الخميس، 13 يونيو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 33


- 33 -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضّاً فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت..).

وهذا الحديث النبويّ الشريف على دلالاته الكثيرة، فهنا علمٌ كبير، نقفُ على بعضِ دلالاته كإشارةٍ ومعلمٍ هادٍ لنا في ظلمات العصور وفتنة الاعتداء على الحقّ، هذا الحديث الصّحيح الواقع حقّاً كما جاء بمراحله، ونحن نعيش نهاية الحكم الجبري وسقوطه كما نرى اليوم من تغيّراتٍ، دالاّتٍ في عالم المشيئة الإلهية أنّ تلك المراحل قامتْ على مشيئة الله تعالى {‏‏وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}‏‏ ‏[‏التكوير‏:‏29‏]. فكما قامَ الفقه الذي اجتمعت عليه الأمّة حامياً لبيضة الإسلام وفتنة التفرّق والخروج والمنازعات التي تجرّ الأمّة لويلاتٍ لا خير فيها، وما جاء في فقه عدم الخروج على الحكّام كما قال بعضُ أهل العلم بالله، فدلَّ هذا الحديث على أنّ سقوط الحكم الجبري وقيام الخلافة القادمة على منهاج النبوّة هي من مشيئة الله تعالى، فافهم. فكما قامَ الحقّ والفقه في الدّفاع عن فقه عدم الخروج عن الحكّام مهما ظلموا في تلك المراحل التي لاحتْ فيها المشيئة الإلهية وسبقتْ أنّ المشيئة سابقة على التغيير، وهنا علمٌ كبير، يوقفُكَ على حقيقة هذه الدّنيا، ويدلّك على علم التوحيد لله تعالى، وأنّ الأمر كلّه لله تعالى. فكأنّ تلك المراحل كانت على الدّنيا حتماً مقضياًّ، حتماً مقضيّاً تحتاجُ إلى تحريرٍ حقائقيّ وواقعيّ، فإنّه ما انفصلت الخلافة الباطنة مع الخلافة الظاهرة إلاّ بواقعها وفساد المُهَج، وطلب النّاس للدّنيا، فجاءت الحقائق موافقاتٍ لبواطن النّاس وحقائقهم. وساءت الأزمان شيئاً فشيئاً، حتّى صرنا إلى الحكم الجبري وهو أسوأ الفترات في حكم الأمّة المسلمة، وسقطت فيه القدس، وتفرّقت الأمّة دويلات، وما شرحناهُ من كيد الدجّال، وعلمه بالحقائق، الدجّال ومن ورائه إبليس، إبليس هو المعلّم الأكبر والعالم الخبير بحقائق الأمور، والعدوّ الكبير للإنسان.

فقلنا كانت المشيئة سابقةً، فقامَ الفقهُ وقامت الأحكام الشرعية منافِحَةً على بيضة الحكم والدّولة المسلمة لكي لا تقع المنازعات التي ليس لها داعٍ، لأنّ المنازعات لا تقومُ إلاّ بحقّها، وحيثُ أنّ الخلافة الباطنة انفصلت مع الظاهرة من عهد سيّدنا الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، فقد صارت المنازعات على الحكم متشابهة، والخروج على الحاكم من نفس وجود ذلك الحاكم، فكلّ خروج على الحاكم - في المراحل السّابقة قبل أوان قدوم المرحلة الأخيرة- هو بتقرير المشيئة الإلهية خارجٌ عن الحقّ، من جنس طلب الدّنيا ومن حظوظ النّفس، مهما حاولَ المبرّرون تأويلا أفعالهم فيه، وبالتالي فهو إفسادٌ في الأرض وفتنةٌ وموجبُ لسفك الدّماء والمنازعات الفتّاكة التي تفتكُ بالنّاس التي حرّمها الله تعالى، فصار الإصلاحُ على سبيل الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وسبله التي أشار إليها أهل الصّلاح وسلك سبيلها أهل الفلاح، والدّفع في الأرض والسّعي قدر المستطاع لإصلاح الخلق وتوجيههم إلى الحقّ وتخفيف الضرّ والفساد والضّلال.

وعليه فقد كان الفقهُ قائماً بمقتضى المشيئة الإلهية، ودائراً معها، ولمّا جاءَ أوانُ سقوط الحكم الجبري واندلاع هذه التغيّرات والثورات الشعبية، فقد اجتمعَ التغيير هنا مع المشيئة الإلهية، فافهم. فالحديث النبويّ الشريف له هذه الدلالة العميقة والحكيمة، ونحنُ نقتبسُها من أهل العرفان الذين أشاروا إليها، ونضعُها هنا، فالتغيير الواقع وإن خالف ما كان مجمعٌ عليه من الأمّة وأهل الفقه، فهذه المخالفة وقعتْ ظاهرةً لهذا الإجماع فقط، أمّا في الحقيقة فالتغيير وقع بمشيئة الله تعالى، بمعنى أنّ التغيير وسقوط الحكم الجبري، اجتمعَ فيه معاملين إثنين : التغيير المقدّر الواقع بالمشيئة الإلهية، والتغيير المراد الذي ينشدُهُ كلّ مؤمن بالله ويرجوه كلّ عبدٍ وهو قيام الخلافة الرّاشدة على منهاج النبوّة.

فاصبحَ من المستحيل أن يُخالفَ الشرعُ بأحكامه وفقهه هذه المشيئة الإلهية إلاّ ظاهراً، وإجماعاً كان قائماً بأسسه الباطنة التي لم يفقهها أهل الظاهر، والجامدون على النّصوص من غير استشفافٍ للحقّ الخالص الحقّ المراد الذي أمرَ الله به سبحانه. فافهم.

