السبت، 1 يونيو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 26

- 26 -
 
فكانت الحقائق المتجليّة عن الذات والتجليّات قبل عود الدور إلى نقطة بدئه وعودته إلى نقطة وصله وانفصاله الأوّل، وعودته إلى نقطة شرفه الأعلى وأوجه الأوّل الأسنى، كانت معبّرةً عن صورة الأضداد وصورة النّقص والكمال، والعلم والجهل والخير والشرّ والحقّ والباطل، كان على ربّك حتماً مقضيّاً ذلك، لذلك أنزل الله سبحانه القرآنَ في ليلة القدر وعلى قلب عبده النبيّ المجتبى أوّل العابدين صلوات الله وسلامه عليه، في زمان ومكان مخصوصين غاية الخصوصية، يلتقيان في مجمع الرحمة، والرّحمة أمّ الجمال، فذاب الجلالُ في الجمال والرّحمة السّابقة، فكانت ليلة القدر هي ليلة الصّفات والتجليّات وليلة الأقدار المقدّرة على الخلق، فما خلق الله الخلق إلاّ ليرحمهم، فكانت الاضدادُ صورة الرّحمة الجامعة، فهي رحمة شاملة بين رحمة نعيم وصفو وجمال ورحمة تهذيب وتأديب وجلال. وبهذا الاعتبار فقد صار العبد المجتبى النبيّ الخاتم صلوات الله وسلامه عليه هو نقطة بداية الزّمان والمكان، ونقطة بداية القراءة للقرآن كتاب الله تعالى، وكتاب الوجود المطلق.

حيث لا يقرأ القارئ إلاّ في مقام الرّحمانية وحضرة الصّفات الكمالية والأخلاق الإلهية باسم الله تعالى، فليس من اسمٍ مخوّلٌ لهذه القراءة باسم الله تعالى سوى الإسم الجامع الواسطة بين اسم الذات الله والصّفات والتجليّات والخلق،
إسم الرحمن قال تعالى {الرَّحْمَنُ . عَلَّمَ القُرْآنَ}. وهذا هو معنى قول الله في الحديث القدسيّ "سبقت رحمتي غضبي". وقوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ} الأنبياء 107.
فالرّحمة اختصّت بالزّمان وهو ليلة القدر، اي ليلة الصّفات الإلهية التي تجلّت من عين الذات باسم الذات، واختصّت بالمكان وهو القلب الجامع محلّ البقاء بالله ومحلّ هذا النّزول القرآنيّ في ليلة القدر القلب المحمديّ. لذلك كان أوّل ما نزل عليه صلّى الله عليه وسلّم : "إقرأ باسم ربّك" أي إقرأ باسم الله فقد خوّلناك لذلك بما خصصناك به من الرّحمانية والرّحمة الجامعة بنزول القرآن في ليلة القدر وليلة الصّفات المتجليّة من عين الذات، على قلبك المتفرّد القارئ، وليس ينزلُ هذا القرآن وليست تصحُّ هذه القراءة إلاّ لمن تحقّق بك وفنى فيك يا محمّد وسار على قدمك واتّبعك وتشرّع بشرعك وتخلّق بأخلاقك فما نزل القرآن يا محمّد إلاّ على قلبك. قال سبحانه : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.} [آل عمران:31] وليس ينزلُ إلاّ على قلبٍٍ متحقّق بكَ حاملاً لصفاتك وأخلاقك التي هي أخلاق القرآن وأخلاق الله تعالى التي حلاّك بها فأنتَ هو مسمّى الإنسانُ الكامل ولأجلك خلقت الخلق وتجلّيتُ من كنزيّتي ليعرفني من يعرفني بكَ يا محمّد، فما عرفني العارفون إلاّ بكَ، وما كانت صفاتي هي عين ذاتي إلاّ من حيث تجليّاتي وإلاّ فذاتي مجهولة الكنه غيبيةُ الإدارك ليست مدركةً إلاّ من حيث إدراك ما تجلّيتُ به عليك.
فغاية إدراك المتحقّقين هي إدراك العجز عن الإدراك، فليست ذواتُهم سوى صورة علمهم بالله سبحانه المتجلّي، تعالى الله عمّا يصفون وما قدروا الله حقّ قدره. فافهم.

