الاثنين، 16 نوفمبر 2015

حامل لواء الذات القائم بحقّ حمد الله المهدي 79

كتب يوم : 02/11/2015

أردتُ أن أتكلّم عن القرين، عن حقيقة القرين، لا باعتباره جنّ أو شيطان يوسوس وحسب، بل حقيقة القرين بكونه جزءًا من ذاتنا، بكونه نفوسنا التي بين أجنابنا. وقد وقعَ في بالي أنّ القرين الذي لم نصنّفه إلى الآن تصنيفاً علميا ودينيا وحقيقياً، ويجهله أغلبُنا، ولا يعتبرونه سوى الشيطان الموسوس، أنّ هذا القرين هو لاوعينا. نعم العقل اللاواعي هو القرين. هكذا وقع في بالي، لعلمي أنّ القرين تحقيقاً هو النّفس، النّفس التي نسمّيها النّفس الأمّارة بالسوء. والنّفس التي تشتغلُ لحسابِها الشخصيّ وأناها مطلقاً. بصفة لاواعية. بصفة باطنية فينا وتلقائية.

وألقيتُ نظرة اطّلاعية وتفقّدية على معنى العقل الواعي واللاّواعي، لمزيد تحقيق معنى العقل الواعي واللاواعي. والنّظر في مطابقة ما توصّلتُ إليه، مع مفاهيم تلك الاصطلاحات النفسية. فوجدتُ تعاريفاً تخدُمُ فكرتي. وأنّ العقل اللّاواعي فينا هو عينُ ما يُسمّى القرين. قد ينقدُ هذا التعريف المتديّنون السطحيون وعلماؤهم الذين انتشروا في زماننا. رغم كون زماننا هو زمان المعلوماتية والعمق والفكر والنّضج العقليّ زمان العلم، إلاّ عندنا نحنُ العرب للأسف، فالزمان هو زمان السطحية والتعتيم والصنمية. وخصوصاً تديّننا المشاع في أغلب دوائره البعيدة عن المحققين والعلماء العاملين. الذين هم أصلاً مفقودون في البوصلة العامّة، مفقودون من حيث علاماتهم وصفاتهم. ولا عجب !! .. ورغمَ أنّ القرين عند أهل التحقيق والتربية هو النّفس والأنا، ولذلك كان طريق الأحسان هو طريق الفناء عن النّفس. لأنّك لا تشهدُ الحقيقة بمنظار الحقيقة العليا إلاّ بتخلّي الوهم الذي يغشاك، وهذا الوهمُ هو وهمُ وجودك، واعتبار نفسك قائمةً بنفسها وذاتها، وهي يقيناً قائمةً بغيرها، قائمةً بخالقها الذي جعلها على صورته، ليحصُلَ لها العرفان والرجوع إلى الأصل إذا اخترقتْ حجاب الوهم. وذلك واردٌ في الحديث الصحيح المشهور لمّا قال سيدنا جبريل عليه السلام "الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك". فقال فإن لم تكن، فإنّك ستراه. أي إذا فنيتَ عن نفسك ولم تكن ستراه سبحانه، وترى الحقيقة العليا، ويزولُ الوهمُ عنك. وأكبرُ وهمٍ هو نفوسنا وإثبات وجودنا مع وجوده سبحانه.
 
فالخلاصة ليس القرين سوى نفوسنا التي بين أجنابنا، أو بالتحقيق هو اللّاوعي فينا، العقل اللاّواعي المهمل، الذي يقتاتُ من التراكمات النفسية والسلوكية والانطباعات السابقة والمشاعر المخزّنة ومجمل ما تلقّاهُ ويتلقّاهُ من الواقع، خصوصاً منها طفولتنا.

