الجمعة، 2 أغسطس 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 45


- 45 -

وعَوْداً لمزيدٍ من تفصيل حقائق الشمس والقمر، وتوضيح صفات المهدي عليه السلام، التي هي صفات وخلال وشمائلٌ شاهداتٌ أنّه الإمام الأعلى وسيّد السادت، السيّد الصّمد. الواحد الأحد جلّ جلاله. لمّا كان الحقّ تعالى لا يُعرَفُ إلاّ بأسمائه وصفاتِه، ولا إدراك لما وراء ذلك لكائنِ من كانَ، إلاّهُ وحدهُ لا شريك له، وكان صاحبَ هذا السرّ والذات والعلم ما وراء ذلك هو العبد الذاتيّ، لأنّ حقيقة الألوهية اقتضتْ أنْ تكونَ هذه البرزخية بين العبدية والربّوبية، لأنّهُ في الحقيقة لا موجودَ سواهُ، فافهم. فكانَ هو سرّ كلّ موجود، فعادتْ هويّات الموجودات والكائنات إليه سبحانه. فقلنا لمّا أرادَ اللهُ أن يتجلّى من كنزيته وعمائه ليُعرفَ، خلقَ الخلق ليعرفوهُ ويرحمهم، فما كانَ واسطة الخلق إلى ربّهم ولا أخرجهم الله للظهور والخلقية إلاّ بالرّحمة، وضع هنا خطوطاً كبرى. فما خلق الله الخلقَ إلاّ ليَرحمهم. فخلقَ برزخاً للرّحمة، هو مبتدأ الخلق وبداية الخلق، هذا البرزخُ توسطّ الخالق والخلق، توسّط الحقّ والأكوان، فنقطةُ بداية كلّ كائنٍ هو برزخُ الرّحمة، وكان هذا البرزخ وهذه الواسطة هو رسول الله إلى العالمين صلى الله عليه وسلم ، الذي قال الله تعالى فيه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107). فكانتِ الرّحمة هي البرزخُ بين الذات والأكوان. ولهذا السّبب تفهم أنّ إسم الرّحمن هو ثاني إسم في الرتبة بعد إسم الذات "الله". فسمّيت هذه الرحمة الرّحمانية من إسم الرّحمن، وهو إسم مبالغة وجامع للرّحمة شاملٌ لها بكلّ اعتباراتها، سواء كانت رحمةً ظاهرةً أو رحمة باطنةً، أي سواء كانت رحمةً نعيمية أو كانت رحمةً تأديبية، قصدها التأديب من أجلِ إبلاغ المرحوم إلى نقطة استحقاق الرّحمة الرّحيمة النعيمية. فافهم. وتحت هذا الذي نقولُهُ علمٌ كبيرٌ يضحدُ بعض يقينيات من يعتقدونَ أموراً، هم في الحقيقة مخالفون لما هي عليه الحقائق. وخصوصاً في رحمة الله سبحانه الذي ما خلقَ الخلق إلاّ ليرحمهم. ولمّا كان الأمرُ ليس ضرورياً بالنّسبة للواقع، فلا يلزمُنا الخوضُ فيه. ولكنّه في علم الحقائق والعارفين بالله أقول العالمين بالله وهم فوق العارفين شيء من الحقائق الذي يطعنُ في علمهم بالله لو لم يتوصّلوا إلى هذه الحقائق.

فكان برزخ الرّحمة هو البداية، ومن كان بدايةً سابقاً كان لزاماً أن تكون إليه النهاية والمرجع، فافهم. فمقامُ الصّفات والعلم يبدأُ بالرّحمة. والرّحمة غير الذات كما قلنا. والرّحمة صفتُها العلم، إذ العلمُ ينبثِقُ أوّل ما ينبثقُ من الرّحمة، فالرّحمة هي أمّ العلم وبالتالي هي أمّ الصفّات كلّها، وخير خلق الله وسبب ظهورها من العدم هو المبعوث رحمةً للعالمين صلوات الله وسلامه عليه، بل هو عينُ الرّحمة المهداة. فافهم.

لذلك كان فناء الأشياء في خالقها وبقائها به، تعودُ إلى محتدِها الخاصّ بها وهي نقطة الرّحمة، وكلّ مخلوقٍ لهُ عودةٌ إلى هذا البرزخ، الذي هو برزخُ الرّحمة، ولكن كلّ في رتبته التي خلقهُ الله لها، وذلك بعد انقطاع الآباد، آباد الخلق، وعودتِها الى الله سبحانه، فهي بعودتِها تعودُ إلى برزخ الرّحمة، وهو برزخ البقاء بالله سبحانه فافهم، وبرزخ البقاء، الذي هو برزخُ الرّحمة الجامع هي رتبة خير خلق الله تعالى، وكلّ شيءٍ له محتدٌ خاصّ يعودُ به إلى ربّه سبحانه. وهنا اختلفت المراتب والمحاتد بين العباد والعبيد والخلق التي تعودُ بها إلى ربّها، وكان أهل الخلافة الكبرى ومقام القربة لهم محتدٌ جامعٌ وارثٌ لمقام الرّحمانية رحمانية خير خلق الله صلّى الله عليه وسلّم. خلاف البقيّة فلهم محتادهم ومراتبهم الخاصّة. ولكنّ هؤلاء الكمّل والأفراد والمقرّبين ليسوا سوى ورثةً لخيرِ خلق الله تعالى في هذا المقام، لأنّ المقام مقامه، فهو عينُ الرّحمة وهو برزخ الرّحمة الجامع، فافهم.

