الأحد، 15 سبتمبر 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 49


- 49 -


تعالى نرى مزيداً من حقائق هذا الختم، ولماذا كانَ سبباً في إصلاحِ الدّنيا، وكانَت بعثته ووجوده في آخر الزمان هو مكرٌ بإبليس والدجّال، تعالى نحكي هذه القصّة بمزيدِ وضوحٍ لأنّ لي قلباً لا يملُّ من حقائقِ هذا الختمِ الفريد،،،

عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا مني أو من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا". رواه أبو داود والترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.
وفي رواية لأبي داود بسندٍ صحيح : "لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا".

وغير ذلك من الأحاديث التي وردت على هذه الصيغة : لو لم يبقَ من الدّنيا إلاّ يوم لبعث الله رجلاً ... فانظُرْ في لفظ النبوّة وهذه الصياغة العجيبة، وتأمّلها جيّداً، فهذا كلام من أوتيَ جوامع الكلم الذي لا ينطِقُ عن الهوى بل هو وحي يوحى، كلامُهُ حقائقٌ ومفاتيحٌ وجوامِعٌ مفتوحةٌ على القراءة والتأمّل، والصياغة هنا جاءتْ عجباً، فكأنّ بعثة هذا الرّجل ركنٌ من أركانِ الدّنيا، شيءٌ لازمٌ من حقائقها، لا تكمُلُ الدّنيا ولا تنتهي إلاّ ببعثة هذا الرّجل. هنا إعجازٌ في التعبير منهُ صلّى الله عليه وسلّم، فيه جمعٌ بين الكتمِ والتعظيمِ، الكتمِ في بساطة ذكر هذا الرّجل الذي هو منه صلى الله عليه وسلّم أو من آل بيته عليهم السلام، وكونِهِ يُعِيدُ للدّنيا عدلها ونورها بعد فسادها وانتشار الظلم والجور فيها، هكذا رجلٌ صالحٌ يسمّى المهدي اصطلاحاً، خليفة يُبعثُ في آخر الزمان، ولكنّ التعظيم مكتومٌ في الصّيغة كونِ هذا الرّجل رُكناً في وجودِ هذه الدّنيا، ولا تنتهي إلاّ بخروجه وظهوره، فتكونُ وظيفته الظاهرة أن يملأها عدلا وقسطاً بعدما ملئت جوراً وظلماً. لو لم يبق من الدّهر إلاّ يوم. لبعث الله الخليفة الختم، المعنيّ بقوله تعالى (إنّي جاعل في الأرض خليفة) ، المنعوت بوصف النبوّة أنّه عينُ الخليفة المقصود، ((فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوًا على الثلج ، فإنه خليفة الله المهدي)) صحّحه جمهرة من المحدّثين. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((يخرجُ المهديُّ وعلى رأسِهِ غمامةٌ , فيها مُنادٍ يُنادي : هذا المهديُّ خليفةُ اللهِ, فاتّبعوه.)) (الطبراني وابن عدي والكنجي وأبونعيم).

الخليفة ختم الخواتيم سيِّدُ الخواتم جميعها إذا كان هناك أختامٌ كالورثة من الأولياء الذين تحقّقوا بالختمية أي بالنيابة في الإسم الأعظم وهم أهل التحقيق المقرّبين أو خاتم النبوّة والرسالة المكرّم صلّى الله عليه وسلّم سيّد الخلق والأكوان، فالمهدي هو ختم الخواتيم جميعها وسيِّدُ الخواتم لذلك جاء في ختامِ الزمانِ علَماً على الساعة والقيامة الكبرى وعلامةً على الخروج عن الأكوانِ وانتهاء زمان الدّنيا وجاءَ إماماً للخلافة الإلهية العادلة الفاصلة الحاسمة، فهو ختمُ الأختامِ وإمامُ الأئمة. قطبُ الوجود وكعبة الشهود، روح الأرواح الذي استوجب السجود لذاته في السّماء. المبشَّرُ بقدومه "المنتظَر" الذي تنتظرُهُ الخلائقُ والأكوانُ والأرضُ انتظارَ الفرعَ لأصلِهِ، والطِّفل لأمّه، والمحبّ لمحبوبه، والضائع لدليله، والظامئ لساقيه، والحائر لهاديه، الموجود لموجده، والمحروم للمُنعم عليه، والمسمّى المهديُّ : العبد الذاتيّ المحض حقيقةُ الكتاب وحقيقة الهدى لكلّ الأكوان والخلائق {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة:1-2]، قطبُ الوجود الذي تنجذبُ حقائق الموجودات إليه، كما ينجذبُ الحديد للمغناطيس لأنّهُ ذاتُ ذواتها وعينُ أعيانها لمّا كانت في كنزيّتها وعمائها، قاهرُ الكونِ بعظمتِه، القائم بأمرِ الله المعظّم، قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يأوي إلى المهديّ أمَّتُهُ ، كما تأوي النَّحلُ إلى يعسوبها, يملأ الأرضَ عدلًا كما مُلئت جَورًا, حتّى يكون النَّاسُ على مِثلِ أمرِهم الأوَّلِ, لا يُوقظُ نائمًا, ولا يُهريقُ دماءً )) رواه الكنجي.

