الأربعاء، 19 يونيو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 35





قال الشيخ الفرد الكامل عبد الكريم الجيلي قدّس الله سرّه في كتابه الباهر "الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل"


ذاتٌ لـهـا في نفسها وجْهَـانِ ... للسّفل وجهٌ والعُلا للثانـي
ولكلّ وجْهٍ في العـبـارة والأدا ... ذاتٌ وأوصافٌ وفِعْلُ بَيَانِ
إن قلت واحدة صدقْتَ وإنْ تقُلْ ... اثـنانِ حـقّاً إنّـه اثنـانِ
أو قلتَ لا بل إنّهُ لمثلّثٌ ... فصدقْتَ ذاك حقيقةُ الإنسانِ
أنظر إلى أحدية هي ذاتُهُ ... قل واحدٌ أحدٌ فريدُ الشانِ
ولئن ترى الذاتين قلت لكِوْنِهِ ... عبدًا وربًّا إنّه اثنانِ
وإذا تصّفحتَ الحقيقة والتي ... جمَعَتْهُ ممّا حكمُه ضدّانِ
تحتارُ فيهِ فلا تقولُ لسُفلِه ... علو ولا لعلوّه داني
بل ثمّ ذلك ثالثاً لحقيقة ... لحقت حقائق ذاتها وصْفانِ
فهي المسمّى أحمد من كون ذا ... ومحمّد لحقيقة الأكوانِ
وهو المعرّف بالعزيز وبالهدى ... من كونه ربّاً فداهُ جناني
يا مركز البيكارِ يا سرّ الهدى ... يا محور الإيجاب والإمكانِ
يا عينَ دائرة الوجودِ جميعَهُ ... يا نقطة القرآن والفرقانِ
يا كاملاً ومُكَمِّلاً لأكَامِلٍ ... قد جمّلوا بجلالة الرّحمنِ
قطب الأعاجبِ أنت في خلواته ... فلكُ الكمالِ عليك ذو دورانِ
نُزّهْتَ بل شُبِّهتَ بل لكَ كلّما ... يدري ويجهلُ باقياً أو فاني
ولك الوجود والإنعدام حقيقة ... ولكَ الحضيضُ مع العُلا ثوبانِ
أنتَ الضياءُ وضدّهُ بل إنّما ... أنتَ الظلامُ لعارفٍ حيرانِ
مشكاتُه والزيتُ معْ مصباحه ... أنت المرادُ به ومن أنشاني
زيتُ لكونك أوّلا ولكونِكِ المـ ... ـخلوق مشكاة منيرٍ ثاني
ولأجل ربّ عين وصفك عينُه ... هاأنتَ مصباح ونورُ بياني
كن هادياً لي في دجى ظلماتكم ... بضيائكم ومكمّلاً نقصاني
يا سيّد الرّسل الكرامِ ومن لهُ ... فوق المكانِ رتبةُ الإمكانِ
أنت الكريمُ فخذ فلي بك نسبةٌ ... عبد الكريم المحبُّ الفاني
خذ بالزمامِ زمامِ عبدك فيك كي ... يرخى ويطلق في الكمال عناني
يا ذا الرّجاء تقيّدت بك مهجتي ... بل للمحبّة قد دعاك لساني
صلّى عليك اللهُ ما غنّت على ... معنى تصاوير لهنّ معاني
وعلى جميع الآلِ والصّحبِ الذي ... كانوا لدار الدين كالأركانِ
والوارثين ومن لهُ في سوحكم ... نبأٌ ولو بالعلم والإيمانِ
وعليك صلّى الله يا حاء الحيا ... يا سين سرّ الله في الإنسانِ

فافتح قلبك وعقلك لهذه الحقائق العاليات هنا، وهو يتحدّثُ عن الذات الأحدية التي هي أصلُ الخلق، فهي الحقّ والخلقُ، فما ظهرَ الخلقُ إلاّ بالخالق، وما ظهر العباد إلاّ بالمعبود، وما ظهرَ المربوب إلاّ بالربّ، وما ظهرَ المرزوقُ إلاّ بالرّازق، فهما من نبعٍ واحدةٍ، وعينٍ جامعةٍ، فغايةُ التوحيد أن تعرفَ أنّ الوجودَ عدمٌ أمامَ موجدِهِ، والوجود مفقود لا حياة فيه إلاّ بحياة الحيّ القيوم، فهو الذي قامَ به كلّ موجود، فقد صارتِ المخلوقات والكائنات قائمةً بربّها، فهي ظلالٌ لوجودِهِ، وهي أطيافٌ من تجليّاتِ نورِه، وهي آثارٌ من تجليّاتِ اسمائه الحسنى وأوصافهِ العُلا جلّ جلاله سبحانه. فهو واجب الوجود.



