الجمعة، 5 يوليو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 41



وقولنا عن قول الإمام علي عليه السلام "وأنا تلك النقطة" ، أنّه نقطة الفيوض والتجليات على الأكوان بالصورة الرحمانية، فإنّ إسم الرّحمن له ظهور وبطون، ظهوره هو الوجهة للخلق والأكوان، لحضرة الصفات إذ هو مجلى ظهور الصّفات، وله بطون وبطونه لحضرة الإسم الأعظم الله، بطونه للذات، فهو متضمّن للتحقّق بحقائق الإسم الأعظم وأسراره والنيابة فيه، ولولا هذا التحقّق بالإسم الأعظم لما صحّ للمتحقّقين بهذا الإسم أن يفيضوا على الأكوان، بل حقيقة إسم الرّحمن هو هذا الدور وهذا الوصف وهذا البرزخ بين الحقيّة والخلقية، فهو الحجاب وهو النقطة البيضاء، هو الرّحم الذي ولدت منه وفيه الأكوان، وهو النقطة السوداء نقطة الإفاضة من وجه المثلية والصورة التي خلق الله عليها الإنسان، لا من وجه الهوية الغير مدركة لما سوى الذات، وهنا يقودُنا الكلامُ إلى الحديث عن النقطة البيضاء والنقطة السوداء، فالنقطة البيضاء يقصدُ بها النقطة المرسومة بألف ملتفّ حولها (ه) أي هي دائرة صغيرة، فتلك الدائرة هي النقطة البيضاء، وهي نقطة التعيّن، فكأنّ النقطة السوداء هي نقطة الإفاضة والإمداد والإطلاق، ونقطة الذاتية والأحدية، والنقطة البيضاء هي نقطة التعيّن والكون، فالكونُ تكوّنَ بكلمة كن، فصارَ نقطة بيضاء، فالنقطة البيضاء هي صفة النقطة السوداء، لأنّها مجلى ظهور تجليّاتها وصفاتها وأسمائها، فكانت النقطة البيضاء هي الوجود المفاض من كنزية الذات، فكان الوجود معبّرٌ عنه بهاتين النقطتين، السوادء والبيضاء، فالسوداء نقطة الذات ومقام الجمع والبيضاء نقطة قاب قوسين واجتماع الشطرين الحقية والخلقية، فكانت النقطة البيضاء مثالاً للنبيّ الخاتم صلوات الله وسلامه عليه، والنقطة السوداء مثالاً لله سبحانه عزّ وجلّ، وبالخلافة المطلقة عن الله والسرّ الذاتيّ للخاتم الوليّ الخليفة حامل سرّ الذات، إذ هو المطهّر عن الأكوان وهو الذي لا تعلّق له إلاّ بالذات، فلا يمثّلُ إلاّ النقطة السوداء بكلّ اعتباراتها غيباً وظهوراً، تجليّاتٍ وإطلاق، إذ النقطة كما ذكرنا كانت معبّرةً عن العماء والكنزية والإطلاق الذي تجلّى منه الوجود وفاضت منه الأكوان بكلمة كن، فكما النّقطة لا حكم لها محدّد، فهي الجامعة لماهية الأحكام والحقائق، فإذا تجلّت حرفا وكلمةً لها وجهٌ سفليّ أعطت ذلك التوجّه والمعنى والحكم السّفلي، وإذا تجلّت حرفاً وكلمةً لها توجّه علويّ أعطت ذلك التوجّه والمعنى والحكم العلويّ، فافهم، فالذات لها حُكْمُ العماء والكنزية التي فاضَ منها الوجود كما ذكرنا حديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم "أين كان ربنا"، وأنّ الذات هي الجامعة للأضداد قال سبحانه {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:78]، فالجلال والإكرام صفة الذات، ولهذا كان الخليفة قبل ظهوره وبيعته وكماله كمال التقديس، في عمائه وفنائه وجذبه جامعاً بين الأضداد، كما لم يجمع الأضداد أحدٌ قبله ولا بعده، ومجذوباً بجسمه الإسرائيليّ المتفرّد الذي شرحناه، أنّه صاحب الإسراء إلى الله دون علم المخلوقات، سالك لله تعالى سارٍ إليه ومهاجر دون تكلّف ومتقلّبٌ في الأحوال والقوالب الخلقية والمعارف الحقيّة ومتوشّحٌ بالأضداد الجمال والجلال والعلم والجهل والعلوّ والسّفل، كما هو الأصلُ الذي هو الذات فافهم، وبسرّه ذاك عجز أبداً أن يُميّزه غير أهل الوصول الأكبر أصحاب النقطة، وأصحاب النقطة المقصود بهم أصحاب الإسم الأعظم أصحاب البقاء بالله تعالى، أهل الله أهل القرآن.

