الثلاثاء، 2 يوليو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 40


- 40 -

فقلنا قال الإمامُ علي عليه السلام "العلمُ نقطة كثّرها الجاهلون". فقد صارتِ النّقطة رمزاً ودالاًّ على الذات، بين ظهورها وبطونها، بين تجليّاتها وإطلاقها، وأنّ الحروف والكلمات وما لاحَ على الصّفحات أصلُه نقطة عند تجريده، فجمعتْ هذه النّقطة في بطونِها وعمائها سائر ما فاضَ على الوجود، من حروف وكلماتٍ، ومن دقّقَ تدقيقاً عند كونِ النّقطة هي نقطة العلم ونقطة الأصل والوجود والأمداد والتجليّات والصّفات، عرَفَ بعين العلم ما معنى أنّ الصّفة هي عين الذات، فكلّ تجلٍّ للنّقطة أخذ هيئةً معيّنة وحرفاً معيّنا، هو في تجريدِهِ السّاذج قبل تركيبه نقطة، فالنّقطة هي أسذجُ وأبسط ما عرف، ومنه بدأ التركيب والتجلّي والصفات، فالفكرة كونها فكرةً مجرّدة ومعنًى مجرّداً عن الخيال والصورة هي نقطة، أو هي مجموعة نقاط، فالحروف هنا مهما أطلقتها توسّعَ لك المثالُ فافهم، فليست حروفا كتابية فقط، والصورة هي نقطة أو مجموعة نقاط بحسب تشكيلها وتركيبها، والصّوتُ نقطة أو مجموعة نقاط، إذ هو حروف في الأصل والحروف من نقاط، فصارَ السّمعُ بهذا الاعتبارِ نقطة ومجموعة نقاط تلعبُ دورَ تلقّي هذا الصوت الذي هو الكلام، هذا ما أرادهُ من قالَ أنّ الصّفة هي الذات، فهي تجلٍّ للذات في هذه الصّفة، فسمّيت صفةً، ولكن التحقيق العلميّ عند التعريف العلميّ الدّقيق فالصفة ليست هي الذات وليست هي غير الذات، وهذا هو تعريف الأشاعرة للصفّة، وهو تعريفٌ دقيق للصّفة، غاية الدقّة، الصفة ليست الذات لأنّ الذات أوسعُ من تقييدها في صفة بل صفتُها الإطلاق لا تتوقّفُ على تلك الصّفة التي تريدُ أن تقول أنّ الذات هي الصّفة، ولكنّها أي هذه الصفة هي ليست غير الذات، أي ليست سوى الذات في تقييدٍ محدّد ومعيّن، فالصّفاتُ لا تنفصلُ عن الذات، ولو انفصلت لما قامَ توحيدٌ. فافهم ما ذكرناهُ، فهو يُحرّرُ الكثير من العلم، وهو في الحقيقة يشرحُ سبيل تحقّق المتحقّقين بشهودهم أنّ ما لاحَ لهم من شهودٍ في الأكوان ليس سوى من امتداداتِ ذواتِهم، من كونِ ذواتهم تحقّقتِ بالأحدية والصورة فترجعُ إليهم الأكوانُ عند الجمع. لذلك كانَ التحقّق هو الإستواء على عرش الرّحمانية، قال سبحانه وتعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [ سورة طه/5]، فالرّحمانية هي التحقّق بجملة الذات، لأنّ جميع الصّفات تجلّتْ من إسم الرّحمن، فصارَ إسمُ الرّحمن أمّاً للصّفاتِ وأصلاً لها منهُ تتولّدُ فافهم ومنه تتفرّعُ، منهُ تتفرّعُ باقي الأسماء الإلهية الحسنى فهو حضرة جمعهم، وهو أمّهم، وهو واسطةُ الأسماء والصّفات إلى حضرة الذات، أو إن شئتَ قلتَ إلى حضرة الأسماء فالجامع للأسماء الإلهية هو إسمُ الله، وكذلك إسمُ الرّحمنُ هو إسم جامعٌ لجميع الأسماء الإلهية سوى الإسم الله، الذي هو الإسمُ العلمُ على الذات، فالتحقّق بالرّحمانية والتحقّق باسم الرّحمن يجعلُ العبد في مقامِ التحقّق بجميع الصّفات والأسماء الإلهية، ولمّا كان إسمُ الله دالاًّ على الذات وإطلاقها ولا نهاية كمالاتها وتجليّاتها وكنزيّتها في عمائها، فقد صارَ إسمُ الرّحمنِ هو البابُ والواسطة لمعرفة هذه الكنزية وهذه التجليّات المفاضة على الخلق. فكان خليفة إسم الرّحمن هو النبيّ الخاتم صلوات الله وسلامه عليه، فصارَ ما من كاملٍ إلاّ وكمالُهُ بواسطته صلى الله عليه وسلم، وهو سيّدُ الكملاء من الخلق، وبحر الفيوض والتجليّات.
وإسمُ الرّحمن إن شئتَ أن تعرِفَ صورة التحقّق به في القرآن فهو سورة الفاتحة، في قوله تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر:87]. من قوله تعالى {الرَّحْمَنُ . عَلَّمَ القُرْآن} [الرحمن:1-2]. فالسّبع المثاني هي سورة الفاتحة، وهي السبع أمّهات الصّفات، التي بها يصبحُ العبد على صورة الله سبحانه من قوله صلّى الله عليه وسلّم "خلق الله آدم على صورته". فحينَ يُصبحُ العبدُ متحقّقاً بهذه الصفات الحياة والعلم والإرادة والقدرة والكلام والسمع والبصر، كما هي نسبتها لله سبحانه، فهذه هي رتبة الرّحمانية التي تجعلُ العبد قادراً على التحقّق بما شاء في وجوده، فهو خليفة وهو محقّق يقولُ للشيء كن فيكونُ بإذن الله تعالى، فافهم. وهذا نقرؤه في السيرة النبويّة الشريفة لمّا قال صلى الله عليه وسلّم : (كُنْ أَبَا ذَرٍّ). فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ القَوْمُ، قَالُوا: هُوَ -وَاللهِ- أَبُو ذَرٍّ!.فانظُرْ هذه السّبع المثاني هي صورة الرّحمانية، فعلّمَ الرّحمن القرآن، كلّ متحقّقٍ بالسّبع المثانيّ، ليُصبحَ متحقّقاً بجملة الذات التي هي القرآن فالقرآن ذات محضٌ، ويصبحُ عبداً ذاتياً مطهّراً عن الأكوان، ينطبِقُ عليه قول الله تعالى {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ( 77 ) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ( 78 ) لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ( 79 ) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( 80 )} الواقعة. فتأمّل قوله تعالى إنّه لقرآن كريمٌ أي الذي تنزّلَ على هؤلاء الذين تحقّقوا بالرّحمانية، هذا القرآن الكريم في كتاب مكنونٍ، فالقرآنُ هو الكتابُ المتجلّي من أمّ الكتاب، أي القرآن المتجلّي من الكتاب المكنون الذي أنزلَ على العبد الذاتيّ المهدي عليه السلام، فالكتاب المكنون هو الكتاب المنزل على الخليفة العبد الذاتيّ وهو أمّ الكتاب، تجلّى منهُ وفاضَ الوجود بواسطة مدد الرّحمن فكان الوجود المفاض هو القرآن، ولا يمسُّ هذا الكتاب المكنون إلاّ العباد المطهّرون الذاتيون، القرآنيون أهل الله وخاصّته، ومسّهُ هو التصرّف فيه والتجلّي به من أمّ الكتاب بواسطة السّبع المثانيّ، والصّفات السّبع التي جعلت العبد على صورة خالقه، فافهم. 