 العقل اللاواعي عبارة عن كمبيوتر ضخم جدا، وله قدرات ضخمة، يصدّرُ لنا بلا توقّف، آلاف الصور والخيارات والانطباعات والخواطر من صنعه هو، صنعَها صنعاً ذاتياً وفقاً لما يملكُه من تراكمات وسلوكيات مخزّنة ومشاعر وذاكرة وانطباعات، فيصنعُها بصورته المجملة التي هو عليها، أي بما هو عليه الآن، أي أنّه عقل عظيمٌ جدا (هذا العقل اللاواعي) يفوقُ قدرة العقل الواعي في ضخّ المعلومات والتحكّم فيك، وقد اكتشفَ العلماء أنّ سرعة تدفّق معلومات العقل الواعي ومعالجته لها هي 40 بت في الثانية، وأمّا العقل اللاواعي فوجدوا أنّ سرعته 40 مليون بت في الثانية، فالفرق في سرعتهما مليون مرة، العقل اللاواعي سرعته أكبر من العقل الواعي مليون مرة. هذا ما اكتشفه العلماء مؤخّراً. فتخيّل معي، أيّ وحشٍ نصنعُ بداخلنا ونحنُ غافلون عنه، لا يستجيبُ للعقل الواعي، ولا ندركُهُ نحن، فهو عقلٌ باطنٌ فينا، يتشكّلُ من الترسّبات والتراكمات السّابقة، ويشكّلُ خصوصيته وعقله الخاصّ به وبرنامج اشتغاله وفق تلك التراكمات والانطباعات والترسّبات السلوكية والشعورية والتخيّلية السابقة، منفصِلاً تماماً عن عقلنا الواعي وعن وعينا وحريّتنا. وهو الذي يُديرُ قراراتنا ويديرُ مشاعرنا وسلوكنا ويشكّلُ الجانب الأكبر أو الحقيقيّ، أو الواقعيّ، أو العميق من شخصيتنا، مهما اعتقدنا أنّنا غير تلك الشخصية المخفية فينا. إنّه قريننا الذي صنعناهُ بأنفسنا، أو صنعته الأيامُ فينا، وبيده لوحة التحكّم والقرارات والسلوكيات في شخصيتنا. والاختيارات والقرارات التي نتّخذها في موقف ما وجدَ العلماء أنّ العقل اللّاواعي يتّخذها قبل وصولها لوعينا وإدراكنا، بـ 7 ثواني.
إنّهُ يشتغلُ لحسابه الخاص، أو برنامجه لا يأخذُ قراراته من عقلك الواعي، بل يستمدّ استقلاليته من جملة ما ترسّب فيه وتراكم معه من سلوكيات وانطباعات ومشاعر وخيالات. .. ولكنّه قابلٌ للاختراق بالإيحاء والتدريب والتعوّد والتكرار. لأنّك حينها، سوف تلقنّه عبر ترسّبات جديدة، وتلقينات جديدة، لكنّها تحتاجُ إلى قوّة التعوّد والتكرار، لجعل الجديد مألوف وعادي وتلقائي وعفوي، وبذلك يمحي المألوفات السابقة والترسّبات السابقة، وهكذا.

 

