُ مجلى أسماء الله وصفاته في شهودِها في العالَم، حتّى وإن كنتَ عاجزاً عن شهودِ باطنِها وحقيقتها، فإنّك مشاهدٌ لآثارِها ومظاهرها فيك أنتَ، إذ لو لم تتجلَّ فيك لما قامَ للعالم وجودٌ عندك. فافهم. فالوجودُ قائمٌ كلّه فيك، إمّا بالشهود البصري والحواسيّ، أو بالشهود التخيّلي، أو بالشهود التعقّلي والفكري، والشهود العلميّ، فأنتَ لمّا تعقّلتَ الله سبحانه في عقلك وذهنك، فقد وسعتَهُ سبحانه فيك. وذلك دالٌّ على قابليتك لوسْعِ جميع الوجود، وتلك هي حقيقة الصورة من وجه تعقّلي فكريّ. فافهم، الصورة التي خلق عليها الإنسان من قوله صلّى الله عليه وسلّم "خلق الله آدم على صورته". أمّا حقيقتها الكاملة فهي الوسع القلبيّ الذي هو وسعٌ علميّ ووسعٌ عياني لجميع التجليّات، وإن لم تتناهَ هذه التجليّات الغير المتناهية. والله أعلى وأعلم.