الخميس، 13 أغسطس 2020

حامل لواء الذات القائم بحقّ حمد الله المهدي 91


المهدي خليفة الله الظاهر بكلّ الرتب الوجودية
السبت 13 إبريل 2019

المهدي سالك على كلّ المنازل والمراتب، متحقّق بها، لكونه الخليفة الذي ظهر بها، وتلك هي حجّة الله فيه على الخلائق والملائكة، أنّه متحقّق بمراتبهم، لكونه شفّاف السرّ، فيتلوّن بجميع الأواني، يتنزّلُ في سلوكه إلى مرتبة الوهم والعدَم، دركة دركة، ليقيمَ الله به الحجّة أنّه عينُ الذي ظهرَ بالوهم وعينُ الذي أجلى معنى العدم، فبه الله خلق ما خلَق، ويقيمَ به الحجّة أنّه الوليّ الذي تولّى كلّ مرتبة، فلا تزالُ ولايته ظاهرةً في كلِّ منزلة ينزلها، فهو الوليّ بالأصالة، وسمّاهُ النبي صلى الله عليه وسلّم، المهدي، أي مهدي من الله بصفةٍ مطلقة، مجذوبٌ أمرُهُ كلّه لله تعالى، فلولا ذاك لما كان لتسمية النبيّ صلّى الله عليه وسلّم معناها وخصوصيتها، فما خصّه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إلاّ باسم المهديّ، كأنّه المهدي المطلق، وإن ظهرَ في ظاهر الأمرِ بغير ظاهر الهداية، التي هي التحقّق بالشريعة المحمديّة، ولكنّه مهدي بلغة الحقيقةِ بتمامِ الهداية الإلهية، وعنه حاجج الله ملائكته لمّا قالوا مستشنعين مستغربين ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)) (البقرة-30). فلا يزالُ الذين على أقدام هؤلاء الملائكة الأرضيين متمسّكون باستنكارهم لجهلهم بأمر الله تعالى ومنتهى حكمته، ولا يزالون يُحاججون، حتى مع سبق الخطاب الإلهيّ الذي فنّد استنكارهم ومحاججتهم، ولكنّها الحقائق والقوابلُ حاكمة، فلا استغراب. قال سبحانه وتعالى لهم : إنّي أعلمُ ما لا تعلمون. وهل قلتُ لكم إلاّ أنّني جاعل خليفة في الأرض ؟ أرض تجليّاتي الحقيّة والخلْقية ؟ فكيف يكونُ خليفةً ولا يسعُ منّي جميع التجليّات ؟ فذلك لا يكونُ. قال سبحانه (( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) )). فامرُ الخلافة متعلّق بالأسماء، ولا يكونُ خليفةً إلاّ بوسعه وخلافتي في جميع أسمائي وتجليّاتي. فالخليفة في التحقيق هو صاحب الكتاب المكنون، الذي تجلّى الله فيه بكلّ شيءٍ في آزاله، هو العماء حيث كان الله سبحانه قبل أن يخلق الخلْق، كما ورد في الحديث النبوي الشريف. عن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه قال: ((أين كان ربنا تبارك وتعالى قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال: كان في عماء، ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق العرش ثم استوى عليه)) رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي، وصححه الترمذي في موضع، وحسنه في موضع، وحسنه الذهبي.

فهو حديث صحيح، واعتمده العارفون، وموافق للحقائق كذلك، فهذا العماء هو الكتاب المنزل على المهدي. فالقرآن مادته القراءة من هذا الكتاب، والكتاب مادته الكتابة، فهو الملكُ الأعظم المسمّى الرّوح والمسمّى أمرُ الله، والمسمّى كذلك الحقّ المخلوق به ، أي الكاتب لأقدار وأقضية الله تعالى في آزالها. والمهدي يسّميه أئمة أهل البيت عليهم السلام وكذلك المحقّقون من العارفين بالله عليهم السلام القائم بأمر الله. والمقصود ممّا أوردناهُ، أنّ الخليفة هو الذي يظهرُ بالأنموذج الفريد عند الله سبحانه، فتقومُ به الحجّة على ختم الولاية، أنّه الوليّ بالأصالة التي تولّى الله به كلّ شيئٍ خلْقاً وظهوراً وتصريفاً. فمنازلُه محدّدة معلومة عند الله تعالى قائمة بالله تعالى، يُعطي كلّ مرتبة خلقية حقّها، كما يُعطي كلّ مرتبة حقيّة حقّها. لسرّه الساذج المحض القائم فيه. وهي حجّة الله فيه على الخلائق والملائكة أجمعين، وهي كذلك إظهار لوظيفته التي خصّه الله بها وهي الخلافة الكاملة والكليّة.

وإليه الإشارة في قوله تعالى ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا)) (الكهف-1). فسورة الكهف إشارتها بالتخصيص إلى المهدي فهي سورة الولاية وسورة الحقيقة، وهو هنا نعته بالعبد الذي خصّ بنزول الكتاب عليه، ونعته بعدم العوج، فلم يجعل له عوجاً ولا الكتاب ذو عوجٍ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيراً أن يكون في كتابه العوجُ، أو عبده الذي خصّه بهذا الكتاب، وسبق الآية الحمدُ، فكأنّه العبدُ الحامد لله تعالى حقّ الحمد، لمّا تجلّى بكتابه، فأعطى كلّ شيءٍ حقّه وكلّ منزلة ومرتبة حقّها. والله يقولُ الحقّ وهو يهدي السبيل. والحمد لله ربّ العالمين.