قد يعتقدُ البعض كلامنا عن العقل الواعي واللاواعي وتصنيف القرين أنّه العقل اللاواعي يعتبر شطحةً أو تخليطاً في المفاهيم. كلاّ .. القرين هو نفسك، هو جزؤك الغير المتحقّق بالإسلام لله تعالى. جزؤك المنحرف عن الفطرة والمفاهيم السويّة والإسلام النقيّ، سواء سلوكاً أو مشاعراً وأحاسيساً أو أفكاراً وانطباعات وخواطر. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ) الصحيحين. فالمولود يولد على الفطرة نقيّاً، جديداً، عقله اللاواعي نظيف من التحويرات والتعديلات. ثمّ تبدأ رحلة الإنسان ليتلقّى من بيئته وأسرته بحواسه الخمس ما يركّبُ ويشكّلُ فيه العقل اللاواعي، تراكمات وترسّبات وانطباعات وسلوكيات وأخلاق وانحرافات وممارسات ومعاملات مختلفة تترى عليه يومياً يتلقّاها، يتغذى منها عقله الواعي واللاواعي على السواء. عقله الواعي هو العقل المنطقي الحسابي البديهي المراقب، ويتشكّلُ من التربية والاحتكاك والتعليم والمخالطة، تتشكّلُ قوّته ومدى اتساعه وفعاليته، العقل الواعي عقل واقعي منطقي تحليلي تعاقبي. والعقل اللاواعي هو العقل الباطن الذي يشتغلُ بالتراكمات والسلوكيات والانطباعات والمشاعر والعواطف المخزّنة مع الأيام. خصوصا السنوات الأولى لأنّها تعتبرُ قاعدته التي يبني عليها ما يأتي بعدها من تراكمات وانطباعات غالباً. فهو عقل معقّد مركبٌّ خياليّ لا يعتمِدُ على المنطق والبداهة والمعقول بقدرِ ما يعتمدُ على مجمل ما خزّنه من أفكار ومشاعر وخواطر وسلوك وعواطف وصدمات ومنعرجات شعورية ومحطّات سلوكية هامّة شكّلتْ جوهره، وشكّلت حقيقته وطريقة فعله وردّات فعله. وهو الذي يشكّلُ فينا الشخصية العميقة والحقيقية. لأنّه يمثّلُ أكثر من تسعين بالمائة من معاملاتنا وقراراتنا وأفعالنا وردّات فعلنا.
وعليه نفهمُ لماذا، كانت وسيلة إبليس والدجال لغزو النّاس هو قنوات الاتّصال الصورية والمرئية والصوتية، ومدى رسوخ تعليماتهم في الأجيال التي نشأت على هذه القنوات، نشوءاً كبيراً نافذا نفوذا عظيماً. فكمّ التعليمات والانحرافات والسلوكيات التي غزتنا عبر الأفلام والمسلسلات والقنوات الاعلامية والاخبار ثمّ الأنترنت وكذا الصّحف والمقالات والثقافات المنتشرة المدجّلة و المفخّخة بالتدجيل والشيطنة والانحراف. صنع بها هذا العدوّ الخبير بالإنسان، وكينونته، وقدرته على رؤية دواخلنا بوضوح، وقراءة أفكارنا والتجسّس علينا، وتلقين العقل اللاواعي فينا، ومخاطبته بطريقة خبيرة ذكية، فصنعَ من الأجيال ما يريدُه من قابلياتٍ، لتمرير خططه وبرامجه مرحلة بعد مرحلة، طبقة فوق طبقة. ويرى نتائج أعماله من خلال مشاهدة عقولنا اللاواعية ومدى تفاعلها في الواقع.
في حينٍ كان المسلمون في أكبرِ الغفلات والجهالات بهذه الصناعات النّفسية، والتحصين السّلوكي العميق، والغفلة عن بناء شخصيات سويّة رصينة متينة البناء والسلوك، سليمة الفكر والفلسفة الحياتية.
في ظلّ تلك الغفلة مرّرَ العدوّ مخطّطاته، وبرمجَ ما برمج في الأجيال، حتى أنشأ أجيالاً على مراده، عقلها اللاواعي قابلٌ لمخطاطاته وبرامجه ومراداته. فاخترقنا اختراقاً عظيماً، ودمّرنا من الداخل. نحثُّ العقول الواعية في الأجيال، نذكّرُها لكنّها لا تستجيب، فعقولها اللاواعية مشكّلة لتستجيبَ لما تراكمَ عندها وترسّب فيها وما تشكّلت به.
طبعاً المسألة أخذت عقوداً وعشرات السّنين حتّى تمّ لهذا العدوّ ما يريدُ، وهي هذه التنشئة العرجاء لأجيال المسلمين والعرب خصوصا. والآن التدمير ذاتيّ وعن بُعد، والاختراق سهلٌ، بتحريك بعض الخيوط فقط، يحرّك ما يريدُه في الشعوب والأجيال، وينشئ من هذه الأجيال بحسبِ أطيافها، ما يريدُ. تشويهاتٌ في كلّ صنف وطيف. ما من فرقة إلاّ وشكّلَ فيها ثغراتٍ وانحرافات ضخمة، فضلاً عن التعتيم عن المفاهيم السليمة وتدجيل أغلب المفاهيم، فضلاً عن تدجيل العناوين الكبيرة والتعتيم عليها.