وقال الله تعالى {أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[النحل:1]
قال الإمام القاشاني رحمه الله في تفسيره الإشاريّ تأويلات القرآن : (({ أتى أمرُ الله } لما كان صلى الله عليه وسلم من أهل القيامة الكبرى يشاهدها ويشاهد أحوالها في عين الجمع، كما قال صلى الله عليه وسلم: " بُعِثْتُ أنا والساعة كهاتين " أخبر عن شهوده بقوله تعالى: { أتى أمر الله } ولما كان ظهورها على التفصيل بحيث تظهر لكل أحد لا يكون إلا بوجود المهدي عليه السلام قال: { فلا تستعجلوه } لأن هذا ليس وقت ظهوره.)) انتهى. فأمرُ الله هو الرّوح الأعظم والقائم بهذا الرّوح المهدي عليه السلام الذي يسمّيه أئمة آل البيت والسّلف الصالح وأهل العلم بالله : القائم بأمر الله. فانظُرْ قول القاشاني لمّا كان صلّى الله عليه وسلّم من أهل الجمع مطهّراً عن الأكوان وخارجاً عنها فقد شهد بعين الجمع أحوال مشاهد القيامة الكبرى وكذلك كلّ عبدٍ مطهّرٍ من أهل القرآن أهل الله وخاصّته الأفراد فهم مشاهدون أحوال ومشاهد القيامة الكبرى لذلك صحّ لهم الخروج عن الأكوان والطّهارة منها، ولذلك كان تعبير القرآن مُشيراً لهذا المعنى بقوله تعالى "أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ"، بفعل الماضي أَتَىٰ. فالزمَّانُ لأهل التقييد فافهم أمّا أهلُ الإطلاق فقد خرجوا عن قيد الأكوان فهم مشاهدون للماضي والمستقبل كأنَّهُ واقعٌ. فالذي أردنا الإشارة إليه هنا أنّ القائم بأمر الله وعلَم الساعة والقيامة الكبرى هو المهدي عليه السلام لذلك كانت لا تحدثُ أهوالها وأحوالها ولا تظهرُ علاماتُها إلاّ بوجوده فيشهدُها أهلُ زمانه بالتفصيل، لأنَّهُ صاحبها. فهو المطهَّرُ عن الأكوان الحقيقيّ سيِّدُ المطهّرين ورئيسهم صاحب الكتاب الذي خصّه الله بنزول الكتاب وغيرُهُ خُصّ بنزولِ القرآن وراثةً للنبيّ العدنان صلّى الله عليه وسلّم، فتطهّروا هم بالرّحمانية وكملوا بها على قدم سيّد الأنبياء والخلق عليه الصلاة والسلام، وكان صاحب الإسم الأعظم والذات الخليفة المهدي القائم بأمر الله. لذلك فالمهديّ لا يعرفُ مقامَهُ المكتومَ المعظّم سوى المطهّرين أهل الكمال والبقاء الذاتيّ الذين صحّ لهم مسّ الكتاب المكنون، لأنّ المهدي قبل ظهوره وبيعته أي في جذبه وكتمه كانت نشأتَهُ في العماء والكنزية في الكتاب المكنون، فأحوالهُ من تلك الكنزية والعماء والعماء والكنزية لا يدخلُها إلاّ من خرجَ عن الأكوان والنّفس وصارَ إلى مقام البقاء بالله، فافهم. لأنّه الوليّ بالأصالة وغيرُهُ لا يكونُ ولياًّ إلاّ بطريق الرّحمانية، فهيهات أن يعرف إمامة المهدي