الأربعاء، 24 يوليو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 43



- 43 -

فذلك ما جاء في معنى الجسم الإسرائيليّ للمهدي عليه السلام، ثمّ إنّ هناك معنى آخراً يحمله هذا الوصف، إذ يطلقُ المحقّقونَ من أهل الله أكابر القوم، على المهدي وصف العربي الأعجميّ، ويصفُهُ الشيخ الأكبر في كتاب عنقاء مغرب أنّه عجميّ ليس بالعربيّ في معرض وصف ختم الأولياء مدارياً وكاتماً مقام المهدي حتى لا تظهرَ ختميته علناً ولغيرِ أهلها وفي غير وقتها، فماذا يُقصدُ بوصف العربيّ والعجميّ في بعديهما الحقيقيّان.

فهما في الحقيقة وصفانِ يعودانِ إلى الحقيقة، فوق ظاهرهما، فالعربيّ يُقصدُ به القمريّ من كونِ المحمديّين قمريون، أي بطنتْ فيهم الخصوصية الكبرى، فصاروا الى مقام الجمع الذاتيّ وراثة للحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم فهو القمريّ الذي عكس ضوء الشمس كاملةً، وبطنتْ فيه الرّوح، فكان مظهر الذات ومجلى الأسماء والصفات عليه صلوات الله وسلامه. إذ القمر يُقابلُ مقام القلب، والشمس تقابل الرّوح. فصارَ القلبُ عند عروج صاحبه العروجَ الذاتيّ ينزلُ فيه الروح فيعكسُ أنوار الروح. ويُصبحُ العبدُ ذاتياً قمرياً وارثاً للعبد القمريّ الأوّل العربيّ سيّدنا محمّد النبيّ الأميّ الأمين صلى الله عليه وسلم. فافهم. فهذا هو معنى العربيّ. فهو القمريّ لأنّ حساب العرب حساب قمريّ، وحساب العجم حساب شمسيّ.
فكانت الشمسُ هي الرّوح، وترمزُ للحقّ تعالى، فالرّوح هو الحقّ سبحانه هو الملَك الذي ظهر الله فيه بذاته كما قال المحقّقون، وهو عينُ الخليفة كما ذكرنا ذلك مراراً، فصارَ الخليفة شمسياً أعجمياً، بخلاف جميع القمريين العرب المحمديّين، فجميع المحمديّين الكمّل والأفراد هم عربٌ اصطلاحاً ولو لم يكن أصلهم عربٌ ، فافهم. ولا يوجد سوى أعجميٌ واحد هو الخليفة، فهو الشمس بذاتها. الشمس التي نزلت في قلوب المحمديين العرب، وفي قلب خير خلق الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فافهم. فكان المهدي هو العربيّ الأعجميّ. فإن وقفتَ على جزم الشيخ الأكبر لدواعي الكتم فهو الأعجميّ، وليس بعربيّ، لأنّه شمس وليس قمر. فهو الشمس بذاتها لذلك يخرجُ في آخر الزمان، وتطلعُ شمس المغرب في آخر الزمان ويغلقُ بابُ التوبة إشارةً لذهاب الخاتم والروح والخليفة، فافهم. وإشارةً لخروجه وظهوره، لمّا قال الشيخ الأكبر في عنقاء مغرب : "لم تزل الشمسُ جاريةً من المشرق الى المغرب بغيرها ومن المغرب الى المشرق بنفسها". فالمهدي هو شمس المغرب الذاتية الجارية بنفسها، لذلك طلع آيةً في السماء طلوع الشمس من مغربها آيةً على أوان الساعة. فهو علم الساعة أي المهدي. فهو الأعجميّ بهذا الاعتبار.

وإن وقفتَ على قول الشيخ الجيلي في كتاب الكهف والرقيم في وصفه للمهدي أنّه العربيّ الأعجميّ، فهو كذلك، إذ المهدي شمسه هي قمره، أو قمره هي شمسه، فمقامُ القلب هو إمامه، فهو عينُ القلب الذي نزلَ فيه الروح على القمريين العرب. فافهم، فكان هو القمر وهو الشمس جمعاً وبرزخاً أصلياً. فهو صاحبُ القلب وهو الإمام القدسيّ وهو صاحبُ الكعبة وهو قطب الأرواح كما كانت الكعبة قبلة الاشباح وكما كان القلبُ بيت الربّ ومحلّ نزول الروح القدسيّ فافهم. فهو القمريّ الشمسيّ. هو الخليفة وهو صاحبُ الذات. إذ هو عينُ الذات في سرّه. فافهم.