فالمؤمن يدورُ مع الحقّ حيثما دار، وهذه الصّفة تعلّقتْ لخفائها وتعلّقها بالمشيئة الإلهية، تعلّقت بأهل العلم بالله تعالى وحدهم، فهم لعلمهم بالله وشهودهم مراداته في الخلق، يشهدونَ هذا التجلّي عليهم في واقعهم ومراد الله منهم، فيعرفون الحقّ حيثما دارَ، فيدورونَ معه، فانظرْ مثال هذا إلى ما ذكرناهُ من فتنة التغيير الواقع في أيّامنا وكيف اختلف عليه المختلفون، وبقيَ أهل الجمود والنّصوص من غيرِ بوصلةٍ تهديهم إلى الحقيقة والحقّ، يضلّلون الذين استجابوا لهذا التغيير، وهو تغيير وراءه الخير العظيم والخلافة الإلهية القادمة المتظرة لا شكّ في ذلك، ووراءه نهاية دولة الباطل المهيمنة على العالم اليوم بعسكرتها وإعلامها وغزوها الأثيريّ والثقافي والإعلامي والعسكري والاقتصادي والسياسي والاجتماعيّ، ما من مجالِ إلاّ هيمنَ فيه أهلُ الباطل على العالم، يخدمون دولتهم الباطلة القادمة، فجاء هذا التغيير رغماً عنهم بمشيئة الله وإعلاناً بقدوم الخير الأكبر، ونهاية شرّهم وباطلهم ودولتهم، لذلك ما كان من إبلبيس وعصابته، والدجّال وعصابته إلاّ أن يركبوا موجات التغيير ويحدثوا فيها ما يخدمهم، ويمكروا فيها مكراً. وهم علموا أم لم يعلموا فالله تعالى بمكرهم يمكرُ بهم ويستدرجهم إلى نهايتهم وسقوطهم. قُضيَ الأمرُ وانتهى، فلا رادّ لقضاء الله ومراده، قال سبحانه وتعالى :
{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} الأنفال-30. وقال سبحانه {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا. وَأَكِيدُ كَيْدًا. فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} طارق. قلتُ فكانَ هذا الحديث النبويّ الشريف العظيم دالٌّ على فقه الحقّ والمشيئة، ودالٌّ في نفس الوقتِ على الطائفة العارفة بالله التي تدورُ مع الحق، وتؤيّدُهُ ولو خالفتْ ما كان من أحكامٍ ظاهرةً قائمةً بظروفها وشروطها وضوابطها، فإذا تغيّرت الوقائع والظروف والضوابط تغيّرتِ معها الأحكام، لذلك سيخرجُ الإمام المهدي عليه السلام ويُعاديه الكثير من علماء الظاهر الجاهلون بالأحكام والعلم، الذين قستْ قلوبهم فهي لا ترى الحقّ، وتعلّقتْ قلوبهم بالدّنيا وفتاتها، وهذا من أسباب فساد آخر الزمان، لفساد العلماء واصحاب المنابر، وطلبهم الدّنيا ووقوعهم في تلبيس النّفس والشيطان، وتركوا مناصرة الحقّ والمستضعفين، وتركوا روح الدّين وفقه الاستخلاف، واعتصموا بتعصبّاتهم وقوالبهم الفاسدة الجامدة.

ومن دلالات هذا الحديث النبويّ الشريف العظيم، ردّهُ على الذين طعنوا في صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وطعنوا في الخلافة الرّاشدة التي حكمها الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم، فهذا الحديث النبويّ الشريف دليلٌ عظيمٌ وشاهدٌ على خطأ وانزلاق من انزلَقَ بالطّعن في خيرة أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، باسم آل البيت والدّفاع عن آل البيت، والله يعلمُ أنّ آل البيت والصحابة مشكاةٌ واحدة هي مشكاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فكلّهم منه وإليه رضوان الله عليهم.

فالحديث حدّد المرحلة الأولى بالخلافة الراشدة على منهاج النبوّة، فلا مجالَ للطّعن فيها قليلاً ولا كثيراً، وهي ثلاثون سنةً مدّة هذه الخلافة الرّاشدة لا تزول وتنتهي إلاّ بالمرحلة التي تلتها، وهي الملك العضوض، ((
تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضّاً..)). فتأمّل الحديث النبويّ الشريف، لتفهمَ وتعرف فلا تُفتن، ولا يلعب بعقلك وقلبك أحدٌ من هؤلاء الذين يريدونها باطلاً وفتنةً بالأسماء المقدّسة. فهي خلافة راشدةٌ على منهاج النبوّة تلت النبوّة ويتلوها الملك العضوض بالعهد الأمويّ، إذ صار الحكم وراثياً وعائلياً.

روى الترمذي عن سعيد بن جمهان قال حدثني سفينة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الخلافة في أمتي ثلاثون سنة، ثم ملك بعد ذلك، ثم قال لي سفينة: أمسك خلافة أبي بكر ثم قال وخلافة عمر وخلافة عثمان ثم قال لي أمسك خلافة علي قال فوجدناها ثلاثين سنة"

وهي كذلك ثلاثون سنة قدر خلافة الأربعة رضوان الله عليهم.  فكان هذا الحديث النبويّ الشريف حديث المراحل عن حديفة بن اليمان رضي الله عنه، من أجلّ الأحاديث النبويّة في دلالاته على الحقّ. وما يعقلُها إلاّ العالمون وقد وقفنا عليه وفقاً لما أشارَ إلى أغلب ما وضعناه من إشارات ودلالات بعض أهل العرفان بالله تعالى.

يتبع ..