وهنا قال الله تعالى تخصيصاً للذات المحمديّة بالتجليّات الأولى الكمالية المفاضة على الخلق بقوله سبحانه وتعالى : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]

يصلّون على الذات المحمديّة، وصلاة الله تعالى هي التجلّي عليه صلوات الله وسلامه عليه، فهو واسطة الإفاضة على الخلق، ونقطة القسمة على الأكوان ممّا تجلّى به الله سبحانه، فلم يزل الله مصليّاً عليه في الآزال وملائكته تصلّي عليه بصلاة الله سبحانه وأمر الله فأمر الله المؤمنين أن يصلّوا عليه ويسلّموا تسليما بدعاء الله أن يصلّي عليه، فليس يقدرُ على الإثابة والإجزاء سوى المنعم المتفضّل الأوّل سبحانه. 

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
((..وإنما أنا قاسم والله يعطي)) رواه البخاري ومسلم.
فهذا معنى قوله أنا القاسم، اي نقطة الإفاضة والقسمة والتجلّي على الخلق، ولكنّ المعطي هو الله سبحانه. الذات المتجليّة بتلك التجليّات، فافهم. فالفضلُ عائدٌ للواحد الأحد وحده لا شريك له.

والذات المتجليّة كان حامل سرّها وكنهها هو الخليفة المهدي عليه السلام، فهو الحقّ سبحانه في مظهر الإنسان بذاته، فافهم.

لذلك كانت الخلافة الإلهية المطلقة والعادلة والخاتمة في آخر الزمان لهذا الخليفة، لأنّه هو عين الكنزية التي تجلّت على النبيّ الخاتم صلوات الله وسلامه عليه، وعين العقل الأوّل والكتاب الذي تجلّى الله به وهو الوجود المطلق، وما النبيّ الخاتم صلوات الله وسلامه عليه سوى نقطة التجلّي ونقطة بداية الزّمان والمكان للخلق، وواسطة الأكوان إلى خالقها، فافهم. بما ذكرناه من نزول القرآن الذي هو عين الكتاب في الدّلالة على قلب سيّد الأوّلين والآخرين من الخلق صلى الله عليه وسلّم في ليلة القدر، في برزخ الرحمة والبقاء الذاتيّ. فالقرآن هو الوجود المطلق في دلالاته فهو غير منتهي الدّلالات والمعاني فهو مطلق لانهائي كما هو الوجود المطلق غير مدرك وغير منتهي، فقد كان القرآنُ موجوداً باعتباره دالاًّ على الكنزية المخفية في العماء، وما حصلَ هو نزوله على النبيّ الخاتم صلى الله عليه وسلّم في ليلة القدر جملةً، نزل جملةً على فؤاده وهي جملة الذات، وهذا معنى نزوله جملةً. ثمّ أمره الله أن يقرأه باسم الله باسم الذات، فالقرآن كلامُ الله تعالى، وهو كلامه النّفسيّ وليس كلام حروف واصوات كما وقعت الفرق المبتدعة في الغلط والانحراف. فالله منزّهٌ عن الخلق والمكان والزمان والحوادث سبحانه، فالزمان والمكان والأكوان فاضت بنقطة التجلّي وهو سيّد الخلق صلوات الله عليه وسلامه، والحروف والأصوات واللّغات مخلوقات وتجليّات وحوادث. فافهم. فكلامُ الله هو كلامه النّفسي، والكلامُ هو كلمة الله التي تدخل تحت كلمة كن، فافهم، فليست الكلمات سوى الموجودات. فكلامُ الله هو الوجود المطلق. فلمّا نزل على قلب النبيّ الخاتم أمره الله أن يقرأه باسم الذات اسم الله الجامع، فهي ليست ألفاظ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولكنّها الفاظ إسم الذات، الله سبحانه، فقد قرأه باسم الله. فالقرآن كلامُ الله في الاعتبارين: أعتبار القدم المنزّه عن الحروف والأصوات، وباعتبار الحروف والصوت فهو كلام الخليفة المهدي خليفة اسم الله سبحانه الذاتيّ. أمّا كلامُ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فهو الحديث النبويّ الشريف، وقد آتاهُ الله جوامع الكلم. فتلك هي ألفاظه وذلك هو كلامُه. فافهم هذا الذي نبوحُ به هنا من حقائق مذهلة، قال بها بعض أهل العرفان بلسان الكتم، وأفصحنا لك عنها بلسان الإفشاء والعلم.

يتبع ...