ثمّ إنّ الله تعالى يقولُ (وَإِنّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمّا تَعُدّونَ) [سورة: الحج - الأية: 47]. فتأمّل فيوم الربّ كسنةٍ والسنة شمسية، خلاف القمر فهو شهريّ، دورة الشمس سنوية ودورة القمر شهرية، وقال الله تعالى {ليلةُ القدرِ خيرٌ من ألفِ شهر} سورة القدر. فقرنَ ليلة القدرِ التي أنزلَ فيها القرآن، وهي الليلة المحمدية فقرنَها بالشهور وفضّلها على جنس الشهور ليُشيرَ لنا إلى أنّ المحمديّة هي القمرية والعربية ونسبتُها للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم ففضّلها على جنسِ الشهور، أمّا يوم الربّ فما ذكِرَ بنسبة التفضيل لأنّه الواحد الأحدُ الذي إليه ينتسبُ ويرجِعُ كلّ شيءٍ، فكلّ شيءٍ عدمٌ بالنسبّة لذاتيته سبحانه، ولا يقومُ إلاّ به، فافهم. فهي ليلة القدرِ التي تُقابلُ يوم الربّ، هي الليلة المحمدية التي تقابل يوم ونهار الربّ. ولهذا نالت ذلك الشرّف والفضل العظيم، فالفضلُ يعودُ لليوم، أي يعودُ لصاحب الفضل سبحانه جلّ جلاله. فالليلة تابعة وليست أصل، تابعة لليوم الذي هو الأصلُ. فكان يوم الربّ شمسياً مقروناً بالسّنة، كألف سنة ممّا تعدّون، وكانت ليلة القدرِ المحمدية قمرية شهرية. فهي ليلة من جنس القمر الذي يطلعُ بالليل، فافهم.

فكان اليوم والشمس رمز للحقّ سبحانه، لذلك كان الخليفة أعجمياً، وحسابُ العجم شمسي. فافهم هذه الاصطلاحات وهذا الكتم وهذه الحقائق التي تدورُ حول الختم والخليفة الذي هو السيّد الصّمد، وسيّد الجلال والجمال الذي لا نظير لهُ فهو حقيقة كلّ وليّ ونبيٍّ فهو النبيّ الوليّ الرّسول كما قال الشيخ الأكبر، وهو حقيقةُ كلّ شيءٍ، فهو حقيقة الحقائق. 

وكان الشهر والقمر رمز للنبيّ الخاتم صلوات الله وسلامه عليه، وبالتبعية والوراثة جميع ورثته الأولياء المحمديين، فهم القمريون وهم العرب بهذا الاعتبار وإن لم يكونوا في النّسب عرباً، فافهم.

فكان بهذا الاعتبار والتوصيف "المهدي" هو العربيّ الأعجميّ، أي القمريّ الشمسيّ. فهو حقيقة المراتب وهو العجميّ المتفرّد الذي إذا ظهرَ، كان كظهورِ الشمس في سماء النّهار، إذا طلعت وظهرت لا تُبقي وجوداً لقمرٍ أو كوكبٍ أو نجمٍ في السماء. فهو الخليفة السيّد الخاتم الحاكمُ الإمام الأعلى. وإذا غابَ كما غابَ قبل ظهوره الخاتم في آخر الزمان ظهرتِ الأقمارُ والكواكبُ والنّجومُُ. فبعثة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هي التي أهّلت الأرض وأمّته للأحمدية، فكانت الأحمدية باطنةٌ في القمريين العرب، ببعثة الهادي أحمد صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا بشّر المسيح عليه السلام ببعثة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم باسم أحمد، أي بخصوصية النبيّ الكبرى وأمّته من بعده وهي الأحمدية التي بطنت فيه وفي ورثته صلى الله عليه وسلم. وظهرتْ بكمالها وذاتيتها في الخاتم أحمد المهدي عليه السلام. فافهم.

فقلنا كان قمرُ المهدي هو شمسُه، وشمسُهُ هي قمرُه، إذ نوره ذاتيّ، فهو العلمُ على الساعة وهي ساعة تجلّي الإسم الأعظم وتجلّي الوحدة الذاتية، فحينما كان القمرُ عاكساً لضياء الشمس، كانت الوحدة ظلالية لا ذاتية، والنوّر معكوسٌ، فلمّا ظهر صاحب الضياء والنّور بذاته وطلعت شمس المغرب فقد صارت الوحدةُ عينية ذاتية، وتجلّى البطونُ الى ظهوره، فاستوى البطونُ والظهورُ في عهد الخليفة، فافهم. إذ عينُ الباطن والظاهر. ولذلك يظهرُ العلمُ في أجلى مراتبه ونصاعته، علم الحقيقة وعلم الظاهر. فقد ظهرَ صاحب العلم وصاحب الذات وصاحب الأعيان، وظهر النّور الذاتيّ بذاته شمسياً لا معكوساً كما كانت الأقمارُ تعكسُه قبل ظهوره في السماء. فافهم. قال الله تعالى {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1)} سورة القمر. فانشقّ القمر بظهور الخليفة الذاتيّ.

قال الله سبحانه {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} سورة الرعد-47. يظهرُ صاحبُ علم الكتاب الذي يشهد للنبيّ الخاتم صلى الله عليه وسلم بخاتميّته ورسالته للعالمين. وكما قال المسيح عليه السلام "نحن علينا التنزيل والمهدي عليه التأويل". فينشرُ الحقّ ويقيمُ العدل ويختمُ بنصرة الحقّ على الباطل وزوال دولة الشرّ والشيطان ودولة الدجّال. وتتقدّسُ الأرضُ من رجسها وشرورها، وتشرقُ بنورِ ربّها وتلك هي علامة نزول روح الله فيها. ينزلُ هذه المرّة في قطبية الخليفة لتعود المرتبة لصاحبها، فالمهدي هو الروح، وصاحب روح القدس الأصليّ، والمسيح هو المسمّى روح الله نبوَّةً. فافهم.

يتبع ..