فالفاتحة هي أمّ الكتاب، بهذا الاعتبار فافهم، لأنّها الصورة التي جعلت الخلفاء يمسّون الكتاب المكنون الذي هو أمّ الكتاب المنزل على المهدي، قال سبحانه عزّ وجلّ {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ.} [الرعد:39]، فكونكَ تحقّقتَ بصورة الذات، فقد صرتَ حيّاً بالله تعالى عالماً به باسم العليم مريداً تقول للشيء فيكون قادراً بقدرة الله تعالى متكلّماً بالله سبحانه في وجودكَ خليفةً إذ أقامكَ اللهُ خليفة وقطباً أو فرداً محقّقاً دالاًّ على الله تعالى، سميعاً بالله تعالى تسمعُ بسمعه كلامَهُ وبصيراً بالله تبصر ببصره سبحانه. فقد صارَ ما لله لك كما ورد في الحديث القدسيّ "كُنْتُ سَمْعَهُ الَذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَذِي يُبْصِرُ بِهِ"، فهذا هو المسمّى : البقاء بالله تعالى، وهذه هي الرّحمانية التي اصطفى الله بها خير خلقه وصفوتهم صلى الله عليه وسلّم وعلى قدمِهِ سارَ الخلفاء والأولياء وراثةً له، لذلك قال صلّى الله عليه وسلّم "خلق الله أدم على صورة الرّحمن"، فافهم فهذا الحديث النبويّ الشريف بلفظه هذا دقّقَ أكثر وحقّقَ النّسبة الرّحمانية التي شرحناها آنفاً، فخلافة جميع الخلفاء من أفراد بني آدم، طبعاً سوى الخليفة الأوّل (المهدي)، هذه الخلافة هي على صورة الرّحمن من كونِ الإنسان الكامل والقدوة والأنموذج الإنسانيّ هو سيّدنا محمّد صلوات الله وسلامه عليه الذي هو خليفة الرّحمن بالأصالة، كما قال صلّى الله عليه سلّم "كنتُ نبيّاً وآدم بين الماء والطين".
وعلى هذا التحقيق قامت الدّنيا على كلمة "لا إله إلاّ الله محمد رسول الله".