الخليفة ومقامه الرّفيع الأعلى سوى أهل الكنزية والعماء الأفراد المطهّرين، وانظُر إلى من تكلّمَ عنه بصفة العلم والإشارة إلى حقيقة مقامه سوى أهل التحقيق أكابر الأكابر أمثال الشيخ الأكبر والشيخ الجيلي والحكيم الترمذي والشيخ القاشاني في تفسيره وغيرهم من هؤلاء القلّة الأفراد الغرباء الأمجاد، كما أشار إليه أئمة آل البيت الأطهار وعرّفوه بمقامه الأعلى إذ يسمّونه القائمِ بأمر الله وبشّروا بقدومه. فالذاتيون الأفراد الأطهار قرَّةُ عيونهم هو هذا الخليفة ومنتهى فنائهم ومحبّتهم وذوبانهم فيه، لأنّ من فنى في الذات فقد تخلّى عن الأغيار وبالتّالي صارَ انجذابه كاملٌ لصاحبِ الذات لله سبحانه، فالانجذاب يقعُ بقدرِ التماثل الباطنيّ وعلى قدرِ الصّفاء، ولهذا سمّي الصوفية صوفية من الصّفاء، فبقدرِ الصّفاء يقعُ التحقّق والتقرّب من الله سبحانه. هذا هو قانون الجذب، وانظرْ في قوله صلّى الله عليه وسلّم (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف)، فلمّا فنى هؤلاء في الذات وقع لهم الجذب لحضرة الذات، وههنا أسرارٌ من فضلِ الله تعالى تقعُ لأهل الجذب الذاتيّ لا نريدُ أن نخوضَ فيها لكي لا يفهمُها من عليه الحجب والشوائب فهماً ناقصاً فيرتدّ ذلك عليه بالوبال، وهي من أفضال الله تعالى وإعجازاته التي حيّر بها وبهرَ أهل الجذب الذاتيّ عباده المطهّرين، فلا تَقِسْ يا صاحي الدّنيا بمنظار الماديّين ولا بمقياس المحجوبين بل قِسْها بمحبّة أهل الله تعالى أهل الولاية والقرب، سلف الأمّة وخلفها الأخيار، فإنّ السماء لم تنقطعْ عن الأرضِ أبداً ولن تنقطع إلاّ بذهاب العبد الخاتم قطب الوجود. فقلنا هؤلاء الكمّل بعد عودتهم من الفناء والجذب إلى حضرة البقاء والكمال والتحقّق والوراثة هناك يقعُ لهم التعرّف على صاحب هذه الحضرة وإمامها فليس في قلوبهم غيرُه من جهة التعلّق والعبدية والمحبّة الذاتية، ولغيره المحبّة التابعة لمحبّة الله تعالى. أمّا غيرُهُم فيحتاجونَ الفناء في صاحب الصّفات وسيّد الأكوان صلى الله عليه وسلم لأنَّهُ الباب والحجاب، فافهم. لذلك قامَ تعظيمُ صاحب الأكوان في الأكوان، لأنّهُ سيّدُها وإمامُها والقائدُ لنورِ الله تعالى ومعرفته، فلن تدخلَ إلاّ من بابه الأوحد، فاشتهرَ في الأكوانِ وعلى ذلك سارَ أهل التحقيق والمربّين على تعظيم هذا النبيّ العظيم صلوات الله وسلامه عليه فإنَّهُ سيِّدُ النّاس أجمعين ومحبوب ربّه اصطفاه لمنصّة الشهود وبعثه رحمة للعالمين وجعله دليل السّائرين إلى ربّهم وجمعَ فيه الكمال الإنسانيّ الذي تفرّق في غيره من الأنبياء والأولياء عليهم السلام.