إنّ ما نعانيه اليوم من انحرافات، لهو أعظمُ من الجاهلية القديمة، كانت قديماً الجاهلية صنماً واحداً، وإن كان صنماً فاصلاً بين الكفر والإيمان، لكنّه فاصلٌ كذلك بين قبول برنامج الإيمان ورفضه، فاصلٌ واحد في أغلب الأحيان والنماذج عهدَ النبي صلّى الله عليه وسلّم. بيدَ أنّنا اليوم نعاني جاهليةً بها ما لا يعدّ من الأصنام، ليست صنمَ الكفر والإيمان في غالب الأحوال، ولكنّها أصنامٌ كثيرةٌ لا تعدّ، في المفاهيم والسلوكيات والخواطر والأفكار والأخلاق .. أصنام معقدّة مركّبة. فكيف السّبيل إلى تكسير تلك الأصنام ؟
كان في العهد السّابق يكسِرُ النبيّ عليه صلاة الله وسلامه أو الدّاعي صنماً فاصِلاً حاسماً واحداً، ليُلغي مشروع الشيطان، وهو الكفر، فيقبلُ الرّجلُ على برنامج الإيمان يتخلّله في أعماقه ويسري في وجدانه وحياته، ويغدو مؤمنا نقياً طيّباً في غالب الأحيان. ولذلك كان جيلُ الصحابة متفرّداً، فهو جيلٌ على الفطرة، كانت جاهليته غالباً في صنم الكفر والشرك بالله تعالى، وبعض الأصنام القليلة في بعض المعاملات والمفاهيم. ولكنّ الفطرة نقيّة والشخصية سويّة عموماً، خامٌ طريٌّ. مع وجودِ معلّمٍ عظيمٍ، هو منبعُ النّور، ومصدرُ الورد والمدد، فكان برنامج الإيمان ينفذ نفوذا عظيماً، ويعودُ الرجل منهم والشخص منهم إلى برنامج الإيمان الصحيح، وتتشكّلُ شخصيته، ويتصحّحُ ما بعقله اللاواعي الذي لم يكن يحمِلُ الكثير والعديد من الانحرافات والعُقَد السلوكية والفكرية والوهمية. بخلافنا نحن وفي زماننا، فقد تربّتِ الأجيال ونشأت تقتاتُ على إرسالات الشيطان والدجّال عبر تلك القنوات الإعلامية والأثيرية، مرئية وصوتية وكتابية وصحفية، كلّها تحمِلُ الكثير من الثغرات المدروسة، والكثير من الفيروسات المدسوسة التي هي مقصودة لتشكيل العقل اللاواعي في النّاس، بقدرِ توجّه كلّ طيف منهم وكلّ صنفٍ منهم إلى تخصّصه أو ميوله أو فرعه الذي يميلُ إليه، في كلّ ميلٍ وتخصّص وفرع وطيف وصنف هناك واجهات مدسوسة لدسّ التدجيل والانحرافات والثغرات السلوكية والفكرية والشعورية، مع التكثيف العظيم الذي اكتسح أغلب البيوت والأفراد، وبالأبعاد الكاملة مرئية وصوتية وكتابية وفكرية وتعليمية ومجتمعية .. فهناك وصلنا إلى ذروة التدجيل والتعتيم. وصارت جاهليتنا أضعاف أضعاف أضعاف بما لا يُقاسُ بالجاهلية الأولى، في مدى الانحراف الشخصي والسلوكي والفكري والشعوريّ والمعاملاتي .. وإن كان العنوان مختلفا. وإن كان الظاهر هو الإسلام. ولكن أيّ إسلامٍ هذا الذي يقبلُ ما نعيشُه اليوم، وما تعيشُه أجيالنا، إلى درجة بيع الدين بعرض من الدّنيا قليل ؟؟!! .. بل صناعة أجيال الوَهَن، تكره الموت وتحبّ الدّنيا، ومستعدّة للتنازل عن دينها بشيءٍ من الرّهبة أو شيءٍ من الرّغبة. لقد حدّد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم داء آخر الزمان في أمّته في الحديث الصحيح عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا». فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟! قال: «بَلْ أَنتُمْ يَومَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ المَهَابَةَ مِنكُمْ، وَلَيَقذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمُ الوَهَنَ». فقال قائل: يا رسول الله! وما الوَهَن؟ قال: «حُبُّ الدُّنيَا وَكَرَاهِيَةُ المَوتِ».