قال الإمام علي عليه السلام : "اعلم أنّ جميع ما في السموات والأرض في القرآن الكريم، وأنّ جميع ما في القرآن في سورة الفاتحة، وأنّ جميع ما في الفاتحة في البسملة، وأنّ جميع ما في البسملة في الباء، وأنّ جميع ما في الباء في النقطة التي تحت الباء، وأنا تلك النقطة". فهذا الذي كنّا نقولُه آنفاً، أنّ القرآن هو الوجود المفاض المتعيّن من أمّ الكتاب وهي الفاتحة، وأنّ الفاتحة هي الصورة والسّبع الصفات التي بها تجلّى الوجود إفاضةً وتعيّن، والبسملة هي صورة الصّفات وصورة الوجود كلّه بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله الذي عنده أمّ الكتاب الرّحمن المفيض على الكائنات الرّحيم المقدّس للذوات العائدِ بها من رحمة الأضداد إلى رحمة الرّحيم الخالصة بالجمال والنّعيم في دار القرار والجزاء، أو في مقام التقديس والتطهير عن الأكوان. فالبسملة شملتْ كلّ تجليّات الوجود ومراتبه، وشملتْ الدارين الدّنيا والآخرة، وأنّ باء البسمة هي باء الرّحمة والواسطة إلى الذات، باء الرّحمانية من كونِ حرف الباء كان على صورة الألف فكان واسطةً إليه، إلى ألف الذات، والنقطة تحت الباء هي نقطة الاستمداد ونقطة الإطلاق ونقطة الذات التي تكلّمنا عنها، فهي سرّ الإفاضة، وقوله عليه السلام أنا تلك النّقطة فهو عليّ وقته وقطب زمانه الذي جعله نائباً خليفةً يفيضُ على الأنام والأكوان بفيوض تلك النّقطة بالصورة الرّحمانية، فافهم.


يتبع ...