الأحد، 22 نوفمبر 2015

حامل لواء الذات القائم بحقّ حمد الله المهدي 80


كتب يوم : 16/02/2015


جمالُ الخليفة ..
بسم الله الرحمن الرحيم 
 
 قال الله تعالى : {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} سورة التين 1-4
   
 الإنسان هنا هو سيدنا آدم، خلقه الله على أحسن تقويمٍ. مخلوق على صورة وتقويم الخليفة (الإنسان).
 
 وخلقة الخليفة هي أحسن وأجمل خلقة إنسانية. فهو الذي لا نظير له في المظهر الخلقي والجوهر الحقيّ. طبعاً وأجملُ مخلوق هو سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
 
 وأجملُ إنسانٍ هو الخليفة عليه السلام.
 
 إنّهُ لا تعارضَ بين شهاداتِ القومِ في اعتبارِ سيّد الجمال والكمال هو سيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه. فهو أفضل الخلق وسيّد الكمالات وهو الإنسانُ الكاملُ.  
 إلاّ أنّ الخليفة هو حالةٌ خاصّة منفردة جدّاً. لا قياسَ عليه .. لأنّ كمالَ الإنسان جاء أصلاً ليشهدَ جمال وكمال وجلال الخليفة الذي تجلّى بالأعيان وآثارها في الخلق. وهو السيّد الصّمد، وهو سيّد الجمال والجلال والكمال.
 
 وجمالُه الخلقي وحسنُ تقويمه فاقَ كلّ جمالٍ وكلّ حسنٍ .. وهو طاووسُ أهل الجنّة كما قال صلّى الله عليه وسلّم ((المهدي طاووس أهل الجنّة)). إنّما كان طاووسها ليُحاكي متعة العينِ من النّظر الى الطاووس الذي هو من أجمل الحيوانات والطيور وأبهاها. ويُحاكي كذلك كونُ الطاووسِ متعدّد الألوانِ مزركشٌ متناسقٌ له من كلّ لونٍ نصيبٌ. وكذلك الخليفة له من كلّ جمالٍ نصيبٌ لأنّ الجمال منه برز الى غيره. فلمّا قال الله تعالى "إنّي جاعل في الأرض خليفة". فهو الخليفة الإنسان الذي تعيّن في جميع الإنسان بين أنبياءٍ وأولياءٍ وجميع البشر. فهو الخليفة صاحبُ الرّتبة الشريفة. عزَّ أن يفهَمَ هذه الحقيقة الواضحة الكثيرون، لعزّة معناها وبقائها عند السادة الأمناء مأمونة مكتومة. فالخليفة لا تعني سوى أنّه النبيّ والوليّ والصديق والفاروق وجميع الرّتب إلى منتهاها. فهو الظاهرُ بها. 
 
 فلا قياسَ بينه وبين غيره، فهو الذي لا نظيرَ لهُ .. ارتفعَ عن الخلقية في حقيقته. لأنّه حملَ سرّ المستخلفَ وظهرَ به في الوجود. 
 
 فما ثمّة في الوجود سوى الوليّ والخليفة صاحبُ هذا السرّ والشهود بالذات، وسيّد الخلق والوجود رسول الله صلى الله عليه وسلّم الذي رأى بهذا السرّ والشهود جمال الذات وشهود آثارها. فما من وليّ أو نبيّ بعدهُ سوى محمولٍ على سيّد الخلق والوجود وبه يرى ما يرى، فمن بابه نرِدُ على الله تعالى وبه يكملُ جميع من يكملونَ إلى يوم القيامة فهو الشفيعُ المشفّعُ والحبيبُ المحبّبُ. صلى الله عليه وسلّم وبارك وكرّم وعلى آله وصحبه في كل لمحة ونفَسٍ بقدر عظمة ذات الله تعالى.
 
 وسياقُ الآية دالٌ إلى ما ذهبنا إليه لمّا قال سبحانه وتعالى {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}.
 
 فقوله تعالى : وهذا البلد الأمين .. إشارةٌ للكعبة الشريفة والمسجد الحرام. وهي إشارةٌ للمقام الذاتيّ الذي وُهبَهُ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وصاحب المقام أب الأنبياء الخليل عليه السلام. ومن هنا كان اسمهم أهل البيت. أي أصحاب القبلة الذاتية. وإنّما صحّ هذا الشرفُ والقبلة الذاتية بخاتم الأولياء والخليفة الذي هو صاحبُ القبلة الأصليّ وقطبُ الأرواح. المهدي عليه السلام من أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فهو المعنيّ الأوّلُ والسيّد الأوّلُ المرتبطُ به البيت أي الكعبة الشريفة وكونها القبلة قبلةً للأشباح، لأنّ صاحبها هو قبلة الأرواح. ولهذا جاءَ بعد ذلك السيّاقُ : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويمٍ. والإنسان هنا هو الخليفة صاحبُ هذا الشرف الأوّل الذي إليه انتسبَ البلدُ الأمين والبيت والقبلة. فهو الذي في أحسنِ تقويمٍ وهو قبلةُ الأرواحِ وهو أهلُ البيتِ بالأصالة.
 