ولذلك قد تجِدُ مشايخ لكنّهم لم يخرجوا عن الأكوان ولم يتحقّقوا بالفردانية، فتجدُهم لا يرونَ في الوجود سوى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ويظنّونَ أنّه غاية غايات القرب الإنساني وسيِّدُ السادات الذي ليس فوقه سيِّدٌ (في المظهرِ الإنسانيّ) ففاتهم التحقيق، وهم من الصالحين والعلماء ومشايخٌ لهم أتباعهم، ولكنّهم ليسوا مشايخاً على التحقيق من الذين دخلوا حضرة الحقّ سبحانه، وفنوا في الذات، لأنّ الذاتيين عرفوا الحقّ سبحانه تحقيقاً، أمّا هؤلاء فَيُسمّونَ الصّفاتيين فنوا في الأفعال وفنوا في الصفات فَهُم في بحر الصّفات لم يتجاوزوها الى الذات، فما رأوا بالشهود والعلم إلاّ بحر الصّفات فرأوا يقيناً وشهوداً سيّد الصّفات والأكوان هو كلّ شيءٍ، رأوهُ كلّ شيءٍ لا باعتبارِ جعلهِ في مقام الألوهية (حاشاهم من الشرك) بل بجعله في مقامِ العبدية المحضة وأنّه الواسطة إلى ربّه وهو صلى الله عليه وسلّم حقيقٌ بالعبدية المحضة لأنّ الله جعله العبد الدّال عليه والأنموذج الكامل القدوة المُسمّى الإنسان الكامل، أي ما رأوا الإنسان الكامل إلاّ فيه صلّى الله عليه وسلّم وهم لربّهم من أهلِ التنزيه المطلق وليسوا من أهل الحقيقة الذين عرفوا الله بالجمع بين التنزيه والتشبيه كما هي الحقيقة، لأنّ الحقيقة المحمديّة لها وجهان ولها اعتباران، لها وجهٌ للخلْقية فهي من هذا الوجه تُسمّى محمّد سيّد الأكوان، وهي كما عبّرنا عنها سابقاً النقطة البيضاء، ولها وجهٌ للحقّ سبحانه فهي من هذا الوجه تُسمّى أحمد وهو عينُ الحقّ سبحانه، هو الرّوح الأعظم أمرُ الله، وهي التي عبّرنا عنها النّقطة السوداء. فالصفاتيون لم يتعرّفوا على الحقيقة المحمديّة إلاّ من جهة الصّفات ولم يخترقوا إلى ذاتها كما اخترق الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم عند سدرة المنتهى فرأى من آياتِ ربّه الكبرى ورأى الحقّ تعالى بالحقّ سبحانه، رأى الرّوح الأعظم. فهم وقفوا عند الصّفات فظنّوا أنّ ذلك أعلى وآخر ما تمظهرَ من الإنسان، وهو حقّ من وجهٍ فمن جهة الصفات فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم جعله الله خاتم الصّفات وبحرها ومجلى كمالها الأكمل، فافهم، فالعبودية تمّت ببعثته صلّى الله عليه وسلّم فهو سيّد الخلق أجمعين، أمّا صاحب الذات السيّد الصّمد فهو فوق الصّفات، فهو الحامد والمحمود والحمد، هو حقيقة الصّفات التي تعيّنت وهو الذات بإطلاقها وكنهها هو الغيب المطلق هو بحر الصفاء، ما ثمَّ شيءٌ في الوجود يُجانسه، فالصّفات مشتقّة منه والكمالات لاحت من ذاته، فهو الإطلاق واللانهايات في الكمالات والصّفاء والعلم، هو صاحب العلم المطلق والصّفاء المطلق،  لذلك كان اسم الصوفية أي من الصّفاء، فعلى قدرِ صفائك أنتَ صوفيّ، فهم يهيمون في الصّفاء، وبحر الصّفاء هو صاحب الذات المطهّر من الأكوان والصّفات مطلقاً، فافهم. لذلك قال صلّى الله عليه وسلّم كما جاء في صحيح البخاري: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله.) فافهم. وغيرُ ذلك من الأحاديث الشريفة التي بيّن فيها صلّى الله عليه وسلّم الحقائق وأنّه رسولُ الله تعالى.
وهؤلاء الصّالحون الصّفاتيون كما ذكرنا لم يشهدوا في النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سوى العبدية والتحقّق بما خلع الله عليه من الكمال التامّ والصفات الكاملة ولكنّهم لم يُدركوا ولم يقع لهم التعرّف على الإمام الخليفة، لتعلَمَ هذا العبدَ الذاتيّ الذي ما عبّرَ إلاّ عن الإطلاق، فغارَ أن تنزلَ الأسرارَ فيُدركها غير أهلها الأمناء، وهم أمناء مأمونون عليها، فحتى هؤلاء الصّفاتيون وهم أصحاب مراتب عالية، وهم على أقدام الأنصار من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ما وقع لهم هذا التعرّف، وحتّى لو قرؤوا ذلك أو سمعوهُ لما قبلوه ولأنكروهُ إنكاراً، وهذا هو واقع الحال، وقد ذكرنا ذلك أنّها قابليات وصناديق، لذلك نادى المنادي على أهل يثرب وهم هؤلاء الصّفاتيون "يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا". أي ارجعوا عن هذا المقام الذاتيّ، فإنَّهُ لا طاقة لكم به ولا مقام لكم فيه، فهم له منكرون وهو غير معرَّفٌ عندهم، كمجالات تعريف الدّوال، فافهم، لا يُمكنُ أن تشتغلَ الدّالة إلاّ في مجال تعريفها، وكذلك النّاس معادنٌ وقابلياتٌ، حكمتْ عليهم حقائقهم. فنقولُ هؤلاء الصّفاتيون حُجِبُوا بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن معرفة الله تعالى حقيقة المعرفة، فهم ليسوا من خاصّة الله تعالى أهل القرآن، أهل العروج الذاتيّ الذي نزل عليهم العلم بالقرآن، بنزول الروح قلوبهم. فعلم هؤلاء الصّفاتيين ناقصٌ. {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ}.

يتبع ..