الخميس، 6 يونيو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 30



- 30 -

الدجّالُ الطّامعُ في ما لا يُنالُ بحمقه وجهله وحقيقته التي حكمتْ عليه، ليس هو سوى أداةٍ لتدوير صراع الحقّ مع الباطل، الوجودُ كلّه تجليّات الحقّ سبحانه، وجود وعدم ، شرّ وخير ، حقّ وباطل ، ضرّ ونفع ، ملائكة وشياطين، لطافة وكثافة، روحانية وطبع ، كلّها خلق الخالق وتجليّاته سبحانه، والمكان والزمان ليست سوى تجليّات فالله سبحانه فوق الزمان والمكان، إنّما الزمان والمكان للمقيّد، المخلوق الكائن بكينونته الزمانية المكانية وضعفه ونقصه وقهره وصراعه وما أودع الله فيه. والخلق كلّهم مقهورون تحت قبضته، يوم ينادي سبحانه {
لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فلا يجيبُه أحد، فيُجيبُ نفسه بنفسه عزّ وجلّ {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} غافر 16.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "يَطْوِي اللَّهُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ، ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ ؟ ثُمَّ يَطْوِي الأَرَضِينَ ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِشِمَالِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ ؟" .

أين الجبّارون والمتكبّرون والمجرمون وأصحابُ الدّعاوى ؟ أين الحمقى والنّوكى ؟ خدعتهم نفوسهم ولبّس عليهم الشيطان فهم في خيباتهم يتلاعنون. قال تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} فصلت-29. ورغم أنّ التفاسير نقلت أنّ المقصودين هما إبليس من الجنّ وقابيل من الإنس، بدعوى أنّ إبليس شرع الفساد والشرك، وقابيل شرع القتل وسفك الدّماء. ولكنّني أذهبُ أنّ المقصودَ من الإنس هو الدجّال السّامريّ، فهو معمّرٌ ومتآمر ومفسد وأكبر طاغية ومفسد من بني آدم، ونعتته النبوّة أنّه أعظم فتنة في تاريخ البشر. فالمقصودان هما إبليس والدجّال. وإن تأخّر ظهور الدجّال إلى نصف عمر الإنسانية تقريبا أي بظهور رسالة سيّدنا موسى عليه السلام على رأس الألفية الرّابعة ولكن عمر 3500 سنة ليست قليلة في الإفساد العظيم وتحريف أكبر الديانات السّماوية الثلاثة : اليهودية والمسيحية ونشر الفتن بين المسلمين وتفريقهم طوائف وفرق، فهذا فعل الدجّال وابن الصيّاد الذي عاصر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم واختفى عند واقعة الحرّة المشهورة التي ماتَ فيها خيرة أبناء المدينة وبقيّة صحابتها الأطهار على يد أهل البغي والسّوء من أتباع يزيد عليه خزي الله.

قلتُ : فسعي الدجّال وإفساد إبليس الأكبر هو إرادة الله أن تتجلّى الأضداد في ذروتها ليظهر قطب الشرّ بتحالفه بين الإنسان الضاّل السّامريّ والجنّ الضّال إبليس، ويظهر قطب الحقّ والوجود الإمام المهدي الخليفة فيقيمَ العدل المطلق ويردّ الكون إلى رحمانيته ويظهر بشرع خاتم الرّسل صلّى الله عليه وسلّم سيّد الأكوان الذي جعله الله القدوة والمرجعية والسيّد صاحب الرّسالة الخاتمة الجامعة والحقيقة العارفة بربّها الدّالة عليه وواسطة الخلق إليه. ليشهدَ الخليفة الحقّ على خاتمية رسالة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وسيادته على العالمين والأوّلين والآخرين. قال الله تعالى
وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ الرعد-43. فمن هذا الذي عنده علم الكتاب الذي يشهد برسالة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعدما كذّبَ رؤوس الكفر برسالته من ربّه ؟ فاعلم أنّه ليس هذا الذي يحملُ علم الكتاب سوى صاحب الكتاب العبد الذي أنزل الله عليه الكتاب المذكور في فواتح سورة الكهف وسورة البقرة وغيرها من السور، الإمام المهدي المنتظر عليه السلام. وكما قال المسيح عليه السلام : "نحن علينا التنزيل والمهدي عليه التأويل". فالتأويل والحجّة والشهادة الكبرى والعلم يظهرُ بهم الإمام الأعلى الخليفة الختم صاحب الكتاب. ليشهدَ بذاته على فضل هذا النبيّ صلوات الله وسلامه عليه وفضل رسالته الخاتمة، فحينما يحكمُ صاحب الكتاب وخليفة الحقّ سبحانه وإمام الأئمّة بشرع خاتم الرّسل ويُظهره على الدّين كلّه فهذه هي الشهادة الكبرى لهذا النبيّ صلوات الله وسلامه عليه أنّ الله اتخذّه رسوله إلى العالمين وختمَ به الدّين والشرع المبين وجعله بابهُ وحجابه وواسطته إليه.

وقوله تعالى {
وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ} سواء قرِئت بالعطف على هذه القراءة فهي مشيرة إلى صاحب علم الكتاب وهو الخليفة المهدي عليه السلام الظاهر بسرّ الحقّ تعالى سبحانه. وقد فسّرَ هذا الجزء جمهرة من المتقدّمين أنّ المقصود هو الله سبحانه، قال الإمام الطبري في تفسيره : ((وقد ذُكر عن جماعة من الـمتقدمين أنهم كانوا يقرءونه: «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِـمَ الكِتابُ» بـمعنى: من عند الله)) انتهى.

وأورد جماعة منهم ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وغيرهم قولهم هو الله سبحانه. فهذه هي الشهادة التي ليست بعدها شهادة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الرّسول الأعظم والخاتم على خلاف ما زعم رؤساء الكفرة من اليهود وغيرهم بتكذيب رسالته صلى الله عليه وسلم.

وقال الإمام الطبري في تفسيره : ((حدثنا الـحسن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا أبو عوانة، عن أبـي بشر، قال: سألت سعيد بن جبـير، عن قول الله: «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِـمَ الكِتابُ» أهو عبد الله بن سلام؟ قال: فكيف وهذه السورة مكية.)) انتهى.

فالحاصل أنّ الشهيد هنا هو المهدي المثبت رسالة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وحجيّتها على العالم وهيمنتها على الرّسالات فتعلو شهادة لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله في كلّ بلد وقطر. بعزّ عزيزٍ وذلّ ذليل. كما جاء في الحديث النبويّ الشريف :
"ليبلغنّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعزّ عزيز أو بذلّ ذليل عزاً يعزّ الله به الإسلام وذلاً يذلّ الله به الكفر" رواه الجماعة



يتبع ...