وسرّ هذه الذات تجلّى في الإنسان إذ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم "خلق الله آدم على صورته". فالصورة هي التحقّق بالصفات السبع أمّهات الصفات وهي الحياة والعلم والإرادة والقدرة والكلام والسمع والبصر، ليسعَ قلبُ العبدِ الحقَّ سبحانه كما قال في الحديث القدسيّ {ما وسعني لا سمائي ولا أرضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن}. من وقوله تعالى {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) } النجم.


فتأمّل لتجِدَ ما ذكرهُ الشيخ الجيلي في كلام الله تعالى، فالرّوح التي تجلّت فيها الذات دنَت فتدلّتْ فكانت قاب قوسين أو أدنى، فتأمّل قول الشيخ الجيلي :
إن قلت واحدة صدقْتَ وإنْ تقُلْ ... اثـنانِ حـقّاً إنّـه اثنـانِ
أو قلتَ لا بل إنّهُ لمثلّثٌ ... فصدقْتَ ذاك حقيقةُ الإنسانِ
أنظر إلى أحدية هي ذاتُهُ ... قل واحدٌ أحدٌ فريدُ الشانِ
ولئن ترى الذاتين قلت لكِوْنِهِ ... عبدًا وربًّا إنّه اثنانِ


فهما إثنان قوسان (قاب قوسين) : قوس الحقيّة وقوس الخلقية، وبنفس الوقتِ هما واحد (أو أدنى) في كونهما الدائرة الوجودية المتشكّلة من القوسين المتحاذيين المنفصلين بالخط الوهمي (وتر القوسين المتحاذيين)، وبارتفاع الخط الوهميّ فهما دائرة واحدة، رآى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلّم الروحَ الأعظم عند سدرة المنتهى عند الأفق الأعلى، فرآه كما ذكرنا في مقام الواحدية بتجلّي الإسم الأعظم بشهود الكثرة في الوحدة والقوسين في الدائرة، ثمّ بشهود الأحدية بارتفاع الاثنينة. فقال الله تعالى {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} النجم.


فتحقّقَ الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه بسرّ الإسم الأعظم بشهود ربّه، فرأى الحقّ أي رأى الرّوح، وأنّ الخلق تجليّات الحقّ، ولا قيام للخلق إلاّ بالحقّ، ورأى معاينةً بعين اليقينِ أنّ الخلق بطونه هو الحقّ سبحانه، فلا موجود إلاّ الله، وما سواهُ قائمٌ بوجوده. ناشئٌ من تجليّاته.
فأشارَ الشيخ الجيلي تعريفاً بهذه الحقيقة : أنظر لحقيقة الإنسان حامل سرّ الحقّ سبحانه، أنظر للإنسان الخليفة الذي جعله الله على صورته، والخليفة الأوّل كان هو عين هذه الذات المتجليّة، والإنسان من بني آدم هم خلفاء لهذا الخليفة.


وذلك كما ذكرنا سابقاً أنّ الله تجلّى في الرّوح، فكانت الرّوح مرآة ذاته، ظهر فيها بذاته، والخليفة هو عين هذا الرّوح الأعظم الذي خلق الله منه كلّ شيءٍ، فافهم. فلولا أنّ الله ظهر بين التشبيه والتنزيه لما صحّ للإنسان معرفته على هذا النّحو. بل ما قامَ التوحيد وما صحّ للمتوسّم إلاّ بسرّ الله في خلقه، فأصلُ الخلق رجوعهم لله سبحانه في نهايات البطون.



قال الشيخ الأكبر في الفتوحات المكيّة :

{"إني جاعل في الأرض خليفة" يُؤمن به من كل خيفة، أعطاه التقليد، ومكّنه من الإقليد، فتحكّم به في القريب والبعيد، وجعله عينَ الوجود، وأكرمه بالسجود، فهو الرّوح المطهّر والإمام المدبِّر، شفّعَ الواحدَ عينه، وحكم بالكثرة كونَه، وإن كان كل جزء من العالم مثله في الدلالة ولكنّه ليس بظلّ فلهذا انفرد بالخلافة وتميز بالرسالة فشرّع ما شرع، وأتبَع واتّبع فهو واسطة العقد وحامل الأمانة والعهد} -انتهى-


فليس الخليفة سوى الرّوح المطهّر والإمام المدبّر المسمّى بالحقّ المخلوق به، هو الذي تشفّعَ عن وتره وأحديّته، فكانَ حقّاً وخلقاً، قوسين كما ذكرنا، وهو الذي ظهرَ بالكثرةَ من وحدته وواحديّته، وإن كانت هذه الأحدية والواحدية صحّت لكلّ من العالم باعتبار عودة كلّ شيءٍ إلى الذات والأصل، فكلّ شيء له محتدٌ يعودُ به الى الله سبحانه، فكان كلّ شيءٍ في العالم دالاًّ على وجه الله سبحانه كما قال سبحانه : ﴿وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ سورة البقرة.ولكن ما كان هذا الخليفة وهذا الرّوح ظلاًّ ونسخةً إذ هو عين الوجود وهو صورة تجليّات المعبود وسرّه هو سرّ الحقّ سبحانه لذلك خصّ بالسّجود. والعلم بهذه الحقيقة هو العلم بكلّ علمٍ نافعٍ وإدراك لحقيقة الحقائق.