حبّ الدنيا وكراهية الموت، هذه هي خلاصة غزو ومخططات إبليس والدجال وأجنادهما على الأمّة المسلمة، عقول لاواعية منحرفة عن الفطرة، مدجّلة .. فضلاً عن العقول الواعية المنحرفة المغالطة.
إنّك تُعلنُ ولاءك لله تعالى، وترغبُ في التوبة .. فتجدُ أمامك نفساً مشوّهةً تشويهاً عظيماً، أصناماً كبرى وعديدة وغير محدودة، يجبُ عليك إزالتُها، وتسويتها، بعضها يبدو لك، وأغلبُها مخفيّ عنك في عقلك اللاواعي، في شخصيتك العميقة التي شكّلتها التراكمات والترسّبات عبر الأيام والسنوات وعبر المجتمع حولك والناس الذين أغلبهم شخصيات غير سويّة، مادية، مجالاتها بعيدة عن مجالات الروح والتزكية والصحة النفسية والعقلية .. مع ركاماتك الشخصية من العواطف والانفعالات والصدمات والانحرافات والانطباعات والسلوكيات والأمزجة المتراكم بعضها فوق بعض، المركّبة تركيباً معقّداً فيك. وفوق ذلك أنتَ لا تملِكُ العلمَ أنّ حقيقتك وشخصيتك معجونة بتلك الانحرافات والتراكمات مع السنوات، بل أغلبُ المتديّنين، يصحو على تديّنٍ ظاهرٍ، ويتماشى مع جوّ عامٍ ساحبٍ يسحبه، إلى بيئة جديدة من الصحبة والتديّن الجماعي أحيانا مسيّساً وأحيانا غير مسيّس، لكنّه تديّن يقومُ على الظاهر والمظاهر، ويحسِبُ العبدُ أنّه صار من المتّقين والطائعين والشخصيات السوية. أغلب التديّن عنوانه ظاهر ومظاهر فقط، ويلغي العمق والتزكية النفسية. فضلاً عن التديّن المشهور بزماننا يُحارِبُ السّلوك وركن السّلوك، وركن الروحانيات، ويقومُ فقط على الظاهر والمظاهر ؟؟!!! .. عجيب. ويغفلُ عن تلك الهوّة السّحيقة والركامات العظيمة والترسّبات العميقة في كيانه ووجدانه وشخصيته، وعقله اللاواعي غير ظاهرة له. متماشياُ فقط مع الجوّ العام الجديد والبيئة التي انتمى إليها مؤخراً، فصار يحسبُ نفسه قد استوى وصحّ وسلم قلبُه. فضلاً عن كونِ التديّن المشهور اليوم لا يزيدُ العبدَ إلاّ انتكاساً، في المعاملات والجفاء الروحيّ والانشغال ربّما بالسياسة على حساب تزكية النّفس، أو بالجانب الظاهري وإقامة الحياة على نمط ظاهر شنيع، يعطّلُ العقل والحرية الشخصية ويحاربُ الحيوية الإنسانية مع جفاءٍ وبُعدٍ عن الرّوح مع معاداة أهل الحقّ وأهل الرّوح، وهو الذي يعني معاداة الحق والرّوح ؟ فماذا يمكننا أن نتوقّع من هذه المعضلة المقفلة، وهذه المتاهة والدوّامة، التي لا تدري أيّ جاهليتها أخفّ ضرراً ؟ أن يبقى المرء في ماديته وحياته غافلاً لاهياً ؟ أم ينوي التوبة والقرب من الله فيتديّنُ فيزيدُ انتكاسه وتزيدُ جاهليته تعقيدا وتركيباً ؟ وفي الأخير .. فهي كما ذكرنا تفخيخات في كلّ جانب تقريباً مقصودة.


يتبع ..



هنا شريط وثائقيّ مختصر رائع (8 دقائق و9 ثواني) ، وجدته على اليوتيوب يشرح باختصار دور العقل اللاواعي فينا ويحدّد كذلك أنّه القرين ..

https://www.youtube.com/watch?v=fIXdTQYd_Wo