فكان لغته غير لغة الخلق، فهو المتفرّد ومحلّه غير محلّهم فهو الإمام الأعلى، وهو الحقّ تعالى بذاته، في مظهر الإنسان، فافهم، وإلاّ فمن كان مخاطباً العباد والخلق في مقام الخلافة عن الله يوم القيامة والجزاء ؟ ومن كان مخاطبهم قبل خلق الإنسان ؟ فما تجلّى الله من كنزيّته وعمائه إلاّ ليعودَ إليه كلّ شيءٍ، فهو الرّوح الأعظم والإمام المقدّم، فكان كلّ شيءٍ كما هو عليه في العماء، فما ثمّ إلاّ هو، ولكنّها تجليّاتٌ اعتبارية فقط، قامتْ فظهر الحادث والقديم، بتلك الاعتبارت المتعلّقة بالخلق والمراتب والأسماء والنعوت، فلمّا أرادَ سبحانه أن يظهرَ لخلقه من كنزيّته، أظهر نقطة التعيّن وهي النقطة البيضاء فكانت محلاًّ لهذا التعيّن، محلاًّ اعتبارياً، فكانت هذه النقطة هي العبد المجتبى سيّد الخلق سيّدنا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، فلولاهُ ما خلق الله الوجود ولا ظهرت الحوادث والأكوان من عمائها، فهو سيّدُها وهو عينُها، فهو سيّدُ الموجودات وأفضلها وأعلمها وأقربها لربّه، صلوات الله وسلامه عليه، فافهم. وكان صورة هذه المثلية وهذا المقام هو إسم الرحمن الجامع الذي له الرتبة الثانية بعد إسم الذات الله، لذلك قال سبحانه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107). إذ بالرحمة خلق الله الخلق، فقال سبقت رحمتي غضبي، ووسعت رحمتي كل شيء، فما من شيءٍ إلاّ ظهر بالرّحمة ومآله في النهايات إلى الرّحمة مهما كان هذا الشيء، فالسّابقُ حاكم.

والنقطة البيضاء، هي صورة النقطة السوداء، فالألف الملتفّ حول الفراغ (النقطة البيضاء) هو صورة النّقطة السوداء والذات، والفراغ هو صورة الممكنات (الموجودات)، والخلق الذين لهم حكم الإمكان، فهم بين الوجود والعدم، فهم عدمٌ عند التحقيق وارتفاع الألف فلا يبقى إلا الفراغ، وهم وجودٌ بحكم وجودهم الاعتباريّ القائم بأحدية الواحد سبحانه عزّ وجلّ. وقد ذكر الشيخ الجيلي قدّس الله سرّه في كتابه النقطة أنّ الحروف الأبجدية وردَ فيها عدد النقط السوداء ضعف عدد النقط البيضاء، فعدد السوداء 22 وعدد البيضاء 11. ويقصد بالنقط البيضاء ما ذكرناه من الحروف المجوّفة، كالميم (م) فيه نقطة بيضاء، والسوداء هي النقطة العادية، وانظر في تلك النّسبة فإنّها دالّة على الحقائق كما هي عليه، دالّة على أنّ الخلق هويتهم الحق سبحانه، فصارت النقطة البيضاء التي هي تعيّن وخلقية وكون، نصف وشطر النقطة السوداء التي هي دالّة على الذات الجامعة لشطر الحقّ وشطر الخلق، في مقام قاب قوسين أو أدنى، قوس الخلقية وقوس الحقيّة في مقام الواحدية، أو أدنى في مقام الأحدية، فالنقطة البيضاء الخلقية تقابلها النقطة السوداء الحقية، والنقطة البيضاء الخلقية ليست في التحقيق سوى نقطة سوداء تعيّنت صفةً، كما سبقَ أن ذكرنا أنّ الصفة هي الذات في تعيّن أو إسمٍ مخصوص، فصارت النقط السوداء ضعف النقط البيضاء، والعدد 11، عدد مخصوص جداًّ فهو مجموع حرفي الهاء والواو في حساب الجمل أبجد، هـ = 5، و=6، هـ+و=11، أي أنّ 11 هو إسم= هو، فالنقطة البيضاء بالمحدثات والموجودات دالّة عليه هو، فما ثمّ إلاّ هو وهنا باعتبار التجلّي والأكوان، والنقطة السوداء هي نقطة الحقّ والخليفة كانت ضعفاً بالاعتبارين الشطر الخلقيّ فهو حقيقة النقطة البيضاء، والشطر الحقّي فما ثمّ إلاّ هو، الله لا إله إلاّ هو، فالهو هنا باعتبار الهوية، فافهم. لذلك قال الشيخ الأكبر وصفاً للختم والخليفة في كتاب عنقاء مغرب  : "هو شق في خلقه، وشطر من جهة خلقه وحقّه، فانظر هناك تجده واياك.." انتهى. فوصفه أنّه شطرٌ من جهة خلقه وحقّه، ووصفه في نفس الكتاب "عنقاء مغرب" في فصل "لؤلؤة التحام اليواقيت وانتظام المواقيت" بقوله : ((فكان ياقوتة حمراء ، تجوّفت لها ياقوتة صفراء ، فأودعها سبحانه فيها وختم عليها بخاتم : "إن الساعة آتية أكادُ أخفيها")) انتهى. فكان الختم الخليفة الياقوتتين الصفراء والحمراء، الصفراء هي النقطة البيضاء (ياقوتة الخلقية)، والحمراء هي النقطة السوداء (ياقوتة الحقيّة).


يتبع ..