قال الشيخ الجيلي :

ولئن ترى الذاتين قلت لكِوْنِهِ ... عبدًا وربًّا إنّه اثنانِ
وإذا تصّفحتَ الحقيقة والتي ... جمَعَتْهُ ممّا حكمُه ضدّانِ
تحتارُ فيهِ فلا تقولُ لسُفلِه ... علو ولا لعلوّه داني
بل ثمّ ذلك ثالثاً لحقيقة ... لحقت حقائق ذاتها وصْفانِ


فإن تأمّلت الذاتين قلت لهذه الذات الأولى التي منها ظهرت الذوات وتجلّت الكثرة، هو العبدُ وهو الربّ، فكان الخليفة هو العبد في مقام العبدية وهو الربّ في مقام الربّوبية، وظهرَ بالأضداد، جميع الأضداد المتجليّة الممكنة، الوجود والعدم، العبد والربّ، النور والظلمة، العلوّ والسّفل، العزّة والذلّة، الغنى والفقر، الكمال والنّقص، العلم والجهل ..الخ من الأضداد. فهي ذاتٌ لحقت حقائقها وصفانِ.


بل ثمّ ذلك ثالثاً لحقيقة ... لحقت حقائق ذاتها وصْفانِ
فهي المسمّى أحمد من كون ذا ... ومحمّد لحقيقة الأكوانِ
وهو المعرّف بالعزيز وبالهدى ... من كونه ربّاً فداهُ جناني
يا مركز البيكارِ يا سرّ الهدى ... يا محور الإيجاب والإمكانِ
يا عينَ دائرة الوجودِ جميعَهُ ... يا نقطة القرآن والفرقانِ
يا كاملاً ومُكَمِّلاً لأكَامِلٍ ... قد جمّلوا بجلالة الرّحمنِ



وهو هنا يعرّفُ هذه الذات، وهذا الخليفة ليقول لنا هو المُسمّى أحمد في مقام الأحدية والذات الجامعة، وهو محمّد لحقيقة الأكوان، هو المعرّف بالعزيز وبالهدى، الخليفة العزيز المهدي من كونه ربّاً. فهو الذات الأحدية. الذي حمل سرّ الإسم الأعظم.


هو الإمام الأعلى هو الحقّ الظاهر بذاته في مظهر هذا الخليفة المهدي.


ويذكره بتلك الأوصاف الجامعة وأنّه اصل الوجود ومركز البيكار ومحور الإيجاب والإمكان، القابل للإمكانين كما ذكرنا.
الكامل بالأصالة المكمّل لسائر الأكامل الذين جمّلوا بجلالة الرحمانية، فافهم.
ما حاز الإسم الأعظم بالحقيقة والأصالة إلاّ المهدي الخليفة، فهو اللّطيفة الذاتية، وغيرهُ كمّلوا بالرّحمانية وقامَ فيهم الحقّ سبحانه لطيفةً صفاتية ، فما كان الخليفة ظلاًّ كما ذكر الشيخ الأكبر وكانَ غيرهُ من أهل الكمال من الخلفاء ظلالاً لهذا الخليفة، وكانوا كلابسي ثوبي زور. فهو حقيقتهم جميعاً، هو ذات ذواتهم.



فمحمّد هو أحمد في عالم الأكوان.
وأحمد هو المطهّر عن الأكوان وهو جميع من ظهر من أفراد بني آدم. فهو حقيقتهم، إليه مرجعهم.
فعبد الله هو المهدي بالأصالة، ولاحظ عبد الله، لترى الثنائية مجتمعة في هذا الإسم، العبودية والألوهية.

{الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْده الْكِتَاب وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجًا} الكهف.



من كونِ الألوهية تقبل الثنائية، لأنّها حقيقة جميع الموجودات والأشياء والأكوان.


وسيّدنا محمّد- عليه الصلاة والسلام- اسمه محمّد بن عبد الله، فلاحظ وتأمّل لفظة "ابن". فكأنّها تشيرُ إلى الفرعية والصورة.