 ومن هذا المعنى قوله تعالى : {..قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ..} سورة البقرة. فالقبلة التي قصدها الله تعالى "قبلةً ترضاها". هي القبلة الذاتية حيث نزول الروح في قلبه وعروجه الى سدرة المنتهى ورأى من آيات ربّه الكبرى، وحمله للإسم الأعظم. فقال سبحانه وتعالى في سورة الفتح : {نَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} وقال : {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}. وكذلك كان ذلك لأهلِ البيتِ الذين تحقّقوا بالوراثة بهذا السرّ، وكانَ المشارُ إليه بالأصالة والحقيقة هو الخليفة صاحبُ البيت الذي هو من ذريته صلّى الله عليه وسلّم. فقال صلّى الله عليه وسلّم لفاطمة البتول عليها السلام ((أبشري يا فاطمة المهدي من ولدك)). وهي القبلة االمرتضاة التي شرّفَ الله بها نبيّه ورسوله صلّى الله عليه وسلّم فبشّر بها ابنته البتول الزهراء عليها السلام أبشري واستبشري. 

قال الشيخ الأكبر قدّس سره في كتاب "عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب"  في فصل : (لؤلؤة التحام اليواقيت وانتظام المواقيت)

((فإنّ القصد في هذا الكتاب هو معرفة الخليفة والختم وتنزّل الأمر الحَتم فنقول فرجع عَودُهُ على بدئه في ليله وأدرك صلاة الصبح مع أهله، فتسوّد ذلك الجسدُ على أمثاله ممّن تقدّم أو تأخّر من أشكاله ، لمّا كانت مادة الحقيقة الأصلية والنّشأة البدائية إليه اسمه من ذاتها وإلى غيره من صفاتها) انتهى.


 فتسوّد جسدُ الخليفة الخاتم على أمثاله من الأجساد والأجسام، لمّا كان اسمُه معبّراً عن الحقيقة الأصلية بذاتها كما أشار الشيخ الأكبر قدّس الله سرّه. فمهدُ الجمالِ والكمالِ والجلالِ، وسرّهُ الأوّل ومنبعُه وأصلُه وفاطرُهُ، لا جرَمَ أن يكونَ السيّدُ والأجملُ والأبهى إذا عبّرَ ظهورُهُ عن ذلك السرّ، فلمّا كان هو صاحبُ ذلك السرّ الذاتيّ، فقد انعكستْ الملامِحُ على الوجه والخلقة لتُعطي التفرّد والسيادة والكمال المطلق كما هو الأصلُ.

وممّا أوردَهُ الشيخ الأكبر قدّس الله سرّه  في الفتوحات المكيّة عن الختم، قوله في قصيدة :

إنْ قيلَ من هذا ومن تعني به ... قلنا المحقّقُ آمِرُ الأمراءِ
 شمسُ الحقيقة قطبها وإمامُها ... سرُّ العِباد وعالِمُ العلماءِ
 عبدٌ تسَوَّدَ وجهه من همِّهِ ... نورُ البصائرِ خاتِمُ الخلفاءِ
 سهلُ الخلائقِ طيّبٌ عذبُ الجنى ... غوثُ الخلائق أرحَمُ الرُّحماءِ
 جَلَّتْ صفاتُ جلالِهِ وجمالِهِ ... وبهاءُ عزّتِهِ عَنِ النُّظراءِ


فقد جلّت صفات جماله وجلاله ظاهراً وباطناً، شمائلاً وأخلاقاً عن المناظرة والمماثلة، فهو حامل لواء الحقيقة المطلقة وجمالها وكمالها وسرّها فهو خليفتُها المطلق الأوّل.

واليهود هم من روّجَ أنّ أجمل إنسانٍ هو سيّدنا يوسف عليه السلام، بينما الحقيقة فسيّدنا آدم أجمل من سيّدنا يوسف عليهما السلام، فهو الخليفة الآدميّ الأوّل، وإن كان ليوسف نصيب من الجمال عظيم جدا، ولكنّ أبانا آدم أجمل منه. وأجملُ منهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليهما وعلى جميع الأنبياء فهو مظهر الكمالات الإلهية وجمالِها. وأجملُ إنسانٍ مطلقاً هو الخليفة المهدي عليه السلام.

أقنى الأنف أعلى الجبهة برّاق الثنايا وجهه كالكوكب الدريّ، إسرائيليّ الجسم عربيّ اللّون، لونه آدميّ وجماله أعجميّ، وخلقته أجمل الخلْقاتِ وأحسنها .. 

__________________________

بعضُ هذه الآيات التي أوردتها هنا وإشاراتها أشارَ لها مشايخنا -رضي الله عنهم- من بابِ الإشارة والتلميح، ونحنُ متوسّعونَ.