وإذا فهمتَ هذا علمتَ أنّ الخلق غايةَ وصولهم لهذا البرزخ، وهو برزخ الرّحمة والخلقية وبرزخ الصفات والعلم، أمّا الذات وهويّتها وحقيقتها، فليس لمخلوقٍ أن يُدرك حقيقتها فافهم، فالبرزاخُ وقفت هنالك، كالحدّ الذي لا يُتجاوز، ولا يمكن أن يُتجاوز، وكان صاحب الذات وسرّها الذي هو وراء هذا البرزخ الرّحمانيّ هو الخليفة المهدي عليه السلام فافهم، فهو الذات عينها. هو عين العماء والكنزية والهوية، فافهم.

وليُقيمَ الله الحجّة على الخلق والملائكة والأولياء والأنبياء جميعهم كان المهدي المجذوب المحجوب المتقلّب في الأضداد، العالم بعلم المراتب والحقائق، الطّاوي لطريق الله بلا تكلُّفٍ منه، الهازمِ لإبليس والدجّال بسرّه الأعظم المكتوم فيه وجسمه الإسرائيلي الأعجميّ، هو الحجّة على إمامته العليا وسيادته الكبرى، وعلى سرّه الذي استمدّ العلمَ من العماء والكنزية التي وراء برزخ الرّحمة. فافهم.

ولمّا كانت الرّحمة هي برزخ الخلق وبدايتهم، فكانت الرّحمة هي أمّ العلم، لأنّ المعلومات والأعيان كلّها انبثقت من الرّحمة ومن برزخ الرحمة، لتعلمَ علم اليقين أنّ الله فطرَ الخلق والأكوان بالرّحمة ليعيدها إلى الرّحمة، وكانت هذه الرّحمة ظاهرةً وباطنةً، تنوّعت بحسبِ حقائق الخلق فافهم. فحقائقهم هي التي حكمت فيهم، فهذا استوجبَ رحمةً ظاهرةً، وهذا استوجبَ رحمةً باطنةً لتعودَ به إلى برزخه ومحتده من ربّه.

فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعلم الخلق بربّه، لذلك كان الهادي إليه والدّليل إليه والواسطة إليه والمشرّع لدينه خاتم الأديان والرّسالات، والجامع لها.
 أمّا العالمُ الحقيقيّ فهو الخالقُ سبحانه فهو نقطة الذات وكلّ شيءِ إليه يرجِع. فحتّى برزخ الرّحمة يعودُ إليه، لأنّها رحمته سبحانه وهو أرحمُ الرّحماء وعالم العلماء ومالك الملك والمكوّن وحقيقة الكون والكائنات. لذلك كان أغيرَ على خلقه من خلقه وأرحمَ بهم منهم، فأقامَ الخلافة الذاتية في آخر الزّمان ليُقيمَ ميزانَ الحقائق، وليعودَ إليه كلّ شيءٍ، ولينسلخَ ليلُ الظلمِ بنهارِ العدلِ، فالعقاب والجزاء والعدل تكونُ من صفات المالك وصاحب الأمرِ، وهذا يقودُنا إلى صفة المهدي أجلى الجبهة أقنى الأنف، أو أعلى الجبهة أشمّ الأنف، فقد اعتدلَتِ الشمائلُ في رسول الله صلى الله عليه وسلّم برزخ الرّحمة والصفات الإلهية والكمالات الربّانية، أمّا الخاتم العزيز المهدي إذا ظهرَ فقد كان أقنى الأنف والقنى هو اعتدال الأنف وطول رقبته ورقتّها وانكسارها، القنى والشمّم كان معبّراً عن العزّة والكبرياء، والعزّة والكبرياء لا تليقُ إلاّ بصاحبها ذو الجلال والكبرياء الخليفة العزيز، وكذا جلى الجبهة وعلوّها فهو رمز النّصرة على العدوّ وظهور الحقّ وسطوعه. فكانت سيرة المهدي بين اللّين والعنف، فافهم، لأنّه المالك العادل، فهو أرحم الرّحماء بالمساكين والمظلومين، وهو الشديد العقاب والجزاء على الخصوم والأعداء، قامت خلافته للعدل المطلق، وإبادة الظلم والظالمين، والجهاد المتواصل. فهذا خليفة الحقّ سبحانه في أرضهِ فافهم. وقبلتُهُ في أرضه، وسرّهُ المطمطم.

يتبع ..