فأحمد هو أصلُ الوجود، ومحمّد هو دائرة التعيّن والخلق. وما فاز الكونُ إلاّ بحبّ محمّد سيّد الأكوان والدّال على الرّحمن. صلى الله عليه وسلم. فهو الذي جعله الله الأنموذج والقدوة وهو سيّد الأوّلين والآخرين، وصفوة الخلق وصاحب مقام الجمع الذاتي والمبعوث رحمة للعالمين الذي أنزل عليه القرآن، لقراءة كتاب الحقّ سبحانه، الكتاب الذي أنزل على المهدي الذي هو خارج دائرة الأكوان، وخارج الخلق، فافهم. وإلى هذه الحقيقة يشير الحق سبحانه بقوله : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأَحْزَاب:33].
فالله تعالى يقرّر تقريراً عن تطهير أهل البيت تطهيراً من الأكوان، ببعثة المهدي الخارج عن الأكوان المطهّر عنها تحقيقاً، الحامل سرّ الحق تعالى بذاته، الخليفة الأوّل الحامل للصورة الإلهية بالذات والصفات، خلاف غيره وإن كانوا من أهل البيت وأهل الله اهل الكمال والفردانية وإن دخلوا في هذا التطهير فهم مطهّرون بانتمائهم إلى الرّحمانية بقوله تعالى {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ}، أمّا المهدي فهو المطهّر الذاتي الأصليّ وحامل سرّ الإسم الأعظم وخليفة إسم الله بالحقيقة والذات.


واقرأ صريحاً ما قال الشيخ الجيلي قدس الله سره في كتاب (الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم)

(واعلم : أنّ قولنا الحق والخلق، والرب والعبد انمّا هو ترتيب حكمي نسبي لذات واحدة كل ذلك لا يستوفي معناها ، ووقوفك مع شيء من تعدد ذلك زور وتضييع وقت في عين الحقيقة إلّا اذا كنت ممن يشمّ المسك و هو في فأرته ، فإنّ كل ذلك حينئذ ترتيب لذاتك تستحقه بالأصالة ، فحينئذ أكلت الزفر بيد غيرك ووزنت نفسك بعيار مرتبتك وما يستحقه قانونك ، فما وجدته من تلك فهو عين الحقيقة ، وما وجدته من الله على سبيل الاتصال والاتحاد فهو عين الضلال والالحاد ، ولا يذوق هذا الكلام إلا عربي أعجمي لغته غير لغة الخلق ومحله غير محلهم ، فهو يستوفي ماله كما لم يزل و يرمي بسهم مراتبه في قوس مقتضياته على هدف ذاته بيد قائم أحديته ، فلا يخطئ له مرمى ولا ينكس له سهما ، فلا سهامه تزول ، ولا عين الرامي تحول ، تعالى الله ان تنصرم ألوهيته أو تنقسم أحديته) انتهى.



فهو هنا يقرّر لنا ما ذكره وما ذكرناه، أنّ العبد والربّ والحقّ والخلق ترتيب حكميّ يعودُ إلى ذاتٍ واحدة، قد يُعجزكَ أبداً الوقوفُ على هذه الحقيقة وهذا السرّ وهذا العلم، لأنّه علمٌ ذوقيّ شهوديّ لأهله الذين دخلوا حضرة الحقّ سبحانه، فقال وقوفك على ذلك تضييع وقت في عين الحقيقة، ثمّ استثنى أنّ هناك عبداً واحدًا هو الذي صحّ له أن يشمّ المسك وهو في فأرته وقبل أن يدخل حضرة الكمال والتقديس، هو الفتى العربيّ الأعجميّ، أي المهدي فهو العربيّ الأعجميّ من آل بيت النبيّ صلى الله عليه وسلّم إسرائيليّ الجسم، وهو يؤيّدُ ما كنّا نقوله عن المجذوب، المهدي في جذبه وقبل كماله أنّه يجمعُ بين الأضداد ويصحّ له العلم بالمراتب والمنازل والحقائق على وجهها، لأنّها حقائق وترتيب تستحقّها ذاتُه بالأصالة، وانظر كيف يصفُه أنّ لغته غير لغة الخلق، إذ يصحّ له العلم بما لا يصحُّ لغيره قبل تقديس نفسه وهو في جذبه، ومحلّه غير محلّ الخلق، فليس هو سوى الحقّ تعالى في مظهر الإنسان، فافهم. لذلك زالَ هذا الختمُ المطهّرُ عن الأكوان عن مرتبته وظهوره وشهرته في عالم الأكوان، زالَ بختمه وحقيقته العليا التي تُمثّلُ الإطلاق وحقيقة الحقائق. فهو القطبُ المكتومُ، ولا يقُومُ الكتمُ إلاّ لسرّ خارقٍ فوق العقول وفوق ما يمكنُ أن يكون.فافهم.


يتبع ...