الأحد، 30 أغسطس 2020

في معنى الخليفة ، باختصار

 12 أبريل 2020

أوّل ما انفلق الوجود انفلق على المحتد الكمالي الأعلى، فكان مظهره سيّد الوجود صلّى الله عليه وسلم، ثمّ منه خلق الله الخلّق والأكوان وكلّ شيءٍ، ومن منصّته برزَ العلمُ والأقدار، وقُسِمَتْ العطايا الإلهية. فلأجل هذا المحتد الكمالي الأعلى خلق الله الوجود، لأنّه عينُ النّسبة الدّالة عليه، وعين النّسبة الموصلة إليه سبحانه، فما يُتوصّلُ إلى الله إلاّ بهذا المحتد الكمالي، ولا يُعرَفُ الله سبحانه إلاّ من خلال هذا المحتد الكمالي. 

  أمّا الخليفة فهو شأنٌ آخر، أعلى وأخفى وأعمق. الخليفة هو صاحب النقطة المصمتة التي كانت مصمتةً مطلقةً في عمائها وكنزيّتها، بعلمها وبحور أمدادها وإطلاقها، وعظيم ما توارى من صفاتها وتجليّاتها الغير المنتهية. فما برزتِ النّقطة إلاّ بمظهرٍ ينوبُ عنها ويخلُفها في وجودها، فكان ذاك المظهر هو الخليفة، ليس سوى ذاتها العليّة قد تدّثرتْ وتنزّلت في ذلك المظهر. ومن هنا كُتِمَ شأنُ الخليفة، لأنّ مرتبته تعلّقت بعين الإطلاق، وبعين الذات العليّة، والذات العليّة منزّهة عن التحديد والتقييد، متعالية عن التعيين، فظهورُ حقيقته معلنةً يُبطِلُ حقائق كثيرة، وعقائد مركّبة، يُخشى على العقول والنّاس أن يلتبِسَ عليها حقيقة هذا الخليفة، وما جاءت من أجله الشرائع والرّسل لتأسيسه، فكُتِمَ مرّة واحدةً، وشأنُه العليّ، وإمامته العليا. فكان كما قال الشيخ الأكبر "زال عن رتبته بختمه". وإنّما أدرك العارفون الأمناء والمحقّقون أنّ لهذا الكون والعالم والوجود ملكاً، وسيّداً أعلى وأنّه عينُ الخاتم والخليفة. وقضى ظهورُه البشريّ، أن يُعطي الحقائق العليا، كصورة سرّ الذات المتلبّسة بالأضداد، وأن يُعطي المنازل التي ظهرَ بها في عمائه، فهو عينُ المادة الأصلية التي ظهرتْ بها المخلوقات والعوالم. فما يُعطي في بشريّته سوى الكثرة النّازلة عن المحتد الكماليّ الأعلى. ويظهرَ في طريق تحقّقه بكمالات التجليّات، أو أطرافها العليا، فيظهرَ معه وفي زمنه وعرشه أقطاب هذه الأطراف، طرف الظلمة والوهم، وطرف روح القدس ونبيّه عليه السلام. ويكونُ ظهوره معبّرا عن نهاية رحلة الدّنيا، من كونه نهاية رحلة الأسماء المتجليّة من الذات، فرحلتها كانت لتُعطي أخيراً مُحصّلتها، وليس محصّلتها سوى الإسم الأعظم، والذات، فيظهر بذاك السرّ وبتلك المحصّلة.